سطور
سعيد محمد سالمين:المسرح مثل أي فن آخر ليس الواقع نفسه،وإنما هو فن وصنعة،وله جمالياته المعروفة،وليست مهمة الفن- وحتى الواقعي منه نسخ الواقع وإنما إغناؤه وتفسيره مستخدماً في ذلك وسائل فنية مختلفة،مستعيناً بخيال الجمهور الذي يسد الفراغات ويرى على المسرح ما قد تقصر طاقات العرض المسرحي في توفيره.وكما يتقبل الجمهور مشهد غابة مرسومة على ستارة على أنها غابة حقيقية تجري فيها الأحداث،وكما يستسيغ الجمهور نوعاً معينا من الإنارة ويجد فيها ضوء القمر دونما قمر حقيقي،كذلك ينبغي التعامل مع لغة الحوار في المسرحية على أنها لغة فنية لا لغة الواقع نفسه كما هي،وتلك حقيقة يتفق عليها الباحثون.والمسرحية نوع أدبي يتميز عن الأنواع الأدبية الأخرى،فهي تتكون من خلال ما تقوم به الشخصيات من أفعال،وما تتبادله من حوار،لكن هذا الحور ظل مشكلة بلا حل،فهل نكتب بالفصحى أم العامية؟لا شك في أن الحوار أساسي في المسرحية،وهو ما به تقوم المسرحية وتتشكل أن للحوار في المسرحية وظائف خطيرة ويقسم(ميليت) و(بنتلي) في كتابهما(فن المسرحية) هذه الوظائف إلى نفعية وغير نفعية،أما الوظيفة غير النفعية للحوار فهي أنه يروق ويمتع لما فيه من جماليات،ولكن هذه الوظيفة ثانوية إزاء الوظائف النفعية المتعددة للحوار،وأهمها تطوير عقدة المسرحية،أي مجموع أحداثها،وطريقة ارتباط هذه الأحداث،ويتم هذا التطوير عن طريق مصاحبة الأفعال التي تقع على خشبة المسرح،والكشف عن الأفعال التي تقع خارج المسرح،أو التي تحصل في ماضي المسرحية،وكذلك الإشارة إلى ما يتوقع حدوثه في المستقبل.والوظيفة النفعية الأخرى للحوار هي الكشف عن الشخصيات بتوضيح أبعادها المظهرية والاجتماعية والنفسية،وذلك يقتضي أن يكون الحوار مناسباً للشخصية من حيث عمرها مثلاً ودرجة ثقافتها،وأروع نفسيتها،انبساطية كانت أو انطوائية،حادة أو هادئة،متفائلة أو متشائمة،وما وإلى ذلك من الاختلافات النفسية الأخرى. إن اللغة هي أداة الحوار المسرحي على الرغم من وجود التمثيل الصامد يخرق القاعدة،وعلى الرغم من تأكيد المسرح الحديث على الأصوات والأشياء في عروضه إلى درجة كبيرة،وفي المسرح العربي تكون لغة الحوار مشكلة كبيرة تفرض نفسها على الكاتب المسرحي وعلى القارئ أو المشاهد.ومصدر هذه المشكلة وجود ثنائية الفصحى والعامية في اللغة العربية.إذ أن الشخصيات في المسرحية العربية لابد أن تتكلم عربية ملائمة لمستواها الاجتماعي والثقافي ولتكوينها النفسي.وهذا يعني أن الفصحى قد تبدو غير مناسبة للشخصيات التي لم تتعلم أو هي محدودة التعليم،وأن العامية أنسب لها،وتكون النتيجة أن تختلف لغة المسرحيات العربية تبعاً لاختلاف العامية في الاقطار العربية المختلفة وهو اختلاف كبير يقف حائلاً دون التواصل الذي تسعى إليه المسرحية مع مشاهديهاوقرائهاوتظل فاعلية المسرحية محدودة بحدود القطر الذي كتبت بعاميته،أو أقطار قليلة تفهم عامية ذلك القطر.ولكن هناك قصور ملحوظ لدى بعض الكُتّاب المسرحيين يبدو في استخدام فصحى واحدة للشخصيات المسرحية جميعها مهما اختلفت مستوياتها الاجتماعية والثقافية،فيبدو غير المتعلم أو قليل التعليم بعيداًُ عن المعقولية والواقع وهو ينطق فصحى غريبة لا يستخدمها حتى مثقفو العصر.خلاصة القول،ما زالت لغة الحوار المسرحي قائمة،وستظل المسرحية المكتوبة بالعامية محدودة الفاعلية بسبب عاميتها تلك وسيظل المسرح العربي بوجه عام- أقليمياً- لا يحقق التواصل الشامل المرجو له،إذ أن لكل قطر عربي عاميته،التي تختلف عن العاميات الأخرى في مفرداتها وتراكيبها وتكوين جملها،والحقيقة أنه ليس المفروض في المسرح أن يهبط بالجمهور،وإن يفترض فيه أن يرقى بالجمهور وهو يمتعه ويسليه،وإنما يسمو بمشاعره وأفكاره ولغته،وذلك ما حققته وتحققه المسارح الجيدة في أنحاء العالم.إن مشكلة لغة الحوار في المسرح العربي بوجه عام جزء من مشكلة أكبر هي الابتعاد عن الفصحى في التخاطب والحوار حتى في أوساط المثقفين وفي المناسبات الثقافية،بل وحتى في التدريس على اختلاف مستوياته،وفي دروس اللغة العربية نفسها،وما يقال عن المسرح يصدق على وسائل الاتصال الجماهيري لا سيما التلفاز.وهذه المشكلة على خطورتها،لم يحظ بالاهتمام والعناية اللازمين،ولم تبذل جهود جادة من أجل البدء بتجاوزها.