القات
أجرى اللقاءات/ صقر ابوحسن :تعرف محافظة ذمار بأراضيها الزراعية الخصبة التي تنتج عدداً كبيراً من المحاصيل الزراعية، خاصة أن بها قيعاناً زراعية مترامية الأطراف مثل: قاع جهران، قاع شرعة، قاع الحقل.وتنتج ذمار عشرات الأطنان من محاصيل زراعية متعددة منها الحبوب والخضار والفواكه والبقوليات ومحاصيل نقدية وكذلك القات والأعلاف، في المساحة المزروعة التي تصل إلى 112 ألف هكتار.تهديد للمحاصيل النقديةالأرض الخصبة في محافظة ذمار تواجه اليوم زحفاً مخيفاً بسبب اتجاه الكثير من المزارعين إلى زراعة «القات» في المزارع التي كانت تزرع فيها محاصيل أخرى، ويبرر المزارعون ذلك بأن القات له مردود مادي سريع بالمقارنة مع أي محصول آخر. وفق آخر التقديرات أن المساحة المزروعة بـ (القات) وصلت إلى (94.4 %) من إجمالي مساحة زراعة المحاصيل النقدية في المحافظة، وهي نسبة مخيفة ومقلقة إلى حد بعيد.التوسع في زراعة القاتتوسع رقعة زراعة القات ، ينظر إليه البعض على انه جاء بسبب عدم فاعلية المحاصيل الأخرى وضآلة ما تقدمه من مردود مالي، وتقلب أسعار بعض المنتجات الزراعية وموسمية الكثير من المنتجات الزراعية فيما زراعة القات تقدم مردوداً مالياً كبيراً مقارنة بالمنتجات الزراعية النقدية الأخرى ، ومحدودية الدور الرسمي في دعم المنتجات الزراعية النقدية مثل البن.أضف إلى ذلك ارتفاع التكاليف الزراعية خاصة مع ارتفاع سعر الديزل وبعض قطع غيار الآلات الزراعية ، والعشوائية في تسويق بعض المنتجات خاصة الطماطم والبطاطس.وجهة نظر الإعلامويقول الإعلامي علي الورقي عن زراعة القات مقابل انحسار زراعة المحاصيل الأخرى « القات يغزو قاع جهران بطريقة مخيفة ، بعد أن كان القاع أشهر الوديان اليمنية في إنتاج المحاصيل الزراعية من الخضروات والفواكه ومنها الطماطم والبطاطس والبصل والبقوليات والحبوب والكوبيش والتفاح والمشمش وغيرها».وأضاف خلال حديثه لـ (14 أكتوبر): تكمن الأسباب الرئيسية في شحة المياه الجوفية في الأرض والتي تجعل المحاصيل الزراعية تحتاج إلى مزيد من المياه ويعد ذلك في نظر المزارع خسارة مما جعلهم يستبدلون القات الذي يعتبرونه اقل كلفة واقل محصول محتاج للمياه، بينما هو العكس فالقات يحتاج الكثير من المياه.واستطرد الورقي بالقول: الخوف الآن من أن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية يجعل المزارعين المتبقين يقلعون عن الزراعة الأصلية ويستبدلونها بالشجرة ( القات)، داعياً إلى تضافر الجهود الرسمية والشعبية في محافظة ذمار للحد من زيادة زراعة القات في الأراضي الزراعية.المياه الجوفيةذمار تعتمد بشكل أساسي على مصادر محدودة للمياه خاصة مياه الأمطار الموسمية والآبار وعدم وجود مصادر للمياه مثل الأنهار .المهندس الزراعي حميد شبح ، قال إن ذمار تقع ضمن نطاق المنطقة الرابعة ( المرتفعات الغربية ) وأجزاء منها في المنطقة السادسة (المرتفعات الوسطى ) ويعتبر المخزون الاحتياطي للأحواض المائية قليلاً بالمقارنة مع المساحة المزروعة .«يعتمد الكثير من المزارعين على الأمطار والمياه الجوفية أثناء الري فإنه تستهلك كمية كبيرة من المياه عند استخدامها ومن الطرق الشائعة الاستخدام في اليمن هي طريقة الري السطحي أو الري بالغمر ولها أضرار تترتب عن استخدامها»هكذا بدا (الدكتور/ محمد نعمان سلام من الهيئة العامة للبحوث الزراعية) حديثه الذي أدلى به لـ (14اكتوبر)، وأضاف معددا الأضرار، فقدان كميات كبيرة من المياه بسبب استخدام القنوات المفتوحة والتي أحياناً تستغرق خلالها المياه عدة ساعات لكي تصل إلى الحقل وهي المسافة بين البئر والأرض المزروعة. وأشار إلى أن تعامل المزارع بشكل مباشر مع المياه السطحية عند الري بالغمر واستخدامه للأدوات المختلفة لتوجيه المياه قد يؤدي إلى انتشار الأمراض النباتية التي تنتقل