الأمان النفسي للطفل أهم من طعامه..!
إعداد/ محمد فؤاديعتبر الأمن النفسي من أهم الحاجات التي لا تستقيم حياة الإنسان ولا بناء شخصيته بدونها، وتعرف بأنها حالة من الاستقرار العاطفي نتيجة إشباع الحاجات المختلفة للطفل تؤدي إلى تأقلم وانسجام الطفل مع البيئة المحيطة به، والتخلص من المشكلات النفسية المختلفة التي تعوق ذلك الانسجام.وهي حاجة ماسة كلما افتقدها الطفل ظهرت عليه أعراض السلوك السلبي مثل السرقة، والجنوح، والمخاوف المرضية، والالتصاق بأحد الأبوين أو بدمية، وقد تندهش - عزيزي المربي- إذا علمت أن الأمن النفسي للطفل يتكون مع بدايات الحمل وحتى قبل ذلك، فالاستعداد النفسي للمرأة الحامل ومشاعر الأم نحو الجنين وكذلك الأب، والتفاهم الحاصل بين أفراد الأسرة كلها تؤدي دوراً أساسياً في تهيئة المناخ الأسري الآمن للمولود الجديد.وفي هذه المرحلة المبكرة يتخذ الطفل من الأم قاعدة من خلالها يكتشف العالم من حوله ثم يعود إليها ليتزود بحنانها وعاطفتها ثم ينطلق مجددا في مرحلته الاستكشافية حتى يزيد من خبرته وتجربته، ولا تكون الأم مصدرا لأمان الطفل حتى تغدق عليه من مشاعر العطف والحنان.ولابد من إغداق الحب والحنان على الطفل لكي يشعر بالأمان ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتدح نساء قريش بهذه الصفة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير نساء ركبن الإبل نساء قريش..أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده) [رواه البخاري].مظاهر وأعراض انعدام الشعور[c1] بالأمن لدى الطفل[/c]وتظهر مظاهر انعدام الأمن النفسي عند الطفل حسب عمر الطفل وقدرته على التعبير عن نفسه وقد لا تكون هذه الأعراض ظاهرة دائما، وقد تظهر بشكل أعراض جسدية كثيرة مثل الشكاوى المرضية، ونوبات من البكاء والفزع، إضافة إلى الأحلام المزعجة والكوابيس، ومظاهر أخرى مثل التبول اللاإرادي، وظهور بعض العادات السيئة مثل مص الإصبع وقضم الأظفار، والعدوانية وسرعة الانفعال، والعناد، ورفض الذهاب للمدرسة، والخوف، والقلق، والانعزال وعدم الاختلاط واللعب مع الأفراد، وضعف المستوى الدراسي.[c1]أسباب فقدان الطفل للشعور بالأمن النفسي والطمأنينة[/c]- عدم الاستقرار الأسري: الخلافات الزوجية جزء من طبيعة البشر، وليس العيب في وجود خلافات إنما العيب ألا يعرف الزوجان فن إدارة الخلاف، فالجو المشحون بالنزاع والشجار، والتوتر الدائم يحول بين الطفل وبين تحقيق الطمأنينة النفسية له.- قلة الحدود والضوابط: إن الالتزام بالقوانين والقواعد المتفق عليها دينياً واجتماعياً وأسرياً، هو الذي يمنح الإنسان عموماً والطفل خصوصاً شعوراً بالطمأنينة، وتساهل الوالدين مع أبنائهما وعدم القيام بواجب البيان للحق والباطل، وحدود الحرية، واللائق وغير اللائق من السلوكيات؛ يجعل الطفل يضيع في عالم لا يعرف الحدود والمعايير ضياعاً ينتج عنه فقدان الأمن والطمأنينة.- غياب واستقالة الوالدين: حيث يستقيل الأبوان من دورهما التربوي وينشغلان عن أبنائهما بظروف الحياة ويعتمدان طريقة التفويض في تربية الأبناء، فالخادمة مفوضة لرعاية الأبناء من حيث ترتيب المنزل وإعداد الطعام، والتلفزيون مفوض لتعليم الصغار وإيناس وحشتهم، والألعاب الإلكترونية؛ مفوضة للتسلية والترفيه ولا ننسى الوجبات الجاهزة ودورها أيضاً، والنتيجة المحققة..ضياع الأبناء وفقدانهم لمشاعر الأمان والهدوء النفسي.- غياب المشاعر الإنسانية: إن جفاف المشاعر وقلة التعبير عنها يشعر الطفل بفقدان الأمان؛ إذ تتكون لديه شكوك في محبة والديه له، فالطفل يحتاج لتيار عاطفي دافئ بينه وبين والديه، كما يحتاج إلى مشاركته وجدانياً في حالتي الفرح والحزن.