وقصة الزبير كما ذكرها ابن عبدالرب وابن حجر تقول: لما تزوّج الزبير رضي الله عنه عاتكة بنت زيد أرادت أن تخرج إلى العشاء، فشقّ ذلك على الزبير، فلما رأت ذلك، قالت: ما شئت! أتريد أن تمنعني؟ فلما عِيل صبره خرجت ليلة إلى العشاء فسبقها الزبير، فقعد لها على الطريق من حيث لا تراه، فلما مرت جلس خلفها فضرب بيده على عجزها فنفرت من ذلك، ومضت، فلما كانت الليلة المقبلة سمعت الأذان فلم تتحرك، فقال لها الزبير: مالَكِ؟ هذا الأذان قد جاء! فقالت: فَسَدَ الناس، ولم تخرج.
ورغم أن القصة لا تعكس إلا موقفاً بين زوج وزوجته ومعالجة لمشاعر شخصية، ورغم أن الزوج منع زوجته من حق هو لها منحها إياه القرآن، ورغم أن الزوج لجأ إلى حيلة ليست من مكارم الأخلاق التي عرف العرب بها وجاء الإسلام ليتممها، لأنها اعتمدت على الخداع والأذى والترهيب، فإن الداعية الذي يخرج في فضائيات إسلامية في دعوة يزعم أنها في سبيل الله وجد فيها حيلة كي يمنع النساء اللاتي يعملن كاشيرات أي محاسبات صندوق، من العمل، فخرج علينا هذه الأيام ليقول إنه يصح لنا أن نتخذ من هذه القصة وسيلة لإرهاب النساء اللاتي بدأن هذه الأيام يخرجن للعمل في مناشط جديدة على المجتمع ويشتغلن في متاجر كبرى خشية الاختلاط بالرجال، وهذه النصيحة والحملة جاءت بعد فشل حملات المناصحة التي قاطعت عمل وزير العمل وهاجمته في مكتبه وهددته بأنها ستدعو عليه بأن يصاب بالسرطان وستقتله به كما فعلوا بالوزير السابق، وبعد أن ملأوا فضاء المنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي بنصائحهم وتوجيهاتهم، وبما أن كل هذا لم يفلح في إقناع المسؤولين ولا النساء بالعودة عن هذه الأعمال فإنه لم يبق إلا الدعوة إلى اتخاذ قصة الزبير مع زوجته والتحرش بالنساء سبيلاً، ولا يهم إن كان هذا فعلاً فاضلاً أم دنيئاً، ولا يهم إن كان حقاً أم تعدياً.
المهم أن وضع قصة قام بها صحابي كفيل بأن يقنع الناس، ولو قيل إن الزبير فعلها مع زوجته فأنت يحق لك أن تفعلها بكل نساء العالمين. بهذا النوع من القصص يمكن أن تقنع الناس، كما أقنع تنظيم القاعدة بعض مريديه بأنه فجر المساكن بالرياض وقتل الحراس المسلمين والسكان المسلمين بفتوى جواز قتل الصائل أي الشرطي وجواز قتل من تمترس بعدو، تصور أنك لا تحتاج أن تقتل أو تتحرش بامرأة إلا لفتوى، وتخيل أنك لو احتجت هذه الفتوى فلن تعجز عن الحصول عليها، وهكذا صار لدينا قتل إسلامي وتحرش إسلامي، الله أكبر.