منجية السوائحي[email protected]في الوقت الّذي يستعدّ فيه اليابانيون لاستخراج الطّاقة من الأرز ليحقّقوا استقلالهم الذّاتي من سيطرة أسعار الوقود وانعكاسها السّلبي على العملة. وفي الوقت الّذي يخطّط فيه الإستراتيجيون الغربيون لحفظ حقوق شعوبهم المادّية والمعنوية والمضيّ بها قدما، تعرّفنا المواقع والفضائيات المتأسلمة بفتاوى رضع أصحابها “من ثدي الجهالة والضّلال” وعجزوا عن الفطام وهم يرضعون لأكثر من أربعة عشر قرنا لم يغادروا حلمة الثدي المرضع (التّراث) ومن تلك الفتاوى المتهافتة:في العام الماضي أتحفنا أحد الشيوخ بفتوى غريبة قال فيها أنّ جلوس المرأة على الكرسي وما يشبهه من المقاعد والأرائك زنى لا شبهة فيه، لأنّ الكرسي صناعة غربية ، وتناسى الشّيخ أنّ الأنترنيت، والفضائيات الّتي يبث من خلالها فتاويه صناعة غربيّة .والسّبب الثّاني لهذه الفتوى المجنونة أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم والصّحابة لم يجلسوا على الكراسي، ولو كان في تلك الآليات خير لفعله الرّسول وصحابته، ألم يعلم هذا الشيخ أن الأجهزة الحديثة لم يعرفها الرّسول ولا السّلف الصّالح ولو عرفوها لاستخدموها.. وألم يعلم أيضا ً أنّ كلمة “الأرائك” ذكرت في القرآن “إنّ الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون” (المطفّفين:22-23) .. ألم يعلم أن الفراعنة جلسوا على الكراسي والأرائك وبناء على هذه الفتوى فإنّ كلّ نساء المسلمين اللاتي يجلسن على الكراسي زانيات والعياذ باللّه .ز فبأيّ وجه سيقابل ربه هذا الشيخ؟ ألم يعلم أنّ تهمة الزّنى من أبشع التّهم وأنّها لا تثبت إلا بأربعة شهود أو بالإقرار؟.الفتوى الثانية الّتي أدهشتنا تحرم إهداء الزّهور للمريض لأنّها باهظة الثّمن، وسرعان ما تذبل وترمى، ولأنها عادة غربية والغرب كفّار، ولأنّ الزّهور لا تشفي المريض، ولأن... ولأن....ألا يعلم الشّيخ أنّ العرب والمسلمين تركوا عادة إهداء الزّهور لما دخلوا في عصور الانحطاط ، وما قبل ذلك كانت موائدهم تزيّن بالورود قبل الطّعام واقرؤوا شعر أبي نواس في قصيدته “لي نشوتان” حيث يقول : “وأشرب على الورد من حمراء كالورد” والّذي يهمّني في هذا الجزء من شعره أنّ النّاس كانت تنشر الأزهار على موائدها لرهافة حسّها ورفعة ذوقها، وأن تبادل الزّهور من عادات الشّعوب الرّاقية.في الشهر الماضي صدرت فتوى رضاع الكبير من رئيس قسم الحديث في جامعة الأزهر ، وهو مختص في الدّراسات الإسلامية و صاحب شهادات عليّا، تقول الفتوى بجواز إرضاع المرأة زميلها في الشغل، ثم تراجع الرّجل عن فتواه واعتذر عنها، والأصل أن لا يخطئ المرء في مثل هذه القضايا، ثم يعتذر، وأنا لا يهمّني الشّخص بقدر ما تهمّني الحادثة، وإنّي أتعجب لمن يستغرب من كثرة الكتابة في هذا الموضوع، ويدافع عن السّيد المفتي المعتذر ويعتبر قوله من حرّية الرّأي ، واعتبر أنّه من حقّ المثقّفين أن يضجّوا، وأن يجنّدوا أقلامهم للرّدّ على مثل هذه الفتاوى المخزية الّتي تسيء لدين الإسلام ولحضارته وللمسلمين بصفة عامّة، ومن هذا المنطلق سأقف عند الاعتذار في قول المفتي “أنا لست من أهل البدع، وإنّما اتّبعت السّلف الّذين قالوا برضاع الكبير”.عن أي سلف يتحدّث الرّجل؟ وإن وجد منهم من قبل هذه الفتوى فلا اعتبار لرأيه أمام ما جاء به القرآن الكريم في هذه الآية: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة (البقرة 233).”