الذكي وحتى غير اللبيب يعرفان أن توظيف وتثبيت عشرات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد في وحدات الخدمة العامة والوحدات الإدارية والاقتصادية م/ عدن ليس تعبيراً طبيعياً عن حاجة هذه الوحدات لهذا الكم الهائل من الخريجين وإنما جاء نتيجة لظروف سياسية واقتصادية طارئة تشهدها البلد.كانت البطالة بين أوساط الشباب أحد الأسباب المهمة التي أشعلت النار بعد طول الانتظار وتكديس أكوام من الشهادات الجامعية التي لم توفر لأصحابها بعد سنوات الدراسة والتعب سوى أعمال محبطة كباعة جائلين يلهثون خلف الفتات أو عمال بناء يقاسون ظروفاً غير آدمية وغيرها من الأشغال التي تحطم الطموح ولا تملأ البطون.تتركز المشكلة الحقيقية في حملة الشهادات بشكل عام والنظرية بصورة خاصة فالأسواق تلفظهم والوظائف تدير ظهورها لهم فالذنب ليس ذنبهم لأن أنظمة التعليم لم تحسن تأهيلهم وإعدادهم لسوق العمل.فالأرقام الأولية لحجم المشكلة كبيرة حيث تشير إلى وجود عدد يقدر بـ (15474) طالب عمل مسجلا لدى مكتب الخدمة المدنية والتأمينات من حملة المؤهلات العلمية المختلفة منهم على سبيل المثال (3378) بكالوريوس اقتصاد بمختلف فروعه و(4832) بكالوريوس آداب وتربية و(852) بكالوريوس قانون /شريعة/ حقوق وما تبقى هم من حملة الدبلوم والثانوية العامة.كما أن سوق العمل الحكومي المتمثل بالوحدات الإدارية والاقتصادية ووحدات الخدمة العامة التي تجاوز عددها (165) وحدة قد تقلص نشاطها أما لتعثرها أو خصخصتها جراء تبني برنامج إعادة الهيكلة والإصلاح الإداري والمالي في منتصف التسعينات وبشكل عام فإن معظم ما تبقى منها يعاني كثيراً من الأمراض، يمكن ان يطلق عليها مسمى الأمراض التنظيمية ومن ظواهر الامراض التنظيمية: التضخم الوظيفي والانتشار الفض لثقافة تسوير الوظيفة العامة.كما لاتزال عدن مثقلة بملفات الصراع بين أطراف وقوى ترى احقيتها في الاستحواذ وتفيد الوظيفة العامة وكل ما يتعلق بجوانب التنظيم الإداري للموارد البشرية.إن خريجي الجامعات في م/ عدن المتقدمين بطلب التوظيف ينشدون تنفيذ ما تم رصده من فرص عمل للمحافظة في أسرع وقت ممكن عبر المجلس المحلي ليضطلع بهذا الدور، وفي ظل الاستقالات الجماعية لأعضائها مؤخراً وعدم رصد أي مبلغ لذلك الغرض في الموازنات العامة للعام المالي 2011م، ويبدو هذا الأمر ذا حبال طويلة بالفعل، بيد أن التراجع أو التلكؤ يعني أن الاحتقانات من المحتمل أن تتصاعد إلى ما هو أبعد.ومن هذا المنطلق يتعين على قيادة المجلس المحلي أن تستوعب متطلبات المرحلة التي فرضتها ظروف موضوعية يعلمها الجميع وتتحمل المسؤولية أمام شريحة واسعة من أبناء عدن ممن سوف يلتحقون بالوظيفة العامة حيث لا يقتصر الأمر على عدالة التوزيع فقط بل يتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك وعلى وجه الخصوص إعادة التأهيل الوظيفي لهم نظراً لمكوث العديد منهم في وضع العطالة لفترة طويلة تتراوح بين 5 ـ 12 سنة ولم يتبق لهم سوى سنوات محدودة من الخدمة الفعلية ثم سيحالون للتقاعد ببلوغ احد الآجلين (أجل العمر) بمعاش تقاعدي ضئيل. وكما هو معلوم أيضا أن مناهجنا في التعليم تعتمد على التلقين والخطط ثم (الجرد السنوي) في نهاية العام الدراسي لهذه المحفوظات التي سرعان ما تتبخر من ذاكرة الطالب حتى لا يبقى منها في عقله شيء.يخرج بعدها الطالب الخريج الى سوق العمل وهو لا يحمل أي مؤهلات حقيقية يقدمها لصاحب العمل، حكوميا كان أم أهليا، فهو لا يملك سوى شهادة لا تسندها أي مؤهلات عملية.فخريج المحاسبة أو الإدارة او غيرها من الكليات لا يستطيع أن يقوم بأداء عملي حقيقي تستفيد منه سوق العمل بمجرد نيله شهادة التخرج.إذن هناك حاجة ماسة إلى إعادة تدريب وتأهيل مخرجات عملياتنا التعليمية بكل مستوياتها وعلى مختلف مراحلها فيجب أن نبدأ بإعادة التأهيل الوظيفي للملتحقين الجدد في الوظيفة العامة لإحداث تغييرات في معلوماتهم ومعارفهم وأدائهم وسلوكهم واتجاهاتهم لتحمل المسؤولية لكي يقدموا مردودا مفيدا.وكذلك لتحريرهم من شوائب وتبعات فترة البطالة الطويلة والخوف من الوقوع في شباك القوى الفائضة مرة أخرى بما يعني اننا سنحتاج إلى عملية إعادة تأهيل تخاطب في الفرد عقله وحواسه ووجدانه واذا كانت الأخيرة باباً يستحسن ألا نفتحه الآن فإن السؤال يكون كيف يمكن ان تتم عملية إعادة التأهيل الوظيفي وكيف ندير اقتصادياتها؟.
فرص العمل الجديدة والتأهيل الوظيفي.. لماذا؟
أخبار متعلقة