ما حدث قبل الثورة وخلالها وبعدها في سيناء هو عمل سياسي محكم بامتياز، الهدف النهائي منه والذي لاحت كل أبعاده، بوضوح شديد، هو إنهاء سيطرة مصر كلياً على سيناء، شرط أن يقترن هذا الإنهاء في كل مراحله بعملية استنزاف متواصلة لقدرات مصر في اللهاث والدوران الأعمى حول «أزمة سيناء»، دون أن تتمكن أبداً من تحقيق أي إنجاز أو حتى الاحتفاظ بقدراتها دون استنزاف.
لقد دأب نظام الرئيس السابق حسني مبارك، على التعامل مع «سيناء» باعتبارها موضوعاً نموذجياً للاستهلاك الداخلي.. كان هناك طيلة ثلاثين عاماً حديث دائم ومتواصل عن تنمية سيناء وعن مواردها التعدينية والسياحية والزراعية المذهلة، وانقضت الثلاثون عاماً دون أدنى تقدم في كل مجالات التنمية باستثناء واحد - كان وسوف يظل مطروحاً على الدوام- هو إتاحة الفرصة لكبار المستثمرين بالذهاب إلى سيناء لتحقيق أرباح طائلة في سنوات قليلة، لم يستفد منها أهالي سيناء على الإطلاق.
وبعد الثورة ومع مجيء تنظيم الإخوان المسلمين، بالاتفاق مع أمريكا وإسرائيل والأطراف الإقليمية الفاعلة، لحكم مصر.. لاحت ملامح الخطوة الثانية في التعامل مع سيناء، بوصفها أرضاً بلا بشر، يجري تجهيزها لبشر بلا أرض، وكأنها خرابة شاسعة تطل عليها عمارة سكنية مكتظة بالسكان والفقر ومحدودية الموارد، ولا مناص -إن آجلا أو عاجلا- من توزيع سكان عمارة «غزة» في فضاء خرابة سيناء، ولا أشك لحظة واحدة فى أن نظام مبارك بكامله فقد كل مبررات استمراره بسبب عناده التاريخي في رفض هذا السيناريو الشيطاني، لقد حافظ مبارك على سيناء خالية من التنمية والعمران كما أرادت إسرائيل وأمريكا.. ولكن تربيته العسكرية وانتماءه إلى مؤسسة وطنية عريقة لا يطيقان مجرد التفكير فى التنازل عن شبر واحد من الأرض، كان هذا هو السبب الرئيسي فى الإطاحة به، بعد أن ضمنت أمريكا بديلاً آخر على استعداد للتفريط فى سيناء مقابل تمكينه من الحكم.. وها هو البديل قد تمكن فعلاً.. إنهم «الإخوان» الذين يعتبرون الوطن صنماً لا تصح عبادته، ويستوي لديهم ضياع سيناء مع بقائها وإهدائها لحماس أو حتى للشيطان نفسه.
ولكن ستظل هناك عقبة لا يستهان بها في طريق هذا السيناريو الشيطاني، هى القوات المسلحة المصرية التي تعتبر سيناء تحديداً - وأكثر من أي جزء آخر من خريطة مصر- رمز شرفها ووطنيتها وفخرها ولن تقبل أبداً أن تكون سيناء هي الحل النهائى لضمان أمن إسرائيل إلى الأبد، بعد أن تتخلص من قنبلة الانفجار السكاني الموقوتة فى غزة.. بإزاحتها مرة واحدة إلى خرابة سيناء المحكومة بالفوضى وانهيار الخدمات وانعدام الأمن.
فى هذا السياق يمكننا الآن أن نفهم الدوافع الحقيقية لقتل 17 جندياً مصرياً في رمضان الماضى وهم يتناولون طعام الإفطار، ويمكننا أن نفهم من هم اللاعبون الكبار والصغار في مأساة خطف الجنود المصريين السبعة قبل أيام، ويمكننا أن نفهم لماذا حرص راديو مصر وكل وسائل الإعلام المسموع والمرئي التي يسيطر عليها الإخواني صلاح عبدالمقصود على أن تبدأ بخبر واحد، مؤداه أن الرئيس مرسي قام باستدعاء وزير الدفاع ووزير الداخلية للوقوف على ملابسات الحادث، وخلال دقائق من إعلان الخبر كانت الميليشيات الإلكترونية للإخوان قد تكفلت بخلق رأي عام ضاغط يعلق المسئولية بكاملها فى رقبة الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع.
إن ما أفهمه وما أعرفه هو أن هذا «الاستدعاء» اللئيم، يتجاوز «الفريق أول السيسي».. إلى استدعاء كارثي للقوات المسلحة المصرية لكى تغوص فى مستنقع سيناء، ولكى تتكالب عليها هناك كل خفافيش الظلام وضواري الكهوف الخائنة والعميلة، فى حرب عصابات لم يحدث إطلاقاً فى كل التاريخ العسكرى أن خرج منها جيش نظامي بأي انتصار.
هل ينتبه جيشنا العظيم لهذا الفخ الشيطاني؟.. وهل هناك من لاحظ طريقة الخطاب مع الرئيس مرسي فى الفيديو الذي أذاعه الخاطفون.. وقارنها بطريقة الخطاب مع السيسي؟.. إن الخطاب مع الرئيس مرسي يدخل في باب العشم.. أما الخطاب مع السيسي فهو تقريع متعمد، الهدف منه إظهار السيسي في موقف المتهاون في واجباته من أجل الاحتفاظ بالكرسي.
ولهذا كله أؤكد هنا أن أمر سيناء لم يعد يخص الجيش ولا الرئاسة ولا مجلس الوزراء.. إنه فرض عين على كل قوى الشعب الفاعلة والواعية، وعلى الجميع الآن أن يتدخل لإنقاذ سيناء والجيش معاً، وقبلهما وبعدهما الوطن كله، من خطة الشيطان الأعظم لتدمير مصر عبر بوابة سيناء.