غضون
* الأحزاب السياسية في بلادنا تتسابق لامتلاك النقابات أو المنظمات غير الحكومية أو ما نسميه تملقاً مؤسسات المجتمع المدني وعندما يحين موعد عقد مؤتمر عام لنقابة معينة، كما هو الحال في مؤتمر نقابة أطباء وصيادلة العاصمة يبرز الصراع الحزبي بقوة فكل حزب يسعى إلى أن تكون قيادة النقابة من المنتمين إليه ونقرأ من وقت إلى وقت آخر خبراً في صحيفة حزب يقول إن نتائج انتخابات النقابة الفلانية أظهرت أن حزبنا حقق فوزاً كاسحاً.. وهذا التباهي هو مظهر من المظاهر الشائعة عن سعي الأحزاب للسيطرة على النقابات والجمعيات واستخدامها كأدوات في الصراع السياسي أو التنافس الحزبي إذ ترى قيادات الأحزاب عندنا أن الحزب يكون أقوى تأثيراً كلما زاد عدد المنظمات والنقابات الموالية له ولكي تكون موالية له لا بد أن تكون قيادتها من الحزب نفسه.. وهذا الذي أفسد المجتمع المدني عندنا.* ستكون مثالية لو طالبنا بتحرير النقابات والمنظمات من الحزبية.. واستقلالية أي نقابة لا تعني إخراج الحزبيين منها أو إبعادهم عنها.. المشكلة في نقابة المعلمين مثلاً لا تكمن في أن قياداتها تنتمي لحزب الإصلاح، ولا لأن النقابة الفلانية أو العلانية فاز فيها أعضاء في المؤتمر أو الناصري أو الاشتراكي.. المشكلة هي أن الحزب يدفع أصحابه لهذه النقابة أو تلك لكي يسيطر على قيادتها وتصبح هذه القيادة أداة بيد الحزب يسخرها لتحويل وظيفة النقابة من وظيفة مهنية إلى وظيفة سياسية.. وتصبح النقابة هيئة من هيئات الحزب، كما هو الحال بالنسبة لنقابة المعلمين ونقابات أخرى تعمل اليوم لصالح أحزاب وليس لصالح أصحاب المهنة.. فتجد نقابة معينة تتفاعل مع مختلف القضايا التي يثيرها الحزب الموالية له بينما حالة أصحاب المهنة في شقاء لا تغير منها شيئاً.*النقابات والمنظمات هي تكوينات غير عصبوية، ومن خلالها يؤطر أصحاب المهنة أو أفراد فئة معينة في إطار مدني حديث بغية تنظيم صفوفهم والدفاع عن مصالحهم وتحسين ظروف حياتهم، والمجتمع المدني هو مجموعة كبيرة من هذه الفئات المدنية المنظمة التي يحكمها القانون وتتصرف وفق القانون.. وعندما حولت الأحزاب المجتمع المدني إلى مجموعة أو تجمعات قبلية تحتكم للعصبية وتستخدم لتحقيق مكاسب حزبية، بينما من الناحية التنموية هي لا تلعب أي دور في تنمية المجتمع ولا تحسين ظروف معيشة أصحاب المهنة، وهذا ما يجعلهم زاهدين فيها ولا يتحمسون حتى لشيء صغير مثل دفع الاشتراكات أو تقديم تبرعات.