يستهين الناس عادة بما تحتويه الزبالة، أو بلهجتنا العدنية (الكُدافة) من أشياء ومكونات يرمونها بدون مبالاة إلى الأكياس والحاويات المخصصة لها.
لكن البعض أدرك ما للزبالة من قيمة كبيرة واستطاع أن يكون منها ثروة هائلة لاتقدر بثمن . وفي بعض البلدان هناك أشخاص يسمون (ملوك الزبالة) يوظفون جيوشا من الزبالين والأطفال الذين يطوفون أحياء المدينة الكبيرة، ويقلبون حاويات الزبالة رأسا على عقب بحثاً عن أشياء ثمينة قابلة للبيع، أو لإعادة التدوير، بدءًا من القناني الزجاجية وغرش المياه البلاستيكية، وعلب القصدير، والورق المقوى الخ ..وفي البلدان المتقدمة لا يضعون كل الزبالة في حاوية واحدة، بل خصصوا لكل حاوية نوعاً معيناً من المواد، وميزوا كل حاوية بلون معين . فهناك حاوية خاصة بالزجاج فقط، واخرى خاصة بالمواد البلاستيكية فحسب، وثالثة بالورق المقوى، ورابعة ببقايا الطعام الخ ...ولكل نوع من الأنواع زبائن وشركات تجمعها وتعيد إنتاجها ولاشيء يهدر أو يترك هباءً مثلما هو الحال في أكثر شوارعنا العربية بكل أسف حيث تملؤها الزبالة بروائحها العفنة وقاذوراتها التي تزكم الأنوف، مع أن ديننا الإسلامي يأمرنا ويحثنا على النظافة. والنظافة ليست في الجسم او الملابس او في بيوتنا فقط، بل ايضاً في شوارعنا ومدننا! وقد لاحظ احد الأوربيين ذلك، وكتب يقول انك عندما تدخل بيت العربي تجده في منتهى النظافة، لكن ما ان تخرج إلى شوارع مدنهم حتى تجدها في منتهى القذارة! والسبب كما استنتج، والحق معه، ان العربي يشعر ان البيت ملكه، أو حقه كما نقول بالعدني، لكنه بالمقابل لايشعر ان الشارع ملكه، وبالتالي لايهمه نظافة الشارع كما يهمه نظافة بيته، ولهذا يرمي بالزبالة في الشارع بدون أدنى شعور بالذنب، حتى تسبب سلوكه هذا بالمرض له ولاولاده وأبناء حيه ! وزاد من عدم مبالاته عدم وجود قوانين رادعة.
وإليكم هذه القصة التي استوقفتني وتستحق التأمل: “يعمل خوسيه ألبرتو غوتيريز منذ أكثر من عشرين عاماً سائقاً لشاحنة تجمع النفايات. وفي ساعات الفجر الباردة في العاصمة الكولومبية، “بوغوتا” تمكن من جمع آلاف الكتب محوّلاً بيته إلى مكتبة عامة مجانية.في العام 1997 تغيّرت حياة «سيّد الكتب» ذي الأربعة والخمسين عاماً، بعد اكتشافه أن الناس يلقون عدداً كبيراً من الكتب في المهملات. ويقول: «أدركت أن الناس يلقون الكتب في النفايات وبدأت أجمع هذه الكتب».أول الكتب التي عثر عليها كان «آنا كارينينا» للكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي (1828 - 1910) وقد عثر عليه في خزانة مع عشرات من الكتب الأخرى. وهكذا بدأ بجمع الكتب من روايات وقصص وشعر وكتب تعليمية، وتخزينها في منزله في حي “مويفا غلوريا “جنوب بوغوتا. ومع مرور السنوات أصبح بيته مليئاً بالكتب من الإلياذة إلى «الأمير الصغير» و«عالم صوفي» وكتب الأديب الكولومبي الراحل غبريال غارسيا ماركيز الحائز جائزة نوبل.
بعد ذلك، صار الجيران يزورونه لاستعارة كتب، و«كان الحي يفتقر إلى الكتب» في ذلك الوقت. في العام 2000 حوّل خوسيه مع زوجته وأولادهما الثلاثة الطابق الأول من منزلهم، أي ما مساحته 90 متراً مربعاً، إلى مكتبة عامة، وأطلقوا عليها اسم «قوة الكلمات». لاقت هذه المبادرة نجاحاً كبيراً فاق كل التوقعات.. حتى أن عدداً من الأشخاص بمن فيهم أجانب تطوعوا للعمل فيها.
ويقول خوسيه: «ربما هي المكتبة الأولى في العالم التي تقدم الكتب مجاناً لمن يأتون لاستعارتها».
قبل نجاح المكتبة، كانت زوجة خوسيه تعمل في الخياطة، لكنها الآن تركت عملها وأصبحت تهتم بترميم الكتب ذات الحالة السيئة.طارت شهرة «مكتبة قوةالكلمات» في كل أرجاء القارة الأمريكية، وصار خوسيه يتلقى دعوات لمعارض الكتب الرئيسية مثل معرض سانتياغو في تشيلي، أو معرض مونتيري في المكسيك.
وجعله ذلك يتلقى مئات التبرعات، فلم يعد المصدر الأساس للكتب هو النفايات.
جابت عائلة خوسية أرجاء كولومبيا لتوزيع الكتب في المناطق المهمشة والنائية، وتلبية لدعوات من مدرّسين في مدارس حكومية، ووصلت كتب خوسيه إلى 235 موقعاً في البلاد.”