وانتزع مالك ومن تبعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أنّ الرّضاعة المحرّمة الجارية مجرى النّسب إنّما هي ما كان من الحولين، لأنّه بانقضاء الحولين تمّت الرّضاعة ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة” هذا قوله في موطّئه وهي رواية محمّد بن عبدالحكم عنه، وهو قول عمرو ابن دينار وابن عبّاس، وروي عن ابن مسعود، وبه قال الزّهري وقتادة والشّعبي وسفيان الثّوري، والأوزاعي والشّافعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمّد وأبو ثور وغيرهم كثير...وعندهم جميعا وعند تابعيهم” ما كان بعد الحولين من رضاع بشهر أو شهرين أو ثلاثة فهو من الحولين، وما كان من بعد ذلك فهو عبث وهذا يدلّ على ألاّ حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين” لحديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم “لا رضاع إلاّ ما كان في الحولين” وهذا الخبر والآية والمعنى ينفي رضاعة الكبير وأنّه لا يحرمه له(الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 3/104،بيروت 1408/1988م).ويؤيّد هذا الرّأي الخبر عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جاء رجل فقال: إنّي كانت لي وليدة وكنت أطؤها فعمدت امرأتي فأرضعتها فدخلت عليها فقالت لي دونك، فقد واللّه ارضعتها.فقال عمر: أرجعها وائت جاريتك فإنّما الرّضاعة رضاعة الصّغير” وبعقده حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم “ لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الحولين” وهو قضاء أغلب السّلف.فمن أين جاء الحكم بجواز إرضاع الكبير الّذي أفتى به شيخ من الأزهر ثم تراجع عن فتواه؟لا ينكر أحد أنّ هناك أخبارا ذكرت رضاع الكبير وأوّلها: ما روى عن عائشة “كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسحن بخمس معلومات، فتوفّي الرّسول وهي ممّا يقرأ من القرآن”(أبو داود، السّنن، كتاب النّكاح، باب 49). وفي سنن ابن ماجة عن عائشة قالت:”نزلت آية الرّجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلمّا مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتشاغلنا بموته أتى داجن فأكله”(كتاب النّكاح باب 36).لا يمكن لمن له عقل واع ورؤية نقدية أن يقبل مثل هذه الأخبار، ما هذا الخرف، قرآن ينزل، وفي صحيفة وملقى تحت السّرير فيأكله داجن، ومهما علت درجة صحّة هذا الخبر وإن رواه أصحاب الكتب السّنة فلسنا ملزمين بقبوله، والكثير من المرويات في هذه الكتب ليست صحيحة. كما أن مثل هذه الأخبار لا تصلح للدّلالة على حكم شرعي، لأنّ دلالتها تقف على صحّة ثبوت صيغتها، وصيغتها يصحّ نفيها باتّفاق، فكيف يمكن الاستدلال بها والخير في ترك مثل هذه الأخبار وتنقية التّراث منها.ثانيها: ورد في صحيح مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها أنّ سالما مولى أبي حذيفة كان يدخل على أبي حذيفة وأهله في بيته، فأتت سهيلة بنت سهل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: إنّ سالما قد بلغ ما بلغ الرّجال، وعقل ما عقلوا، وإنّه يدخل علينا وإنّي أظنّ في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “ارضعيه تحرمي عليه،ويذهب الّذي في نفس أبي حذيفة، فرجعت فقالت: إنّي قد أرضعته فذهب الّذي في نفس أبي حذيفة”(كتاب الرّضاع، باب : رضاع الكبير).وكان السّلف أكثر حيطة من مفتي الألفية الثالثة في تعليل هذا الخبر، وفي رفضه أو قبوله.