نبض القلم
يحكى أن رجلاً كانت الظروف قد خدمته وأوصلته إلى موقع رفيع في بلدته، يدر له دخلاً ثابتاً، لكنه لم يكتف بذلك الدخل المتواضع، بل لجأ إلى استغلال موقعه لزيادة مدخولاته باتباع وسائل مختلفة من الابتزاز والاختلاس، فكان لا ينجز معاملة إلا بمقابل ولا يوقع على ورقة إلا برشوة، فزاد دخله وكثر ماله وتحسنت ظروف معيشته، فابتنى القصور واشترى الضياع والخيول، فحصل له من الغنى والثراء ما لم يكن يحلم به، فصار ميسور الحال, رفيع المقام، يتمنى كل من يعرفه أن يصير مثله، فاصبح الناس يتملقونه ويجاملونه، لا يرفضون له طلباً، بل يتسابقون لاسترضائه.وذات يوم طلب الرجل من هؤلاء المنافقين أن يجدوا عملاً لابنه في المؤسسة التي يديرها احدهم، ولما لم يكن الولد يحمل شهادات تحدد مؤهلاته، اضطروا لاخضاعه لامتحان المفاضلة الشكلي، فأحالوه الى لجنة لغرض امتحانه وتحديد مستواه، مع توصية بتسهيل الامتحان والتساهل معه الى أقصى الحدود، فاعدت اللجنة الامتحانية للشاب امتحاناً بسيطاً جداً، على نمط الامتحانات الموضوعية التي يجيب فيها الطالب بنعم أو لا، فقالوا له: أين عينك؟ فأشار إلى فمه، قالوا له: أين أذنك، فأشار الى أنفه، وسألوه عن يده فأشار إلى رأسه. فاحتاروا في أمره، فرفعوا أمره الى رئيس المؤسسة، فقال: بسطوا له الامتحان، ولو اضطر الأمر أن تعطوه الأسئلة مسبقاً وتعطوه وقتاً كافياً ليدرسها حتى يأتي الى الامتحان وهو مستعد. المهم أن ينجح في الامتحان حتى لا يقال اننا قبلناه من دون شهادات، أو يتهمونا بأننا لا نوظف إلا أبناء الذوات، بل نريد أن نؤكد للجميع أننا لا نجامل في هذه المسائل، حتى مع أقرب الناس الينا، فالكل يخضع لامتحان المفاضلة، ولا فرق لدينا بين ابن وزير أو أمير.وفي النهاية أعطوا الشاب ورقة الأسئلة، وقالوا له: أذهب الى البيت وادرسها جيداً، وذهب الشاب الى صديق له، فعلمه أين أنفه، وأين فمه، وأين يده ورأسه.. الخ..وعندما عاد الشاب الى الامتحان سأله الممتحنون عن عينه فأشار الى موضعها. قالوا: ما أروعك! ثم سألوه أين رأسك؟ فأشار صاحبنا إلى رأسه، فقالوا: هذا شاب عبقري! فسأله أحدهم من أين تعلمت كل هذا؟ فقال: من دماغي، وأشار باصبعه إلى قفاه.[c1] خطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان)[/c]