عبر المياه مؤكدا أن المزارع تتضرر أيضا من هذه العملية خاصة إذا كانت تلك المياه تحمل أمراضاً طفيلية مثل البلهارسيا وخاصة عند الري من مياه الينابيع . إضافة إلى «استهلاك كميات كبيرة من المياه بسبب استخدام المضخات التي تساعد على عملية الري». حد تعبيره. لوحظ في السنوات العشر الماضية زيادة الاهتمام بوسائل الري الحديثة وبالذات الري بالرش والري بالتنقيط والري الفقاعي وذلك من قبل الدولة والمشاريع التنموية المختلفة. لكنه من الملاحظ أن تطور استخدام مثل تلك الطرق لا يزال محدوداً ويعود ذلك إلى جوانب مختلفة منها اعتبارات فنية واعتبارات مرتبطة بمستوى الوعي لدى المزارعين.الجانب الآخر والأكثر أهمية هو في تدني وعي المزارعين بأهمية استخدام الري الحديث في ترشيد استخدام المياه ، وهذا قد يكون غالباً بسبب عدم إدراك المزارعين خطورة الاستخدام العشوائي للمياه والكوارث البيئية التي قد تنجم عن انخفاض منسوب المياه الجوفية وأثر ذلك على الأجيال القادمة.وفي نهاية المطاف ، فإن الاستخدامات الخاطئة في الري ستؤدي إلى الزيادة في الطلب على المياه وسيؤثر على المياه العذبة تلك التي يستخدمها المزارعون من المياه الجوفية وهذا بدوره يؤدي إلى اختلال التوازن بين الموارد المتاحة خصوصاً للمياه الجوفية ، لكونها غير قابلة للتجديد وضعف قدراتها على مواجهة الاحتياجات المختلفة والتي من ضمنها الاحتياجات الزراعية التي تعتبر المستنزف الأكبر للمياه من قبل المزارعين واعتمادهم على أساليب قديمة واستنزافية. تراجع في زراعة الحمضياتاختفت»تماماً» أشجار الحمضيات وفي مقدمتها البرتقال واليوسفي من مديرية المنار والتي ظلت لسنوات طويلة أحد أهم مصادر الدخل لأهاليها وهو ما ينهي قصة شهرة هذه المديرية، التي عرفت بزراعة الحمضيات منذ زمن طويل.عدد سكان مديرية المنار حوالي (49027) نسمة ومساحتها تقدر بنحو (400) كم2 ، وتقع إلى الشمال الغربي من محافظة ذمار ، عاصمتها مدينة «حمام علي» واتسمت هذه المديرية بإنتاجها الضخم من محصول الحمضيات كان ذلك قبل أن يغزو القات مزارع المنطقة .في الوقت الذي أعاد «خالد دوس» احد ساكني المنطقة ، أسباب اختفاء شجرة البرتقال إلى ما أسماه «الربح السريع» لمحصول القات مقارنة بالمحاصيل الحمضية، أشار «المهندس الزراعي محمد الرعوي» إلى أسباب أخرى، وقال: قلة الأسواق واستمرارية محصول القات الذي يأتي بصورة سريعة ، أما الحمضيات فهي تأتي على شكل محصول سنوي.هذا وقد اقتلع عدد هائل من مزارعي المنطقة أشجار البرتقال من مزارعهم بصورة تراجيدية متلاحقة لتزرع بدلاً منها شجرة القات التي باتت تحتل مساحة شاسعة من مجمل المساحات الخصبة ما يهدد بقاء زراعة المحاصيل الأخرى. حمود يحيى الشبيبي عضو المجلس المحلي بالمديرية لم يجد شيئاً سوى الأسف لما يحدث، كاشفاً عن عجز المجلس حيال هذا الموضوع ، وقال : المجلس لا يستطيع أن يعمل أي شيء والناس هم أعرف بمصلحتهم . وتابع الشبيبي حديثه لـ (14 أكتوبر): المنطقة اشتهرت بالبرتقال واليوسفي واليوم تشتهر بالقات وشخصياً لم اعد أجد حتى برتقالة واحدة في مزارع المنطقة بعد أن احتلها القات.اتجاه المواطنين نحو شجرة القات عجل بإنهاء حقب متعددة من الشهرة الواسعة لأشجار الفواكه التي كانت تصدرها مديرية «المنار» بالإضافة إلى إهدار المخزون المائي في زراعة القات ،يأتي التوافد الهائل لزراعته خاصة من الشباب ، بعد إن كانت تصدر المديرية في السنوات الماضية ما يقارب (15 ألف طن) سنويا من الحمضيات إلى شتى مناطق اليمن ، صارت الآن تصدر القات بكميات مرعبة تقدر بأكثر من (5 آلاف طن) بشكل شهري .قلع أشجار الحمضيات ربما يأتي ضمن محاولات لإنعاش الحالة الاقتصادية المتردية للسواد الأعظم من أسر هذه المنطقة وذلك باستبدال زراعة هذه الأشجار بالقات الذي بات المصدر شبه الوحيد للدخل.