عجيب هو حال اليمنيين، لم يعودوا يعرفون وقت الفرح من وقت الحزن، ففي الوقت الذي يتقاتلون فيه في محافظة صعدة، وتطغى طائفة على أخرى، تقام الافراح في صنعاء، وكأن الذين يقتلون هناك ليسوا بشرا، وليسوا اخوة لهم في الدين واللغة والوطن... مفارقة عجيبة، والأعجب منها حينما يشترك نفس المال الآتي من الخارج في التزويج و التقتيل، كيف لـ4000 عريس وعروس أن ينعموا بطعم الفرح، ودماء هناك تسيل، وأرواح تزهق، ولا أحد ينظر إليها، لأن العدسات موجهة لمكان الفرح، فيما موقع الحزن، لا تنظر اليها إلا عيون المتقاتلين فقط.
من حق الجميع في مدينة صعدة ان يعيشوا بسلام، وان اختلفت رؤاهم وتعددت توجهاتهم، فالاختلاف لا يوجب القتل، ولا يسوغ الإبادة، والغريب ان هذا يحدث والدولة لا تعير بالاً لما يحدث هناك.. فما يجري في صعدة أمر خطير، ويهدد السلم الاجتماعي في اليمن برمته، فالنار لا تأتي إلا من مستصغر الشرر.
كلنا يتفرج وهذا عار علينا، ولكن العار الاكبر أن يشجع بعضنا أحد الفريقين على الآخر، ولا يسعى للصلح بينهما، متمنيا في نفسه زواله، وهو بذلك لا يريد إلا زوال الامن في يمن الإيمان.. فالصراع لن يتوقف عند تلك الحدود، بل سيصل الى كل بيت يمني، فجميعهم اخوة لنا، والسعي بالإصلاح بينهم واجب ديني، فإن بغت احداهما على الأخرى، فلنا بعد ذلك رأي آخر.
قد يقول قائل ان اليمن ألف على القتال، ونجيبه أن القتال هذه المرة يختلف، فحين يعتقد البعض أن العقيدة في صفه وضد الاخر، فهنا مكمن الخطر المصدر الينا من الخارج، والذي يجعلنا حطبا ووقودا لما يريد تنفيذه من أجندات، زج فيها اليمنيين زجاً، وبمساعدة مسعري الحرب، والباحثين عن الثروة والجاه على حساب كل شيء.
نعود للمال الذي يغذي الحرب فيقتل فيها الابرياء في صعدة، وينشئ الاعراس ليحيي الفرحة في صنعاء.. نحن لسنا بحاجة الى ذلك المال الذي يفرحنا نهارا ويبكينا ليلاً، ذلك المال الذي يريد اصحابه الا ينعم اليمن ولا اليمنيون بأي خير.
أيهما افضل السعي بالإصلاح بين المتخاصمين أم تشجيعهم على القتال، لو أن المال المسخر أمام الكاميرات للأعراس لم يأت ولم يأت معه نفس المال المشجع على الاقتتال، لكنا في أفضل حال، فلا يسعدني ان تقيم لي عرسا ومأتما في الوقت ذاته، بل ما يسعدني أن تكف خيرك وشرك عني، وتدعني واخوتي نعيش كما كنا في يمن الايمان.
ليس غريبا ان يحدث ما يحدث هذه الايام في صعدة ومؤتمر الحوار يسطر حروفه الأخيرة، فالمقصود هو ارباك المتحاورين ومن خلفهم جميع اليمنيين، ونقل موقع الحدث من فندق موفمبيك الى دماج، وكلما جرى تصعيد القتال هناك طال الاختلاف هنا، وهي عملية مقصودة، دبرت وتدار بمهارة، ويراد منها نسف الحوار وهو يلد مخرجاته.
لعنة الله على كل من يحرض يمنيا على قتل يمني، مهما كان الهدف والمقصد، فكلنا مسلمون، لا حق لأحد فينا على تكفير الآخر، طالما وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فعلى اليمنيين عامة ورجال الدين خاصة السعي الى اطفاء نار الفتنة، وإخمادها في مهدها، فما يحدث منذ سنوات في العراق ليس منا ببعيد.
المهم أن يعرف اليمنيون ان عدوهم خارجي، وأنهم إخوة سيجتمعون على كلمة واحدة، متى ما ادركوا ذلك، وعندما يدركون سيصبح العدو مكشوفا وسيعود وماله خائبا، ولن تفلح اعماله مادام اليمنيون على قلب رجل واحد، يحترم كل منهم رأي وأفكار الآخر.. حمى الله اليمن، واخمد فيها الفتن.
- أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
العرس في صنعاء و الحرب في صعدة
أخبار متعلقة