قراءة في مؤشرات أحداث غزة
بقلم / د. حسن البطل:سآخذكم إلى قمّة «عرب المصير» في الكويت، من غير باب أو درب يخطر في البال، أي من قاع قناة الغور الشرقية، باعتبارها الانجاز الباقي للعمل العربي المشترك، الذي بدأ بالقمّة العربية الأولى، وكان موضوعها النزاع على المياه؛ وبالذات مياه نهر الأردن وروافده.في تلك القمّة الاستراتيجية فعلاً، التي دعا إليها الرئيس عبد الناصر العام 1964 «زاود» الفريق السوري أمين الحافظ (وكان يشغل خمسة مناصب رئيسية في سورية، بينها الحاكم العرفي العام) على الرئيس عبد الناصر، مطالباً القمّة بوضع خطّة لتحرير فلسطين، زاعماً أنه قمين بوضع الخطة خلال أربع ساعات، بينما كانت خطة مصر العملية هي إجهاض ما دعته إسرائيل «مشروع جرّ المياه القطري» إلى صحراء النقب، بتأسيس صندوق مالي عربي لاستثمار مياه روافد أعالي نهر الأردن.كحلٍّ وسط، أقرّت القمّة الأولى تشكيل قيادة عسكرية مشتركة، بقيادة مصرية، إلى جانب مشروع مياه عربي.. وفي النتيجة أجهضت الطائرات الإسرائيلية ذلك المشروع، وبقي منه دعم الأردن في مشروع مياه استراتيجي اسمه «قناة الغور الشرقية».دأبتُ على النظر إلى مستوى المياه في هذه القناة في عودتي للديار. هذا الشتاء كان قاع القناة جافاً تقريباً، باستثناء برك شحيحة تعلوها الطحالب، أي أبأس من مجرى نهر بردى (غوطة دمشق هبة بردى كما النيل هبة مصر).كما تعلمون، فإنّ بذرة حرب النكسة 1967 ذات صلة بالمياه وبالخلاف السوري - المصري على استراتيجية تحرير فلسطين، إلى أن تعلم العقل السياسي العربي في حرب أكتوبر 1973 تطبيق آليات استراتيجية سليمة توزع المهام بين «عرب النفير» و«عرب العير».«عرب النفير» قالوا خطابهم في الدوحة، استباقاً لـ «عرب المصير» في الكويت، حيث ستعقد أول قمة اقتصادية عربية، لأن المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي، وهو فرع من مؤسسات الجامعة العربية، يستحق قمة اقتصادية، باعتبار أن «الاقتصاد السياسي» كان ويبقى وقود الحرب وأكسجين السلام معاً، وبخاصة في العقود الأخيرة (كم قمّة إقليمية وأوروبية وعالمية كان محورها الاقتصاد؟ أو كم قمة عقدت لصحّة المناخ؟).الحقيقة، أن هناك فضلاً منسياً للعراق الناهض في عقد السبعينيات كقوّة إقليمية بفعل أسباب، أبرزها طفرة أسعار النفط الأولى، المترتبة على استخدام العرب، للمرّة الأولى والأخيرة، سلاح النفط في المعركة 1973. وهكذا، دعا البروفيسور العراقي سعدون حمادي، أواخر السبعينيات، إلى وضع جدول أعمال لقمّة كانت مقرّرة في عمان، تحت عنوان «عقد التنمية العربية»، أي وضع خطة استراتيجية عربية للنهوض والتنمية والتعاون البيني العربي. كانت الخطة نظرة جديدة تصحيحية لنظرة السيد محمد حسنين هيكل، بعد نكسة 1967، حيث قسم العالم العربي الى «عرب الثورة» و«عرب الثروة».الخطوط تداخلت بين هذين العربين، وبخاصة بعد الطفرة الخليجية، بحيث إن قمة الدوحة لم تكن قمة «عرب الثروة» أو «عرب الثورة» أو «عرب النفير» و«عرب العير»، ولا قمّة الكويت الاقتصادية هي كذلك.لاحظوا كيف أن السيد أحمدي نجاد قال في عرب الدوحة إنّ استخدام النفط لدعم غزة أمر وجيه، لكن أوانه لم يحن بعد. فهل كان على إسرائيل أن تذهب للحرب في غزة بينما وصل سعر البرميل إلى حوالي 147 دولاراً، أم تذهب بعدما هبط إلى حوالي 35 دولاراً؟ليس هذا هو السؤال، أو ليس هو الجواب، أو ليس هو الموضوع بينما غزة تحترق، وقبل أن تحترق وفي ذكرى حرب حزيران العام الماضي، سألت مذيعة إحدى الفضائيات شاباً خليجياً يضارب في الأسهم، رأيه في تلك الحرب. قال: «أنا حربي في الأسهم».عشية قمّة الكويت الاقتصادية - السياسية لعرب «العير»، أفاد مصدر كويتي بأن خسائر دول الخليج العربية من الأزمة المالية العالمية (محرقة الأسهم) وانهيار سعر النفط، يقدّر بـ 2.4 تريليون دولار (أي ألفين وأربعمائة مليار دولار فقط لا غير).هذا لا يعني أن الصناديق العربية عاجزة عن تدبير ملياري دولار لإعادة تعمير غزة، ونصف مليار دولار لدعم ميزانية السلطة، على أمل ألاّ يمنن عرب الدوحة على عرب الكويت بالريال والدولار والدينار، حتى لا يمنن الاتحاد الأوروبي على العربين معاً، كما فعل منذ تأسيس السلطة، وبخاصة منذ مؤتمر باريس.تعرف السلطة الفلسطينية ماذا يلزم فلسطين، وبخاصة حكومة السيد فياض من موقف الحدّ الأدنى من الوفاق بين عربي النفير والعير، إلى استراتيجية عربية للتنمية الاقتصادية تأخذ في اعتبارها بناء فلسطين، لا بناء المواقف عليها وعلى حساب دمها وآلامها.كل ما فعله عرب النفير هو الانسحاب من السلام، ولعلّ هذا أحد أهداف إسرائيل في الحرب على غزة. أما آن لحرب السمسرة العربية في أسهم الكلام أن تضع أوزارها؟![c1]* عن/ صحيفة ( الأيام ) الفلسطينية غزة - 18 يناير2009[/c]