عبر صفحاته يقدم لنا كتاب المؤرخ الأستاذ عبدالله يعقوب خان (جغرافية عدن) معارف متنوعة لما كانت عليه عدن في حقب سابقة من تاريخها.وهو من هذا الجانب يعد من المرجعيات المهمة في التعرف على أحوال هذه المدينة وحياة الناس فيها وما لموقعها من أهمية في تشكل أحداثها والمراحل التي ظلت عواملها تتداخل مع هذا الموقع عبر قرون من الزمن. عن مناخ عدن يقول الأستاذ عبدالله يعقوب خان: (تقع عدن في المنطقة الحارة ولكن الطقس لا يكون شديد الحرارة فيها أثناء هبوب الرياح الموسمية كما يكون في بعض الأماكن الأخرى في البحر الاحمر.وفي الحقيقة لا يوجد في عدن الا فصلان وهما الصيف والشتاء، ويبتدئ الص يف من شهر ابريل وينتهي في شهر سبتمبر، وفي اثناء هذه الشهور تهب الرياح الشمالية، لانها تهب من الجنوب الغربي الى الشمال الشرقي وتكون هذه الرياح في بعض الاحيان قوية جداً وملآنة بالغبار.ويبتدئ الشتاء في عدن من شهر اكتوبر الى مارس، وشهرا اكتوبر ونوفمبر يكونان باردين جداً واما الاشهر الثلاثة التالية أي ديسمبر ويناير وفبراير فهي ابرد من الشهرين الاولين.ويبتدئ البرد يقل من شهر مارس واما شهرا مايو وسبتمبر فحاران جداً لان فيهما تنقطع الرياح بتاتاً ويكون الطقس معتماً وصعب الاحتمال وخصوصاً في الهزيع الاول من الليل ولكن عند الفجر يكون النسيم عليلاً وبارداً.وفي اثناء فصل الشتاء تهب الرياح من الشمال الشرقي ويقال لها رياح الازيب.الصيف في عدن غريب جداً ففي بعض الاوقات ينقطع الهواء لمدة ساعات حتى يفتكر الانسان انه سيتبع ذلك حرارة شديدة، ولكن شتان بين الحقيقة وهذه الفكرة فان ميزان الحرارة يكون كالعادة دائماً تحت درجة الحرارة في الهند، وانما يحصل من انقطاع الهواء مايأتي:ترسل الشمس صيفاً اشعتها الحارة على صخور عدن المسامية فتستبقي هذه الصخور الحرارة الشديدة في تجاويفها وشقوقها وتخرج فيما بعد.وبهذه الطريقة يسخن الجو بعد غروب الشمس بمدة طويلة، وفي الايام الصافية يهب نوع من الريح الساخنة خصوصاً قبل او بعد الشمس وتسمى هذه الرياح كاوي (سموم) وسبب ذلك هو ايضاً الحرارة الباقية في الصخور. وحالما ترخي الشمس اشعتها المحرقة تبعث التلال الحرارة الكامنة فيها وبمساعدة نسيم البحر تهب بشكل ريح ساخنة.وسبب الشعور بالاختناق الذي يحدث عند ايقاف النسيم يرجع الى عدم وجود الأكسجين الذي يخرج من الحياة النباتية ونوع الأكسجين الذي نستنشقه في عدن يستخرج من تحليل المياه.وهذا النوع من الاكسجين في بلد تعتني بالاملاح القلوية صحي جداً ولكن الاجانب غير المتعودين عليه يجدونه قلقاً لهم. وهذا هو السبب في ان سكان عدن دائماً ما يذهبون الى شاطئ البحر طلباً للهواء النقي.التواهي والمعلا هما دائماً ابرد من عدن لانهما اقرب الى البحر وليستا محاطتين بالتلال مثلها.وطقس الشيخ عثمان ابرد من عدن او التواهي وهذا يرجع الى خلو الشيخ عثمان من التلال ووجود النباتات والى إن تربتها ليست حجرية او ملحية.وهذا هو السبب في ان سكان عدن عندما يشعرون بالحرارة الزائدة يذهبون الى الشيخ عثمان لتغيير الهواء.يصف الكاتب عبدالله يعقوب خان حالة المياه في عدن والأمطار التي يعتمد عليها السكان في هذا الجانب من حياتهم، فعدن مدينة في تلك الحقبة التي يتحدث عنها الكاتب، بعد الحرب العالمية الأولى، قد لوحظ ان شهري يونيو واكتوبر هما الشهران الوحيدة التي لا ينزل فيهما المطر وفصول المطر تتوزع على العشرة الباقية .وعدن مدينة لا توجد بها انهار، ولكن بها واديان عظيمان ينبعان من اليمن وهما وادي تبن ووادي بنا ويصبان في البحر مارين بمقاطعات محميات عدن.ويروي وادي تبن مناطق الحوشبي والعبدلي ويتفرق الى فرعين بالقرب من زايدة واسم هذين الفرعين الوادي الكبير والوادي الصغير.