ونبدأ بزوجات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عنهم، لم تعمل بهذا الحديث منهنّ إلا عائشة، أما بقيتهن فإنّهنّ رفضن العمل بالحديث فقلن:”لا واللّه ما نرى الّذي أمر به الرّسول سهيلة بنت سهيل إلا رخصة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في رضاعة سالم وحده، لا واللّه لا يدخل بهذه الرّضاعة أحد” والعاقل يعمل برأي ثمانية من زوجات الرّسول وهنّ أكبر سنّا من عائشة الّتي توفّي الرّسول وتركها بنت ثماني عشرة سنة، إضافة إلى أنّها انفردت بالعمل بالحديث إن صحّ الخبر عنها. كما أنّي أنزّه السّيدة عائشة أن تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها بإرضاع الرّجال الّذين كانت تودّ أن يدخلوا عليها حسب بعض الرّوايات. وبعد رفض زوجات النّبيّ لرضاع الكبير، فإن السّلف أحرجهم هذا الحديث فالتمسوا له تحليلا يخرجهم من ذلك الحرج ولو اطّلع عليه مفتي الأزهر لما وقع في المخطور. ذكر النّووي أن قوله عليه الصّلاة والسّلام “ارضعيه”... لعلّها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها والتقت بشرباتهما، والرّضاع يستلزم كشف الثّدي ومصّه ولمسه وهو محرّم ، وهذا يستلزم الشّرب لأنّ التّحريم كما يكون بالمصّ يكون بالشّرب فيصحّ أن تكون حلبت ثديها فشرب.والقليل الّذين قالوا برضاع الكبير متبعين عائشة هم اللّيث بن سعد وعطاء والظّاهرية، وأوجدوا لأنفسهم مخرجا فقالوا نحمله على الخصوص، فهو خاص بسالم وسهيلة، ولم يخطئ أهل الكويت ولم يضطرّوا إلى ليّ عنق الحديث لما اعتبروه حالة خاصّة لوضع خاص لأن هناك من الفقهاء من قال بالخصوص ومنهم الّذين ذكرناهم ولا يفوتني هنا أن أذكر أن للخصوص والعموم أهله من الاختصاص، فمن لم يكن منهم فليحترم نفسه ولا يخبط خبط عشواء في اللّيلة الظّلماء. ومن السّلف القائلين برضاع الكبير من حمل الحديث على النّسخ، لأن حادثة إرضاع سالم وقعت قبل نزول آية الرّضاعة الّتي حدّدت مدّتها بحولين، ولذلك يقول الإمام الشّافعي الّذي ذاع مذهبه في مصر. في شهادة النّساء “جائز فيما لا يحلّ للرّجال من غير ذي المحارم أن يتعمّدوا النّظر إليه لغير شهادة من ولادة المرأة وعيوبها الّتي تحت ثيابها، والرّضاع عندي مثله لا يحلّ لغير ذي محرم أو زوج أن يتعمّد أن ينظر إلى ثديها ولا يمكنه أن يشهد من رضاعتها بغير رؤية ثديها (الأم، مختصر المزني ص 229-230، طبعة بيروت). وهكذا نلاحظ أن القليل من السّلف ممن قبلوا الحديث لم يقبلوه على علاته وإنّما عملوا فيه فكرهم ممّا يدلّ أنّهم لم ينساقوا مع الخبر انسياقا كلّيا، فلا نظلم السّلف ونقول افتوا برضاع الكبير من جهة، ومن جهة أخرى وإن افتوا فالزّمن غير الزّمن، والقضايا غير القضايا.وإن الخلل في العقل الفقهي المتخلّف الّذي يرتجف لرؤية امرأة وإن كانت محجبة، ألم يقل هؤلاء إن الحجاب يمنع التّحرّش الجنسي فلماذا يبحثون عن رضاع الكبير؟ ألم يزعموا أن تعدّد الزّوجات يعفّ الرّجل، فلماذا يفتون اليوم بزواجات وزواجات لا حدّ لها وبرضاعات ما أغرب الأمر!!.إنّ ما يفتي به هؤلاء وأمثالهم ألحق ويلحق ضررا كبيرا بالمنظومة الدّينية وبالحضارة العربية الإسلامية، ويعود بها إلى ظلام الكهوف، فارفعوا أيديكم عن هذا الدّين العظيم، واشغلوا أنفسكم بجمع الدّراهم من باب آخر. وأخيرا أسأل هؤلاء الّذين سموا أنفسهم علماء الإسلام لماذا مثل هذه الفتاوى وفي هذا الظّرف، ما هي الفائدة منها؟اسألوا أنفسكم لماذا لا نجد عند إخواننا المسيحيين الآباء والخدّام المسيحيين مثل هذه الفتاوى المتهافتة، اعتبروا بالغرب الّذي قطع مع الفكر الظلامي ونقد المحرّمات وكسر الطّابوهات واسقط الأقنعة فخرج من تخلفه ونهض من سبات أهل الكهف الّذي لا يزال ينام فيه الكثير من المسلمين ويغطّون في نومهم.
إرضاع الكبير من ثدي الجهالة
أخبار متعلقة