نجمي عبدالمجيدعن مطبعة الإبداع في عدن صدر كتاب (التجمع اليهودي في عدن، تاريخ وجوده حتى رحيله) ترجمة صلاح غبري الطبعة الأولى عام 2012م.هذا الكتاب هو أول كتاب يصدر بالعربية عن تاريخ يهود عدن مترجم عن مصادر إنجليزية، القسم الأول منه عن كتاب (يهود عدن جمع وإعداد متحف لندن لحياة اليهود وحركة شباب كاديماه) والقسم الثاني عن كتاب (يهود عدن مستعمرة التاج البريطاني، للكاتب روبن اهاروني).يقول المترجم في مقدمة الكتاب: (حددت وثائق الجيزة أن الوجود اليهودي في عدن يرجع إلى القرن الثاني عشر، وذلك بعد الاستكشافات التي قام بها كثير من المستكشفين في عدن، والباحثين عن زمن الوجود اليهودي، وعكست وثائق الجيزة، المتعلقة بعدن، مجتمعاً يهودياً مزدهراً عندما كانت عدن المركز التجاري بين حدود المدن المتوسطية وفارس وأفريقيا، والشرق الأقصى.كانت عائلة بندر اليهودية تقود التجمع في عدن، ويهود اليمن، وكانت محاكم عدن الحاخامية الإشرافية لا تقتصر سلطتها على يهود اليمن، بل حتى التجار اليهود في الهند، وسيلان، كما ذكرت وثائق الجيزة.وقد طور المجتمع اليهودي العدني الروابط الثقافية والدينية والتجارية مع المجتمعات اليهودية الأخرى في منطقة المتوسط وما وراءها كما واصل علاقاتها إلى روابط قوية مع المراكز اليهودية والأكاديمية في بابل وفلسطين، ومصر، بل حتى دعمهم مالياً.عاش التجمع اليهودي منذ القرون الوسطى بسلام ووئام مع مواطني عدن، يمارسون حياتهم العملية، ويؤدون طقوسهم الدينية بكل حرية، ودافع علماء عدن عن يهود عدن ضد فتاوى مجحفة في حقهم وايدوا ـ مثلاً ـ مقاومة اليهود ضد الفتوى المجحفة في فرض ضريبة جديدة على الذميين ـ اليهود، من قبل المعز اسماعيل حاكم اليمن، وكان اليهود ـ ايضاً ـ يستجيرون بولي عدن (العيدروس) عندما يتعرضون للسلب من قبل قطاع طرق الصحراء او اللصوص، وكان سلطان لحج فضل بن علي يرسل جنداً لحمايتهم والدفاع عنهم، ملبياً، وساطة اليهود من الذين احتكروا العمل الفني في صياغة الذهب والفضة في لحج، وذلك قبل الغزو البريطاني لعدن، بمائة سنة، وذكرت وثائق الجيزة مكانة اليهود في عدن، وهجرتهم إليها، عندما ينفجر التعصب الديني ضدهم في المدن المسلمة، وان حال عدن الاجتماعي، كان ملائماً لليهود في القرن الوسطى، بسبب المكانة الاقتصادية الممتازة لعدن، ولكن ظل الوجود اليهودي مرتبطاً بالإزدهار، وبالانحدار الاقتصادي لمدينة عدن).اول المدونات لتاريخ اليهود في عدن كما يذكر المترجم نقلاً عن الاصل الانجليزي، تعود الى فترة القرون الوسطى، وعدد من شواهد المقابر اليهودية التي كانت في عدن، تؤرخ منذ القرن الثاني عشر، وقد ذكرت 150 رسالة من وثائق الجيزة بمصر مؤكدة على وجود وظهور هذا التجمع اليهودي في هذه المدينة.في ذلك العهد توسعت اتصالات يهود اليمن مع التجمعات اليهودية في مناطق اخرى عبر عدن وبواسطة اليهودي العدني ابو علي حسن ابن بندر الذي كان يعرف باسمه العبري سارها كيهيلوت وتعني رئيس الحشود، ويدل هذا الاسم على انه كان قائداً لكل من يهود اليمن ويهود عدن.كان ليهود عدن في تلك الحقبة دورهم المهم في توثيق العلاقات مع يهود العالم، وكانت لهم روابط اجتماعية ودينية مع الكثير من التجمعات اليهودية في إطار الدولة الاسلامية، وكان التجاراليهود قد انضووا في اثني عشر قطراً من الهند وسيلان تحت السلطة التشريعية للحاخامات في عدن، وعرف يهود عدن بمدى حبهم للكتب الدينية العبرية ولهم عناية بنظام الدراسات الدينية لاكاديميين من العراق وفلسطين.