اما الوادي الكبير يصب في خليج عدن بعد ان يروي اراضي لحج والوهط وبئر احمد بالقرب من الحسوة، ويصب الوادي الصغير ايضاً في نفس المكان بعد ان يسقي اراضي مقاطعة الفضلي، كذلك يوجد في الجنوب الشرقي للوادي الصغير واد آخر يعرف باسم وادي حسن وهذان الواديان يقعان في منتصف الطريق بين عدن وشقرة.قبل دخول بريطانيا الى عدن كانت المياه تأتي إليها من الآبار والصهاريج وكانت تلك الآبار قريبة من وادي العيدروس ووادي الخساف وتملأ الصهاريج بالمياه وقت المطر.اما في الفترة التي تعود الى بداية القرن الماضي فقد اعتمدت مدينة عدن على المصادر التالية : تقطير ماء البحر.الآبار الإرتوازية المحفورة.مياه الأمطار المخزونة في الصهاريج.الآبار العميقة.كذلك يذكر لنا المؤرخ عبدالله يعقوب خان في كتابه (جغرافية عدن) بعض المعلومات عن الحياة الحيوانية في بحار وجبال عدن وفي هذا يقول:(يوجد في التلال بعض الاحيان النسانيس والثعالب والكلاب والقطط المتوحشة وقد شاهدت بعض الغزلان على جبل شمسان، ويوجد في البحار أنواع كثيرة من الأسماك، أهمها الديرك والجحش والناقم والبياض والخورم والقد والباغا والحوبيرة والكشر والعيدة والشول والجدب، واللخم (كلب البحر) وانواع اخرى كثيرة.ويوجد ايضاً اخرى كثيرة من ابي جلمبو وابو مقص والورنك والمحار والجمبري (جهنجا) والسرطان وثعابين البحر، ويكثر الصدف على شاطئ البحر ويوجد المرجان ايضاً في بعض الأماكن المعينة.واما كلب البحر اللخم، فخطر جداً على حياة الانسان ولذا يمنع الاستحمام في ثغر التواهي حيث يكثر هذا النوع من السمك.والطيور مثل العصافير الدورية والنسور والحدآث والصقور المائية، والبط البري والحمام الصخري وهزاز الذنب، كل هذه عادية وكثيراً ما يرى القبق والحمام والسمان والقنابر والبلابل.وفي بعض الأحيان يرى في البحر نوع من السمك يسميه العرب بقرة البحر، وايضاً يرى نوع آخر بالقرب من عدن الصغرى يشبه الرجل او المرأة ويسمى الحورية.هذا النوع يجفف ويحشى ويعرض على المسافرين ويمكن رؤيته في دار آثار عدن التاريخية في الطويلة.البغال والإبل والحمير والثيران والبقر والخراف والماعز والخيل والكلاب والدجاج والديوك الهندية والبط، كل هذه الحيوانات تربى في البيوت يستعملها الانسان في اشياء مختلفة.فالجمال هي اهم الحيوانات في حمل الاثقال وتستعمل البغال لجر العربات والحمير لنقل الاثقال والجمال لجر العربات ايضاً ويسميها الافرنج بسفن الصحراء.وتستعمل الخراف والماعز والبقر لحلب اللبن، والخيل للركوب وتأتي هذه الحيوانات من اماكن مختلفة فالبغال تأتي من بلاد العرب وافريقية، والحمير والجمال من بلاد العرب، والثيران والبقر والخراف والماعز من بلاد الصومال والعرب.ويوجد ايضاً الثعابين والفيران والعقارب وحشرة تسمى ام 44 والفراشات والسحليات والعنكبوت والوطاويط والثعالب الطيارة والناموس والبق والنمل والخنافس ويوجد ثلاثة انواع من الثعابين وهي الاسود والمنقوط والحيات وكلها سامة فالافراد الذين تلدغهم الثعابين يموتون.اما الجزر التابعة لعدن والمشكلة لجغرافيتها البحرية، يذكر بداية جزيرة صيرة ويبلغ طولها ميلاً ونصف ميل وعرضها 600 ياردة ويشبه شكلها المثلث ويصل ارتفاع أعلى نقطة فيها الى حوالي 270 قدماً جهة الطرف الشمال وهي تقع شمال عدن.وتشرف من خلال موقعها على الخليج الشرقي ومدينة عدن ويوجد في قمتها حصن.وفي الازمان السالفة كان حكام عدن يلجؤون الى هذا الحصن عند الهجوم من جانب البلد وكذلك توجد حفرة عميقة في قمة هذا التل وقيل عنها بأنها فوهة بركان خامد.وكان يوجد في هذا المكان محل لتقطير الماء عند سفح التل وقد اغلق بعد ذلك، وكانت هذه الجزيرة تتصل بعدن في مرحلة من الوقت عبر جسر.