- قلق الوالدين: أول وأكبر مصدر للبرمجة الشعورية للطفل يأتي من الوالدين، فالشعور الداخلي للوالدين ينتقل مع كثرة الاحتكاك اليومي إلى الأبناء، ولذلك قد ينتاب الأبناء شعور بالخوف والقلق كلما أحسوا أو سمعوا من الوالدين إيحاءات متكررة بذلك، مثل حديثهم عن الخوف من المستقبل، والخوف من غلاء الأسعار، الخوف من الكوارث.- عدم ثبات الأسلوب التربوي للوالدين: أحياناً يلجأ الوالدان إلى تغيير الأسلوب التربوي مع الأبناء بشكل متكرر رغبةً منهم في تعديل سلوكهم بشكل متعجل، متجاهلين أن أي أسلوب تربوي سليم يلزمه فترة من الوقت مع الاستمرار ليؤتي ثماره، والنتيجة الحتمية لهذا التذبذب هو فقدان الأبناء لشعورهم بالأمن والطمأنينة. أهمية دور الأسرة في منح الأمن [c1]النفسي للطفل[/c]تضطلع الأسرة بمهمة إشباع حاجة الطفل إلى الأمن في جميع مراحل حياته، من الحمل مروراً بمرحلة الرضاعة إلى أن يشب ويكبر، وقد حفظ الإسلام للطفل هذا الحق بشكل دقيق بما يفيد تحقيق الأمن للطفل حتى في حالة تحطم الأسرة وحدوث الفراق بين الزوجين. ويؤكد علماء النفس أن الأسرة تكاد تكون هي الأداة الوحيدة التي تعمل على تشكيل الطفل إبان حياته الأولى فقد أثبتت الدراسات أن الطفل يكون بحاجة إلى أن ينمو في كنف أسرة مستقرة، كما أثبتت حاجته إلى إخوة يكبرون معه ويشاركونه حياته الأسرية، فالأم تحتضن الطفل في مرحلة المهد، ومنها يستمد شعوره بالأمن، وعن طريق الأب يشبع الطفل الكثير من حاجاته ورغباته أيضاً كما ينال منه العطف والتقدير والمحبة. ومن أجل مساعدة الطفل على تحقيق الأمان النفسي، نقدم للوالدين مجموعة من التوجيهات أهمها:- تحقيق جو أسري ينعم بالألفة والمحبة، وتبادل الاحترام فيه، علماً أن احترام الوالدين لبعضهما وطريقة تعاملهما مع أبنائهما تنعكس إيجاباً على طريقة تعامل الأطفال بعضهم مع بعض.- إزالة كل الهواجس لدى الطفل تجاه الوالدين: فالأطفال أذكى مما نتصور، ويتمتعون بدقة الملاحظة والاستنتاج، وكثيراً ما تختلج في عقولهم هواجس تضايقهم وتزعزع استقرارهم النفسي، ومن أكثر تلك الهواجس شيوعاً شعور الطفل بأن والديه لا يعدلان بينه وبين إخوته في المعاملة والعطاء، ولذلك نقول أن تحقيق العدل بين الأبناء من أسباب شعورهم العميق بالأمان النفسي.- الاهتمام بالطفل وتفقده الدائم: عن طريق سؤاله عن أحواله، ومتابعة أخباره، ومشاركته أحزانه وأفراحه، وتوفير الاحتياجات الأساسية للطفل كالغذاء الصحي المتوازن البعيد عن الملونات والمنبهات والمواد الحافظة، والنوم الكافي، واللباس النظيف.- حرص الوالدين وخصوصاً الأم على التواجد بشكل كبير مع الأبناء، وإذا كانت ظروف عمل الوالدين أو أحدهما لا تمكنه من ذلك؛ فحينئذ يلزمهما التركيز في الأوقات القليلة التي يقضيها بين أبنائه على إشباعهم النفسي والعاطفي، إلى جانب متابعة سير أمورهم الأخرى الدراسية وغيرها.- حماية الأطفال من الصدمات المختلفة، كالشجار على مرأى ومسمع منه، وتعريضه للمخاوف من الحيوانات أو الأفلام أو الألعاب الخطرة.- منح الحب غير المشروط للطفل: وذلك بالتعبير عن حب الطفل مهما كانت سلوكياته، فقد نحب أبناءنا في كل وقت ولا يعجبنا تصرفاتهم أحيانا، فلابد من الحب غير المشروط، ومحاولة إثبات الحب له باهتمامنا بحديثه والإنصات إليه، فالطمأنينة تتحقق للطفل حين يشعر أنه محبوب ومرغوب فيه من أهله.- اعتماد أسلوب الرفق واللين في التعامل مع الطفل، والابتعاد عن الأساليب التي تدمر الثقة بالنفس، كمقارنته مع إخوته وأصحابه أو النقد أو التوبيخ أو النعت بنعوت سلبية أو التهديد المستمر أو التخويف المستمر أو الصراخ وعدم وجود لغة حوار هادئ.ولاشك في محبة كل أب وأم لأبنائهما، لكن الكثير منهم يظل محتفظاً بهذا الحب مكنوناً في صدره، ولا يحسن التعبير عنه لأبنائه، بينما هم في أشد الحاجة لهذا الحب الذي يمنحهم الأمن والأمان؛ فكلما شعر الطفل بمحبة والديه ازداد طمأنينة، وأشبعت لديه الحاجة إلى الأمن وهي من أهم احتياجات الطفل النفسية، وعليها ينبني استقراره النفسي وسلوكه القويم.