بدأ الناس يشعرون بالتفاؤل بمجرد تعافي قيمة العملة الوطنية امام العملات الاجنبية، والشعور ان ادوات الدولة الوطنية تنتصر على ادوات اللا دولة، ونتمنى ان لا يخذل الناس، وتستمر عجلة الاصلاحات لتتحسن معيشتهم والخدمات، هذا التعافي خفف كثيرا من اعباء سقوط قيمة الريال الوطني، الذي كان المستفيد منه هم من يستلمون رواتبهم بالعملة الاجنبية، وتضرر البسطاء من موظفي الدولة، وكل ما له علاقة بالدولة الوطنية في الداخل اليمني، أي اننا نشهد اليوم تعافيا حقيقيا للدولة الوطنية، وبدأ الناس يستعيدون الثقة بالسلطة (الحكومة ومؤسساتها).
فاليوم معركتنا الحقيقية هي ان نستعيد الدولة الوطنية التي انهارت، وتضرر من انهيارها المواطن ورجال هذه الدولة (الموظفين)، تضرر التعليم والصحة والقضاء والامن العام والجيش الوطني، وكل من يستلم بالريال اليمني، اصبح راتبه لا يساوي شيئا امام العملات الاجنبية، وهذا ما زعزع ثقة الناس بالدولة الوطنية ومؤسساتها، وشكل كيانات داخل هذه الدولة برواتب اجنبية، وتشكلت نفوذ مصالح تستلم رواتب بالعملة الاجنبية، وشهدنا تسريبات الإعاشة، وتسريبات سابقة لقوائم اللجنة الخاصة واللجنة العامة، وكلها بدعم خارجي يهدف تشكيل مصالح خاصة تضر بالمصالحة العامة، وكان المتضرر هو المواطن والوطن، حيث سقط كل شيء، قيم واخلاقيات الدولة الوطنية، لتتفوق جماعات وفئات جمعتهم مصالح ضيقة، و شهدنا تشكيلات قبلية ومذهبية، لا تستقيم وفكرة الدولة الجامعة، والمواطنة المتساوية.
ستبقى الاصلاحات الاقتصادية رهن اصلاحات سياسية مرافقة لها لتكون فعالة ومستدامة، لان الاصلاحات الاقتصادية الناجحة تعتمد على بيئة سياسية مستقرة، وسياسات شفافة، ومشاركة مجتمعية، وإرادة سياسية قوية لتطبيقها.
لا يمكن ان تلتف الجماهير لدعم قيمة الريال الوطني ودعم اصلاحات اقتصادية حقيقية، وهناك انقسام سياسي حاد، وحكومة تمثل هذا الانقسام، وسلطة تتنازع حول مشاريع متعددة، فالتوافق السياسي مهم على استعادة الدولة بشكلها ومضمونها اولا، ونترك حسم الخلافات حتى يستقر المشهد وتسوية الساحة لانتخابات واستفتاء لفرض ارادة الناس بدلا من تصدير مشاريع، وتدخلات تعبث بتطلعات الناس واحلامهم وطموحاتهم، عشر سنوات كانت تجربة كافية لتعيد صياغة قناعات الناس بما يخدم مصالحهم.
لا ننكر ان الواقع اليوم مفخخ بالولاءات والانقسامات والاجندات المختلفة داخلية وخارجية، وان الاموال الاجنبية تغري الكثيرين، وهذا ما يعيق استقرارا حقيقيا لدعم مشروع الاصلاح السياسي الداعم للإصلاحات الاقتصادية.
نحن اليوم بحاجة لحكومة اصلاحات مصغرة، حكومة كفاءات لا سياسيين، تتكون من قطاعين: قطاع انتاجي وقطاع خدمي.
القطاعات الانتاجية لابد ان تفعل، لتدعم القطاعات الخدمية دون ذلك سيبقى القطاع الخدمي عبئا ثقيلا على حكومة تفتقد للإيراد ولديها ضعف في الدخل القومي، وعرضة للابتزاز الخارجي، وهو الابتزاز الذي يفرض شروطه الفوضوية، لخدمة اجنداته، لا يوجد تدخل خارجي بريء، في عالم اليوم المبني على تحالفات المصالح، والصراع بين الخير والشر، وتجاذبات المشروع الصهيوني الاستعماري وتأثيره اليوم على بعض العقول المنهكة قهرا، وما يتربص بنا كدول نائمة من مؤامرات.
اليوم لدينا وزارة الزراعة والثروة السمكية وهذا قطاع مهم اذا ما جرى تفعيله بعيدا عن اجندات الصراع وابتزاز الخارج، سينهض بالاقتصاد.
ولدينا الصناعة الاستخراجية، في بلد ارضه حبلى بالثروات، ونستغرب ان عدن فيها اكبر شركة لاستخراج الملح، تحتاج لتطوير لكي تكون رافدا مثلها مثل المصافي وآبار استخراج النفط والتنقيب عن المعادن الثمينة.
لدينا قطاع البناء والتشييد والاراضي، اذا ما خطط باستراتيجية وطنية يمكن ان يكون رافدا مهما لدعم خزينة الدولة.
كل هذا الى جانب تفعيل دور الميناء والمطار والسياحة، واليمن تمتلك من المواقع الاثرية والسياحية ما يجعلها تتفوق في هذا المجال.
لا تستطيع حكومة وسلطة ان تفعّل تلك القطاعات دون استقرار سياسي، وتحرر من التنازع السياسي والوصاية الخارجية، مهما كانت تلك الوصاية، هذا لا يمنع ان تكون هناك علاقات وتحالفات ندية مع دول اقتصادية كبرى تدعم تلك المشاريع، ولن تكون تلك التحالفات فعالة ما لم يتحرر القرار السيادي، ويكون الاختيار وطنياً بامتياز.
وفق الله الجميع لما فيه خير الوطن والامة.