بينما رجل الدين في زماننا يعتمد في قراءته للواقع المعاش على نصوص وقراءات وتجارب حدثت في تاريخ الإسلام وتجاوزها الزمن ويظن رجل الدين هذا أنها تنطبق على واقعه وأنها صالحة لكل زمان ومكان دون أن يقرأ الواقع المعاش أو يسأل نفسه هل الحوادث والنوازل متغيرة والنصوص ثابتة أم العكس أم أن كل زمان له رجاله ووسائله وعقليته ومشاكله التي لا تنتهي وأن حلول أي عصر من العصور لا تصلح كحلول لعصر آخر. من هنا غاب عن رجل الدين هذا فقه وفهم واقعه فراح يفتي بفتاوى زمن قديم مختلف عن زماننا ظاناً أن التاريخ وحقبه هو زمن دائري يراوح مكانه وأن مشاكله وقضاياه متشابهة. بينما رجل السياسة يختلف عن رجل الدين هذا فيرى أن التاريخ خط مستقيم مرة في صعود ومرة في هبوط ولا تشبه حقبه بعضها البعض بل تختلف بمشاكلها وقضاياها ووسائلها بل وتختلف أيضاً في طرائق التفكير من عصر إلى عصر نتيجة تقدم وسائل المعرفة والعلوم ونتيجة الأبحاث وتطور الوسائل والوسائط وغيرها.
من هنا ينبغي على رجل الدين أن يعي هذه المتغيرات ويراجع نفسه ويعيد التفكير بمناهج تفكيره ونظرته للحياة والناس والتاريخ حتى يستطيع أن يتناغم وينسجم مع زمنه وعصره وواقعه بدلاً من قراءة الحاضر بمنظار الماضي الذي ولى وانقضى ولن يعود وأن لكل زمان دولة ورجالاً وأن يحترم تخصصه ويراقب الله حين يفتي ولا يفتن الناس في دينهم حين يتكلم نيابة عن الله وعن رسوله لأن الكلمة والفتوى أمانة سيحاسب عليها يوم القيام وليدع رجال السياسة وأهل الاختصاص الذين هم أجدر منه في سياسة الأمور وليقف من بعيد ناصحاً لهم مذكراً إياهم عن طريق النصح والإرشاد إلى الحق والصواب موصيهم بما جاء في الدين الحق وأن لا يحشر (مناخيره) في أمور ليس هو أهلاً لها وليعلم أنه «كل ميسر لما خلق له» فالخباز ماهر في الخبز والنجار للنجارة ورجل الدين للدين والنصيحة والسياسي للسياسة وهكذا.