عندما دخل الانجليز الى عدن عام 1839م كان عدد السكان 500 مواطن اغلبهم من اليهود، وبعد التطور الذي شهدته عدن ارتفع عدد اليهود في عدن إلى 2000 فرد وفي عام 1872م الى 3700 نسمة عام 1916م.ويذكر أن الكثير من اليهود الذين جاءوا الى عدن قدموا من مكة ومناطق عديدة من اليمن حيث عانوا من قهر الحكم الإمامي في اليمن، ولكن بعد دخول بريطانيا الى عدن انتقل العديد منهم الى عدن ونقلوا معهم تجارتهم، كذلك وصل الى هذه المدينة يهود من الهند والشرق الاوسط.يذكر الكتاب مايلي: (بحلول اوائل القرن الثاني عشر ركز اليهود على السكن باقدم مدينة في عدن والمعروفة باسم كريتر وهي بوضوح تبدو كمدينة قابعة على فوهة بركان. حفر البريطانيون نفقاً على جانب الجبل يربط مدينة كريتر بالمركز التجاري لميناء مدينة التواهي، حيث عمل كثير من اليهود فيها فيما بعد.وفي داخل كريتر عاش اليهود في حي يحتويهم وحدهم ويتكون من اربعة شوارع رئيسة وكانت تدعى بشوار ع 1، 2، 3 ، 4 وبعد ذلك عرفت لدى عامة اليهود الملحيين بـ (تشافات) ـ شارع ـ الحمراء (شارع الملك سليمان فيما بعد ـ المترجم ) وتشافات بنين (شارع حسن علي فيما بعد ـ المترجم )وتشافات الكبز أي شارع الخبز بعد وجود كثير من الخبازين (عرف فيما بعد بشارع السبيل ـ المترجم) تشافات المعلا أي شارع المعلا (وفيما بعد شارع الشيخ عبدالله ـ المترجم) وقبل سنة 1940م كان الشارع الخامس تشافات الزعفران (أي شارع الزعفران) قد سكنه اليهود، عدا الذين يعملون في مدينة التواهي، فالتنزه في الأسواق أو السواحل او في العطل كان نادراً خارج نطاق الحي اليهودي في كريتر على اليهود.سكن اليهود بمساحة ضيقة أو في بيوت ضيقة وقد سجل زائر ملاحظاته على ذلك في 1948م: ( البيوت مبنية من حجارة صماء قد اصطفت جنباً إلى جنب من غير فناء او حديقة وتفصل كل مجموعة من الأبنية ممرات المنظفين لتصفية النفايات).أبواب البيوت ـ بيوت اليهود ـ كانت خشبة مقواة بخشب مضاعف وتؤدي الى منحدر يغطي السلالم الخرسانية واعتماداً على الثروة والغنى تسكن معظم الأسر طابقاً او طابقين من البيت، وفي بعض الحالات، يوجد في المنزل طابق ثالث ممتد ربما لسكن العائلة او للأصدقاء بينما تتشابه مخارج ومداخل المنازل، الا إنها قد تختلف من الداخل طبقاً للظروف، البيوت ليست معقدة فبعد اخذ المطبخ والحمام في الحسبان فالاسرة الكبيرة عادة تعيش ليس باكثر من غرفتين او ثلاث غرف، والطابق الارضي يستخدم في بعض الاحيان كدكاكين، وكان مألوفاً ان تنام الاسر في السقوف اثناء اشهر الصيف الحار كذلك يقدم هذا الكتاب المهم معلومات عن عادات وتقاليد يهود عدن مثل الموسيقى، وطقوس العبادات والتعليم والاحتفالات، والحياة العملية، واحداث عام 1947م وبداية الهجرة من عدن الى فلسطين ودول اخرى.من اللحظات المهمة في حياة يهود عدن والاكثر اتصالاً بتجمعاتهم مايدخل في الطقوس الدينية ومناسبات الزواج والميلاد والموت ومايصاحب كل هذا من عادات هي من تكوين حياتهم الخاصة.عادة الزواج ومراسيم الزفاف تعد من اكثر الاحتفالات احتفاءً عند يهود عدن حيث يأخذ التحضير له عدن اشهر ولوضع تاريخ المراسيم مع الحاخام وإعداد كل الملابس والطعام يدوياً.