جمال الأزهري نعم حدثث متغيرات كبيرة في تونس ومصر الشقيقتين اثر مطالبات شعبية بهذا التغيير، وهو ما رحب به كل العالم لكن مع التأكيد على أن ذلك في الأخير هو شأن داخلي خاص بهذه الدولة أو تلك .اليمن هو ضمن دول العالم الثالث والمنطقة العربية يتغير كغيره من الدول ، غير أن الفارق الكبير والشاسع بين اليمن وغيرها من الدول أن التغيير فيها لم يـات هكذا دفعة واحدة وعلى طريقة “خبر عاجل” وفي عدة أيام وبشكل متسارع ومتلاحق، بل بدأ اليمن منذ أكثر من عقدين وتحديداً مع قيام وحدتها المباركة في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م، والتي بدأ معها التغيير الجدي والحقيقي والذي تمثل في إختيار الشعب وانحيازه للديمقراطية لتكون نظاماً ونهجاً للحكم والتداول السلمي للسلطة.مسيرة التغيير هذه التي بدأت مبكراً في اليمن إستندت إلى نظرية التغيير الشامل وليس التدريجي فكانت البداية بالانحياز الجماعي للعملية الديمقراطية ، التي هي عنوان عريض وكبير يحمل في طياته عشرات العناوين والتي جميعها ستشمل بالضرورة تغييراً سياسياً أشبه بالزلزال لأنه طال كل شيء وعلى نحو يأتي بجديد لم يكن متاحاً أو مألوفا لدى عامة الشعب أو حتى لدى النخب اليمنية السياسية أو الفكرية والثقافية وغيرها من أطياف النخب.قبل ما يزيد على عقدين من الزمن انتقلت اليمن من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي أي حكم الشعب للشعب وهي نقلة كبيرة بين ما كان سائداً لسنوات طويلة وبين ما هو آت خاصة في بلد ومجتمع مثل اليمن.هذه النقلة لمن لا يدرك كنهها كانت ولا تزال تحمل عناوين عريضة للتغيير سواء كان على مستوى الداخل أو حتى على مستوى إقليمها ودول المنطقة، حيث ولدت في اليمن ديمقراطية ناشئة ومتواضعة لكنها أنتجت انتخابات ديمقراطية حرة ومباشرة بدأت باختيار مجلس النواب (البرلمان) ثم تدرجت بانتخابات رئيس الجمهورية والمجالس المحلية ثم إنتخاب المحافظين عبر محطات عديدة في مسيرة هذه التجربة التي ترسخت وتعمدت بين محطة وأخرى.لم تكن التجربة اليمنية هي مجرد شكل من أشكال العمل السياسي لحزب حاكم ينسجها ثم يلبسها لشعبه تحت غطاء “ الديمقراطية “ بل كانت نهجاً حقيقياً أوجدت ممثلين للشعب في البرلمان لكل أطياف العمل السياسي من حزب حاكم وأحزاب معارضة ومستقلين وأحزاب أخرى صغيرة، كما شهدت التجربة انتخابات رئاسية جادة تنافس فيها رئيس الحزب الحاكم ومرشح المعارضة الرئيسية لتسجيل الحالة الأولى في دول المنطقة على أقل تقدير .بالطبع أتاح النظام الديمقراطي للشعب اليمني فيما أتاح حرية التعبير القائمة على الرأي والرأي الآخر فانتشرت الصحف والمنابر الإعلامية بإختلاف توجهاتها (حزب حاكم وأحزاب معارضة ومستقلة وخاصة) دون شروط أو قيود أو سقف محدد كما هو سائد في غيرها من دول العالم الثالث ودول إقليمها ومحيطها على وجه التحديد.الذين يتحدثون اليوم من الداخل والخارج عن تغيير قادم في اليمن على شاكلة تونس ومصر ، هم في الحقيقة لا يعرفون اليمن ولا أهلها ولا يجيدون قراءة الأوضاع على نحو صحيح، فاليمن مستقرة في التغييرات والتطور السياسي وفق نظامها الديمقراطي الذي بدأ منذ سنوات خلت دون توقف وبإرادة شعبية ومشاركة سياسية واسعة شملت كل الأحزاب والتنظيمات السياسية على الساحة من حزب حاكم وأحزاب معارضة وغيرها من الأطراف مثل مؤسسات المجتمع المدني التي كان ولا يزال لها جميعاً الحضور الفاعل في الحياة السياسية بعكس عملية الإلغاء والمصادرة التي وجدتها في الكثير من الدول العربية ودول العالم الثالث.
اليمن.. مسيرة ديمقراطية سبقت دول المنطقة
أخبار متعلقة