جزيرة سوابح: وقد عرفت عند العرب باسم جزيرة شريفة وهي تقع امام باب السلب ويصل ارتفاعها الى 300 قدم وهي تتصل تقريباً بالارض حيث المياه منخفضة، وتسمى ايضاً باسم جزيرة العبيد لان العبيد الذين اسرتهم البوارج الحربية البريطانية كانوا يقيمون في هذه الجزيرة.جزيرة كافتين: تقع هذه الجزيرة امام ارصفة المعلا وكانت تستخدم لتجفيف السمك وخزن التمور.جزيرة مرزوق كبير: وقد عرفت باسم جزيرة التوأمين وتقع بين المعلا والحجف وكانت بها عمارة صغيرة تستعمل كمستشفى للأمراض المعدية.جزيرة علاية: موقعها في خليج التواهي، بين التواهي والشيخ عثمان. جزيرة الكرنتينة: وتقع امام التواهي وقد عرفت ايضاً اسم جزيرة فلنت وكانت تستعمل كمحطة لتبخير المسافرين وامتعتهم وتعرف ايضاً باسم جزيرة الشيخ أحمد.جزيرة دنافة: ويقال لها الجزيرة المستديرة وهي تقع خلف جبل شمسان.وعن التركيبة السكانية لعدن في تلك المرحلة يذكر الأستاذ عبدالله يعقوب خان هذه المعلومات حيث يقول: (عدن التي اشتهرت يوماً ما في قديم الزمان كثغر للتجارة كانت قد تحولت الى قرية مهجورة بالخرائب وقت الاحتلال البريطاني سنة 1839. وكان عدد سكانها في ذلك الوقت نحو 600 نسمة ولكن في نحو ثلاث سنين زاد عدد السكان فأصبح 15،000 نسمة والآن قد اصبحت مدينة فيها من الانفس مالا يقل عن 48،000 نسمة من الاجناس المختلفة، من العرب والصومال واليهود والهنود المسلمين والهندوكيين والفرس والعجميين والمصريين والاوروبيين وغيرهم.ويبلغ عدد سكان عدن حسب تعداد عام 1931م: عدن: 21,383.المعلا وباب السلب: 3,605الحربية (قوات الطيران) :1,981 .التواهي وستيمر بونت وحجف: 7,502 الشيخ عثمان: 10,701.عماد وحسوة وعدن الصغيرة: 1,466الصناعة في عدن: اهم الصناعات هي صنع الملح بواسطة تبخير مياه البحر، وصنع السجائر وضغط الزيت والتكثيف وصنع الثلج وصبغ الاقمشة وطبع البغتة والمياه المعدنية وعمل السفن والجير.الملح: توجد مساحة من الارض بين خورمكسر والشيخ عثمان تعرف بمعامل الملح، وهناك يصنع الملح بواسطة تبخير مياه البحر وعمله بسيط جداً.فان طواحين الهواء تسحب المياه المالحة من القنالات التي تجري فيها مياه البحر وتصبها في احواض مسطحة قليلة الغور فتتبخر المياه وتترك خلفها مادة بلورية بيضاء تعرف بالملح.والعمال الذين يشتغلون في معامل الملح هم من اعراب بلاد اليمن فقط.ويصدر الملح الى اوروبا والهند.السجائر: تورد اوراق الدخان من مصر لصنع السجائر ويلتزم بهذا العمل اليونان، وكل عماله يهود.الزيت: الطبقة الفقيرة من السكان في عدن تستعمل الزيت كثيراً في الطبخ. وهو يصنع من حبوب السمسم (الجلجل) التي تورد من لحج واماكن اخرى في اليمن وبمباي، ويعمل الزيت في عدن بواسطة الماكنات التي تسير بالبخار والكهرباء .ويصنع في الشيخ عثمان بواسطة آلات بسيطة جداً تدور بالجمال.المكثفات: تكثف المياه بتحويل المياة المالحة الى مياه عذبة.الثلج: يصنع الثلج من المياه المكثفة وهو يستعمل كثيراً في الصيف.صباغة الأقمشة وطبع البغتة: تصبغ الاقمشة وتطبه البغت في الشيخ عثمان.بناء السفن: تبنى السفن الشراعية الكبيرة والصغيرة في المعلا، وتستخدم غالباً لتجارة السواحل.الجير: يتحصل على الجير كميات كبيرة من المرجان الموجود على ساحل المعلا وخورمكسر في الاتون. ويعرف بالنورة نورة الشيخ عثمان).قدم لنا المؤرخ الراحل الاستاذ عبدالله يعقوب خان في هذا الكتاب، مرجعية عن مدينة عدن في فترات من الزمن غابت اليوم الكثير من معالمها عن ذاكرة الناس لذلك تظل اهميته من حيث الدراسات التاريخية لعدن تحتفظ بمكانتها حتى اليوم وتلك هي ذاكرة الكلمات التي ترسم حقائق الزمان والمكان.
|
ثقافة
المؤرخ عبدالله يعقوب خان وكتابه جغرافية عدن
أخبار متعلقة