قبل الزفاف بيومين تقام للعروس الفتاة مراسيم تدعى باسم (ماشدار) وتعني بالعبرية الحنة، ومن قبل المحتفلين من النساء تطلى ايادي الفتاة العروس بالحنة، وتبدأ مراسيم هذا الاحتفال، ويكون عادة عند بداية الظهيرة وينتهي في آخر الليل وتغنى الأغاني المعروفة في مثل هذه المناسبة مصحوبة بزغاريد، والشكر لله أن الفتاة قد كبرت وتزوجت.كانت هناك مدرستان يهوديتان في عدن قبل احداث عام 1947م، الأولى مدرسة الملك جورج للبنين وكانت قد شيدت من قبل جواده مناحيم ميسا، وقد اطلق عليها هذا الاسم احتفاءً بالزيارة التي قام بها ملك بريطانيا الى عدن عام 1911م، والثانية مدرسة جينات شالوم وهي للفتيات شيدت عام 1929م.يقول احد يهود عدن عن حالة التعليم بعد ان توسع وظهرت العديد من المدارس اليهودية مصاحبة التطور الذي شهدته عدن في تلك الحقبة من التوسع الشامل لعدد من الجاليات مايلي:كانت هناك كثير من المدارس اليهودية في عدن ربما ثلاثين إلى أربعين مدرسة وتحتوي مدرستي على حوالي خمسين طفلاً وكانت عبارة عن غرفة كبيرة في الكنيسة وكان المدرس يحمل عصا في يديه وكان يجب أن تحضر معظم أيام ذلك الأسبوع). أما الموسيقى فقد ظلت الجزء المكمل لحياة يهود عدن والأغاني نالت من الحضور في عدة مناسبات مكانة مهمة منها أغان للصلاة ومنها أغان للنساء تغنى خاصة في التجمعات النسائية أو في المراسيم. المصلون كانت أحب الأغاني إليهم تلك كتبها سالم الشبزي وهو من رجال الدين اليهودي له منزلة كبرى عند يهود اليمن ويهود عدن وقد عاش في القرن السابع عشر وولد في شاباز في اليمن وكان يهود عدن يسافرون إلى زيارة قبره في تعز. كتب الشعر وكتاباته ممزوجة من العبرية والغربية ووضع يهود اليمن ويهود عدن قصائده في الحان وحققت شعبية واسعة حتى أصبحت تلك الأعمال في منزلة مبجلة في ثقافة يهود اليمن ويهود عدن. عما جرى ليهود عدن من أحداث تذكر الوثائق هذه المعلومات:( كان الجزء الأكبر من اليهود والعرب متعايشين بسلام في عدن وحصل توتر بينهم في مناسبات وكان التوتر ملحوظاً بين عام 1920م و 1930م إلا أن الاضطراب ضد اليهود انفجر عام 1947م وكان اضطراباً لم يسبق له مثيل بكل المقاييس وبكثافة. بدأت الأحداث في الثاني من ديسمبر واستمرت ثلاثة أيام بعد قرار الأمم المتحدة لدعم تقسيم فلسطين احتشد جمع غفير من العرب حول الحي اليهودي الرئيس وهجم الحشد على متاجر اليهود وسلبوها واحرقوا سياراتهم ولم تستطع الشرطة أن تسيطر على الوضع ورابط الجند من الحامية البريطانية في عدن عند اندلاع الشغب ودعت السلطات البريطانية جنود محميات عدن وهو جيش عربي ذو تدريب بريطاني وتحت أمرة ضباط انجليز إلا انه بدلاً من وقف هجمة الحشود أدار هذا الجيش بنادقه نحو التجمعات اليهودية. استمرت الفوضى لأربعة أيام حتى تم إرسال جيش من البحرية الملكية عبر ميناء عدن لإنهاء حالة الاضطراب : “ لا شيء حصل في الليلة الأولى ، كل اليهود كانوا في حالة جيدة وكل شخص منهم في حالة تأهب وفي اليوم الثاني شاهدنا ناقلات مليئة بالجنود العرب يدعونهم جيش محميات عدن وكانوا مدربين تدريباً جيداً وقد جاؤوا ببنادقهم وكنا سعداء في ذلك الحين من الحكومة التي أرسلتهم لحمايتنا وان لا شيء سيحصل لنا وفي المساء