أضواء
د. حسن عبد الله عباس :عادت مرة أخرى ظاهرة الفرعيات من جديد لتحتل المركز الاول بالنسبة إلى بقية احداث الساحة المحلية. فلو أن الخبر عادي وحدث غير مهم لتناساه الناس، ولكن أهمية الخبر نابعة من كونه جريمة يعاقب عليها القانون وكونه عادة قبلية مخالفة للحس الوطني والديموقراطي.ما يميز هذه الدورة عن سابقاتها كثرة وصراحة المرشحين بمقاومة وكسر قانون الفرعيات. أعلم أنه في السابق كانت دعوات مشابهة موجودة، لكنها تبدو هذه المرة أقوى وأكثر صرامة وإصراراً على تنظيمها. لكن يظل السؤال المستحق والقابل للتحدي: لماذا الفرعيات عمل مشين بحق الكويت؟حينما نتحدث عن الانتخاب وحرية التعبير نقصد بأن الناخب يختار بين المرشحين ما ينسجم وهواه الفكري والسياسي. فللمرء أن يختار بين المرشحين الأقرب إلى خطه السياسي، وهو ما يجعل من «الانتخابات الفرعية» للأحزاب السياسية مقبولة. فالأعضاء في الأحزاب السياسية لهم حق اختيار من يمثلهم بما يسمى بالانتخابات الداخلية للحزب لاختيار أفضل الموجودين والقادر على التنافس لأنه سيكون أفضل المرشحين، ليعكس فكر أعضائه السياسي. وهذا ما يجعل التنوع المذهبي والفكري والسياسي داخل الحزب موضوعاً «مركزياً» مهماً لهذا الاختيار.أما الفرعيات القبلية فهي تعني الاختيار بمعيار الدم وصلة الرحم لا غير، فالناس هنا يختارون أفضل المرشحين بمعيار الانتماء إلى القبيلة ولا شيء قبله أو بعده. نعم، صحيح أن في السباق الداخلي بين أبناء القبيلة يقع اختيار الغالبية على أفضل مرشحي القبيلة، ولكن المشكلة تظهر في السباق الثاني، وعندما يتنافس المرشح القبلي الفائز مع المرشحين الآخرين، فهنا يلتزم الناخب القبلي بصوت «الدم» ضارباً الأفضلية السياسية الفكرية بعرض الجدار. فلو اتُفق أن يكون المرشح القبلي هو الأفضل لكان الاختيار لا غبار عليه، ولكن ماذا لو كان هو الأسوأ من بينهم؟النقطة الثانية تتعلق بالجميل الذي تعلق في رقبة النائب القبلي فيما لو فاز.فمع وصول هذا الانسان إلى مجلس الأمة يقع تلقائياً عليه رد الجميل للقبيلة، وهو أمر لا شيء فيه باستثناء لو كان رد الجميل يتعارض ومصلحة الكويت العامة، لمن ستكون الأفضلية عندها باعتقادك؟ حتى مع افتراض إخلاص المرشح للكويت، يظل اختياره من قبل أبناء العمومة خطأ بهذا الشكل لأنه تربع على كرسي مستحق لمن هو أفضل منه، مما سيُفقد الكويت والشعب فرصة أفضل لما هي عليه مع مرشح الفرعية.الخسارة والفوز بالمعيار الديموقراطي يعني أفضلية من يحمل فكراً واعياً، لأن الدولة تبنى من وحي مؤسسات الدولة القائمة على تشريعات صحيحة، أما القبيلة فتخرّج لنا اتفاق كلمة القبيلة على صلة القربى. ومن هذا المنظور يعني مجلس الأمة تمثيلاً قبلياً وعائلياً ومذهبياً للشعب، وبالتالي لا بأس عندها بالمطالبة بـ«الكوتا» المذهبية والقومية والدينية والجنسية وغيرها، فهل يمكن لدولة بهذا المنطق أن تعيش وتطبق العدالة وتتغافل عن الانتماءات؟ استحالة.[c1]*عن/ صحيفة “القبس” الكويتيية[/c]