نبض القلم
الحياة معركة الوجود، والدنيا هي الميدان الذي تدور فيه هذه المعركة، وفيها يتنافس المتنافسون، وفيها يتنازع البشر، يصطلحون أو يختلفون.والناس في حياتهم يواجهون مشكلات حيوية، تتجاذبهم المصالح الخاصة، والعامة، ويتنازعون البقاء، وبسبب تنازع البقاء تنشأ الأزمات على اختلاف ألوانها وأشكالها، وهذه الأزمات تشتد وتلين بحسب الظروف، وهي في كل الحالات تؤذي المشاعر والأحاسيس، وتشغل بال كثير من الناس الطيبين، وتحرك أشجان الخيرين من أفراد المجتمع، وتجعل أعصاب الناس مضطربة، لأنها إن اشتدت تؤذي المجتمع بكامله، وتؤدي إلى عدم ضبط النفوس، وعدم التحكم بالأعصاب، فينجم عنها نزاع أو شجار، وربما يسفر عن قتال، وما يقترن به من مجافاة، وعنف وشدة، وهجران وعدوان .. ونحوها.والأزمات في حياتنا كثيرة، منها أزمات عائلية تفتت شمل العائلة وتضعف وحدتها وتماسكها، وتؤدي إلى الفتور في العلاقات العائلية، وانحلال في الأسرة، وتشتيت أفرادها، فينعدم في العائلة العطف والمحبة، ويقل الود، وتكثر العداوة والبغضاء بين أفراد الأسرة الواحدة وقد تشعل نار الفتنة بين أعضاء البيت الواحد.ومنها أزمات اقتصادية تؤدي إلى الكساد، وغلاء الأسعار وانخفاض دخل الأفراد، واضطراب في التموين، واختفاء بعض السلع الأساسية، فينجم عنها أزمات أخرى كثيرة، تؤدي إلى اضطراب المجتمع.ومنها أزمات سياسية تؤدي إلى الصراع على السلطة أو فيها، وما ينجم عنها من اضطراب في الأمن، وحروب داخلية أو خارجية.ومن غير شك إن حياة الإنسان لا تخلو من الأزمات على اختلاف ألوانها وأشكالها، وفي مجتمعاتنا المعاصرة تتخذ الأزمات أشكالاً متعددة تختلف باختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالإنسان المعاصر يواجه كل يوم مشكلات مختلفة تجعله يعيش الحياة قلقاً مضطرباً، غير آمن على نفسه أو ماله أو عرضه، وغير مطمئن على غده ومستقبله. ومشكلات الإنسان المعاصر تتجدد وتتنوع، فيجابه كل يوم مشكلة إثر أخرى، فإذا وجد حلاً لواحدة من مشكلاته تعقدت المشكلات الأخرى، حتى تراه مثقلاً بالمشكلات، يعيش بسبها في أزمات متعاقبة، ولكنه يسعى جاهداً لإيجاد الحلول المناسبة لكل أزمة، ويعمل ما في وسعه للخلاص من مشكلاته واحدة تلو الأخرى، فربما ينجح مرة، ويخفق مرات.وأكثر ما تكون الأزمات ظهوراً في المجتمعات المتغيرة كمجتمعنا اليمني الذي شهد تحولات كثيرة في مرحلة ما بعد الوحدة المباركة، فلا غرابة أن تظهر فيه بعض الأزمات بين الحين والآخر، ولكل أزمة أسبابها، غير أن القاسم المشترك لمعظم الأزمات في بلادنا مرجعها - في رأينا - إلى التنازع والاختلاف حول المصالح الذاتية، التي طغت على المصالح العامة، والدافع إلى ذلك هو غلبة الهوى الشخصي، والنفس الأمارة بالسوء، تلك النفس التي تدبر المؤامرات، وتفتعل المشكلات، وتصنع الأزمات، فهي التي تبث الشائعات، وتثير الفتن في المجتمع، لأنها نابعة من الفساد الداخلي الكامن في نفوس بعض الناس، ولذلك دعا القرآن الكريم إلى كبح جماح هذه النفس الشريرة في قوله تعالى : “وأما من خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى” (النازعات، 40) بما يعني أن الأزمات التي تحدث هنا أو هناك، والتي تطل علينا بين الحين والآخر منشؤها النفوس الأمارة بالسوء، التي تعمد إلى إشعال نيران الفتن والبغضاء في الأوساط الاجتماعية، ونشر ثقافة الكراهية بين أفراد المجتمع.وفي صدد معالجة الأزمات الراهنة ربما تخرج إلى حيز الوجود بعض الأفكار القيمة، وربما تظهر بعض القوانين والاتفاقيات لضبطها والحد منها، غير أن بعض الأفكار قد تكون طائشة، وبعض القوانين قد تكون فاقدة الفاعلية، مما يجعل المشكلات تتفاقم، ويجعل الأزمات تتعقد، لأن معظم الأزمات ناجمة عن مشكلات متراكمة تم ترحيلها، وتركت لسنوات دون إيجاد معالجات موضوعية لها، بسب التنافس والتنازع القائم بين الناس من أجل البقاء، سواء البقاء في الحياة، أو البقاء في الوظيفة، أو البقاء في السلطة، أو البقاء في مواقع الامتيازات، أو البقاء في أماكن النفوذ والمال والجاه .. ونحو ذلك.ومن غير شك أن حياة الناس لن تنتظم في ظل التنازع، ولن تصلح أمورهم في ظل الفرقة والشتات وافتعال الأزمات، ولذلك فإنه لابد أن تتضافر الجهود لإزالة عوامل الفرقة والتنازع والحفاظ على الوحدة والتماسك الوطني، امتثالاً لقوله تعالى : “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” (الأنفال، 46).ولكي لا نتنازع أو نختلف علينا أن نتفق على قواسم مشتركة في ظل الوحدة والتمسك بالثوابت الوطنية، والتصدي بحزم لدعاة الفرقة والتمزق والوقوف بصلابة ضد كل فعل أو قول من شأنه أن يبث ثقافة الكراهية في المجتمع، وشق الصف الوطني، ويقتضي ذلك وجوب التعاون على دفع الشر الذي يصيب المجتمع، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول : “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. ويقول عليه السلام في حديث آخر : “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً”.والتعاون المطلوب يجب أن يكون على البر والتقوى، لإصلاح ما أفسده المفسدون، لا إفساد ما بناه المصلحون. والتعاون موصول بالنصيحة والتواصي بالحق، ومراعاة الحقوق كافة بإعطاء كل ذي حق حقه، وموصول بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وموصول بالعدل الذي يكفل تحقيق السلام الاجتماعي، ليطمئن الناس على حقوقهم وأموالهم وأنفسهم وثمرات أعمالهم، فلماذا لا نتعاون في إقامة مؤتمر عام يجمع مختلف ألوان الطيف السياسي لمعالجة قضايانا المختلفة بروح من المحبة والوئام للوصول إلى حلول منطقية وموضوعية للأزمة الراهنة، من غير أي تجاوز للثوابت الوطنية؟[c1]* خطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان)[/c]