سمعنا صوت طلق ناري اعتقدنا أن الجنود العرب والذين كانوا ضباطهم من الانجليز يطلقون النار على العرب الذين كانوا في مهاجمتنا ولكن الجنود كانوا يطلقون علينا النار. لم نصدق ، حتى هؤلاء الضباط الانجليز يطلقون النار علينا مع جنودهم وكيف يقتلوننا وقد جاؤوا لحمايتنا وبعد ساعات شبت الحرائق في البيوت وبلا رحمة. في أربعة أيام احرقوا نصف بيوتنا وكانت الجثث مرمية في الشوارع كل متاجرنا سلبت وقلنا هذه نهايتنا». كانت بيوتنا جميلة جداً دخلوا بيتنا واحرقوا المنزل كاملاً وكان لدي أخ في الثانية عشرة من عمره مات مخنوقاً في الحال كل شخص هرب وأتذكر أني جريت هرباً ولم ادر إلى أين اتجه في ركضي ولكنني اجري بعيداً عن منزلي المنزل المحترق. الذي حصل في عدن من اضطراب كان قد اعد وصمم له مسبقاً من الحكومة البريطانية وذلك من جراء فعلتها الخاطئة في الأمم المتحدة وكانوا يعرفون تماماً ماذا يفعلون عندما جاؤوا بالجيش العربي كانوا ينوون قتلنا وأعطيت الفرصة للعرب لعمل هذا وعمله العرب. كما تذكر المعلومات أن تاريخ الوجود اليهودي في عدن يرجع إلى عهد الكتاب المقدس “ التوراة “ العهد القديم الذي تعود أسفاره الخمسة الأولى إلى عهد النبي موسى والأسباط العشرة بالرغم من الاختلاف القائم في التفاصيل ومجرى الأزمنة أما أول معبد يهودي تم بناؤه في عدن في العصر الحديث يعود إلى عام 1856م وعرف باسم ميجان افرهام و أول مطبعة يهودية أسست في عدن عام 1891 وكانت تطبع مجموعة ابتهالات الصلاة والشرائع الدينية. في عام 1888م زار عدن عالم الحفريات جون ستدي ليف البريطاني لدراسة تاريخ الوجود اليهودي في هذه المدينة. ياكوف سايبر رحالة يهودي جاء إلى عدن عام 1859م وعمل في فحص شواهد القبور لمقبرة اليهود في هذه المدينة. يقول الكاتب اليهودي روبن اهاروني : ( إن المكانة الممتازة بعدن أثناء القرون الوسطى كانت بسبب تمتعها بمركز تجاري مشهور وعلى مدى واسع من النشاطات التجارية استمر حتى القرن السادس عشر عملت عدن كعين لليمن وهي القناة التي ربطت اليمن بعلاقات تجارية وحضارية مع العالم الخارجي وبالمثل كان التجمع اليهودي في عدن هو المركبة المهمة التي حملت يهود اليمن إلى النفوذ الخارجي الديني والروحي والاجتماعي والحضاري. أثناء فترة حكم سلطان لحج كان ليهود عدن علاقة جيدة بالعرب المحليين الذين حموهم في وقت محنتهم والجدير ذكره إن من بين الأسر البارزة ممن قاموا بحماية اليهود كثيراً كان الشيخ العيدروس ولي عدن، وكان معتكفاً في مسجد سمي بالعيدروس وأن مسجده يهب العناية الإلهية لليهود مقدماً لهم المأوى والحماية في أوقات المشاكل خصوصاً عندما يبدأ قطاع طرق الصحارى هجومهم المباغت على عدن).يأتي هذا الكتاب ليسد النقص الذي تعاني منه الدراسات المتصلة بتاريخ عدن وما يتصل بوضع الجاليات والمذاهب والعقائد التي عملت على تكوين هوية هذه المدينة وكيف كان التسامح الاجتماعي هو من يحكم حالة الانتماء عند الأفراد كذلك يساهم هذا الكتاب المترجم في فتح الباب لمزيد من التراجم المساعدة في تقديم الكثير من المعارف عن تاريخ عدن والتي يوجد العديد منها بلغات مختلفة دونت عبر حقب من الأزمنة لو تم نقلها إلى اللغة العربية لأصبح لدينا مكتبة كبرى عن تاريخ عدن.
|
ثقافة
قراءة في كتابتاريخ اليهود في عدن
أخبار متعلقة