حكاية
هاجر سعد من تلك القرية التي ما أن كانت تهدأ حتى يشب فيها الاقتتال بين القبيلتين اللتين تقطناها بسبب الثأر.. حيث تسعى القبيلة المعادية لقبيلة سعد للانتقام، لذلك ترك زوجته وهي تحمل في أحشائها طفلا.مكث في المهجر أكثر من عشرين عاماً لم ينسى زوجته وولده في القرية وكان دائماً يتصل بهما من خلال الرسائل.. وكان تواقاً للعودة إلى قريته للعيش مع عائلته، ويشتاق للحياة الريفية والعمل في الأرض، ولكن والده كان يرفض عودته حتى لا يقتلونه..لم يعلم أحد من أهله بأنه تزوج في المدينة التي هاجر إليها وأن لديه ولدا اسماه (محمد) وهو في العشرين من عمره.وفي الآونة الأخيرة بدأت تتزعزع علاقتهما عندما عرف سعد بأن فاطمة تنتمي للقبيلة المعادية له وحاول قدر المستطاع الابتعاد عنها.. شعرت فاطمة بتغيير معاملة زوجها لها وطلبت منه إخبارها عن السبب ولكنه لم يستطع إخبارها بالحقيقة وكان يختلق أعذار وحججا واهية.. وبعد تفكير طويل قرر سعد أن يترك المدينة ويعود إلى القرية حتى لا يعلم أحداً من أهله ويقتل زوجته وولده عاد سعد بنصف من قلبه والنصف الآخر ترك في المدينة.. عاد للقرية التي حل فيها هاجس الثأر وهناك ما أن وضع رأسه لينام حتى رأى حلماً فيه دماء تتدفق من جسده، فنهض من النوم وهو منقبض القلب وحاول تفسير ذلك الحلم لم يجد من يريحه!!فاطمة لم تعلم سبب اختفاء زوجها وعملت جاهدة للبحث عن زوجها.. أما محمد فكان دائم السؤال عن والده.. ولماذا تركهم بمفردهم وأوكل لأمه كل المهام، بتربيته، والاعتناء به، وتغطية حاجاته.. وعندما كان يسأل عنه كانت تقول له بأنها لا تعلم عنه شيئا وعندما يسأل عن قرية والده.. كانت تقول له بأنها بعيدة.. وفي يوم ذهب محمد لمنزل صديقه وكانت أمه صديقة أمه وأبيه أخبرته عنهما الكثير وأخبرته عن اسم قريته وأعطته العنوان.. وأن السبب في تركهم هو الثأر!! لم يصدق بأن الثأر مازال قائماً ورغم انتشار العلم في كل بقاع الأرض ورغم وجود القوانين التي تمنع تلك المعتقدات.. وجاءت العطلة الصيفية تحمل في طياتها الكثير لمحمد وعائلته قرر محمد الذهاب للقرية لزيارة والده.. أخذ أمتعته وترك لأمه رسالة يخبرها بأنه ذاهب لقرية والده.. وعند وصوله للقرية بدأ بالسؤال عن سعد المحمودي أخذه الأطفال إلى مزرعة والده كان إسماعيل أخوه يعمل بها وقبل وصوله أخبره طفل بأن شخص يسأل عن والده وهو من قبيلة المغابرة ظن إسماعيل بأنه جاء لقتل والده وللانتقام عن الشخص الذي قتل منذ أسبوع.. ترك المعول من يده وهرع بين الأحراش لقتله قبل أن يقتل والده!!وعند وصول محمد إلى الحقل لم يجد إسماعيل فأخذوه إلى المنزل.. كانت فاطمة قد علمت من صديقتها بأنها أخبرت أبنها عن الماضي وهرعت للقرية ووصلت إلى المنزل قبل محمد.. وكانت تخبر أباه بأن محمداً جاء للبحث عنهّّ!! لم تكمل الأم حديثها حتى سمعت صوت طلق ناري قريب.. هرعت وكل من في المنزل وفتح الباب وجدوا مجموعة كبيرة من الناس محتشدة وعندما رأوه أخبره بشخص بأن إسماعيل قتل شخص من المغابرة جاء للأخذ بالثأر وما أن وصل سعد إلى موقع الاحتشاد وجد (محمد) مقتول والقاتل هو أخوه إسماعيل انهارت قوى سعد وجثم على ركبتيه وصرخ صرخة هزت الأرض هزاً..فسأله إسماعيل لماذا يا أبي لقد جاء لقتلك لقد أخذت بثأرك يا أبي.. لا.. لا.. أنت لم تأخذ بثأرك لقد قتلتني يا أبني!! لقد قتلت أخيك محمد، وبذهول قال إسماعيل :- ماذا.. أخي؟! أبي!!؟ ماذا تقول أنه من المغابرة!! نعم ولكنه أخوك لقد تزوجت من خالتك فاطمة ولا أعلم بأنها من قبيلة المغابرة تزوجتها وأنجبت منها محمداً أخاك! وعندما علمت الحقيقة تركتها.. وعدت إلى القرية خوفاً عليهما.. ولكن ما خفت منه حصل وما حلمت به قد تحقق سالت الدماء من جسدي!! لقد قتلت ولدي يا ولدي وأخذ يصرخ :- تباً للثأر تباً لهذه الأمة التي تلتهم البشر من غير وجه حق.. اسمعوا يا أهل القرية لقد رأيتم مصائد الثأر وبأم أعينكم هل مازلتم تبحثون عن الثأر!! لا تأخذوا العبرة من الحياة ومن هذه الحادثة لقد قتل الأخ أخاه بسبب الثأر.. إلى متى؟! إلى متى؟ إلى متى يا ثأر!