إن كثيرين ممن لهم أدنى اطلاع على «الفقه الإسلامي» يعرفون أنه يضم باباً أساسياً هو باب «فقه الواقع والحركة»، الذى يبيح للمسلم العابد فى وقت الأزمة أو الشدة ما لا يباح له فى أى وقت آخر، فله مثلاً أن «يكذب» إذا كان الكذب سينجيه من أذى الأعداء، أو سينجي المسلمين من ضرر بالغ، وله أن «يفطر» فى نهار رمضان إذا كان على سفر شاق أو إذا كان الصوم سيؤدى إلى ضرر صحي بالغ، لكن «الإسلامويين» المتاجرين بالدين والمتكالبين على منافع الدنيا وكراسي الحكم عثروا فى هذا الباب على مبرر لارتكاب أفظع الجرائم فى حق إخوانهم فى الوطن، دون أن يخالجهم أدنى إحساس بوخز الضمير، وأصبح ما يفعلونه نوعاً من «البغاء» الفاجر، لا يختلف إطلاقاً عما حدث ويحدث الآن فى سوريا التى تحولت أماكن «الجهاديين» فيها إلى سوق نخاسة عصرية، تباع فيها النساء كالبهائم لإشباع نهم الجنس لدى هذا النوع الجديد من البشر الذى شحنته أمريكا وإسرائيل والإخوان فى سوريا لتخريبها وتدميرها.. وهي نخاسة ونجاسة عثروا لها على اسم فاضح هو «جهاد المناكحة»!
وفي مصر نعيش منذ اندلاع ثورة 25 يناير نوعاً مقززاً من «جهاد النكاح» يتحول فيه الكذب الممنهج والمتواصل -وهو حرام- إلى حلال إخواني ما دام يخدم مصالحهم دون غيرهم، ويتحول فيه «الحنث بالقسم» إلى شطارة إخوانية مبررة ما دامت قد خدعت الآخر، العلماني أو الليبرالي، حتى لو كان مسلماً، ويتحول فيه قتل المتظاهرين واغتصاب الفتيات فى «التحرير» وإطلاق الشائعات وحرق مقرات حملة تمرد إلى سلوك مبرر يدخل فى «فقه الواقع والحركة»!
وانطلاقاً من هذا التحليل، يمكننا أن نفهم مظاهرات الإخوان لنصرة الأقصى أمس، وكأننا -نحن العلمانيين- الذين نحكم مصر وفرطنا فى القدس والأقصى، إنه نوع من الخداع الإجرامي الذى يدخل فى باب الحرام، لكنه يصبح حلالاً فى السلوك الإخواني القائم على استحلال الحرام فى التعامل مع الآخرين حتى لو كانوا مسلمين، كما يمكننا أن نفهم لماذا تحولت معركة المثقفين فى مصر ضد وزير الثقافة على لسان «العريان» وفتحي شهاب الدين، إلى معركة بين وزير مناهض للفساد ومثقفين من الفلول، إنه اغتيال معنوي كافر تجرمه كل الأديان والقوانين والأعراف، خصوصاً أن أشرف مثقفي هذه الأمة يقفون فى طليعة التصدي للوزير المتأخون.
إنه «البغاء» الذى تحول إلى جهاد مناكحة، والكذب الرخيص الذى تحول إلى جهاد سياسي، والاغتيال المادي والمعنوي والاغتصاب والنهب الممنهج لثروات المصريين باعتبارها أسلاباً أفاء بها الله على هذه الوحوش الضارية التى تنضح عيونها نهماً وشبقاً وهي تنشب أظلافها وأنيابها دون رحمة فى تراثنا الأخلاقي.