برغم كل شيء.. فقد كان يوم الخميس الماضي “ديمقراطياً” بمعان عدة ولم يعكره سوى بعض المتحمسين لإثارة الفوضى والشغب وتحويل المظاهر السلمية عن مجراها الطبيعي أو اصطناع حالات صدامية مع رجال الأمن “تم كبحها ومحاصرتها بهدوء”..نزول “المشترك” إلى الشارع في مسيرات وتجمهرات .. سلوك معتاد ولم يعد جديداً أو فريداً من نوعه حتى يفتعل حولها قدراً من الصخب والتجسيم الإعلامي المبالغ. لأن مجتمعنا بات يعرف تماماً الوسائل والخيارات الديمقراطية المتاحة أمامه كحق دستوري وقانوني في التعبير عن الرأي والقناعات. ومنذ 1990م بل وإمعاناً في الدقة والإنصاف منذ ما قبل هذا التاريخ والجماهير تنظم المسيرات والمظاهرات، في مناسبات مختلفة ولأسباب متباينة، في شوارع صنعاء وميدان السبعين وساحة التحرير، كما في عدن، وإب، وتعز ولحج والضالع وغيرها من المدن والمحافظات اليمنية فما الذي حدث حتى يجسم “المشترك” هذه الحالات ومثلها وكأنه وحده اخترعها أو أكتشفها للتو لا غير؟ وكأننا كنا أمة لم تخرج يوماً في مسيرة أو مظاهرة ـ سواء احتجاجاً أوم تأييداً.ومثلما نزل “المشترك” بآلاف من جماهيره إلى شوارع العاصمة صنعاء يوم الخميس الماضي لأسبابه الخاصة، ومن دون أن يلتزم بالحصول على موافقة أو ترخيص من الجهات المعنيةـ احتراماً للقانون والسلوك المدني الذي يزعم الحرص عليه ـ كانت هناك عشرات الآلاف تجوب الشوارع والساحات، ليس فقط في العاصمة وحدها بل في عموم المحافظات. ولكن الأسباب هنا ليست خاصة تماماً، بل وطنية..عامة.. وشعبية: ذكرى الاستقلال (الجلاء) وهي مناسبة وطنية قصوى لم يجد “المشترك” ضرورة لإحيائها أو الاحتفاء بذكراها مقابل أسبابه الخاصة، التي كان محلها ومكانها الطبيعيين قاعات الحوار وطاولة اللقاءات الحزبية مع الحزب الحاكم.. وليس ميدان التحرير أو شارع القصر الجمهوري.. مثلاُ!، ومع ذلك نزل وتظاهر وفعل الأشياء التي لا يزال يفعلها منذ أشهر وسنوات. ومع ذلك لا يزال يتباكى على الديمقراطية أو الضيق بالرأي الآخر. و.. الخ، وهو يمارس كافة حقوقه وآرائه بزائد على الديمقراطية وواجباتها!!فإن لم تكن هذه هي الديمقراطية فما هي إذاً؟ وما هي الديمقراطية الأخرى التي يريدها؟! وإضافة إلى عيد الاستقلال احتفلت الجماهير الأخرى بنجاح المرحلة الأولى (القيد والتسجيل) من العملية الانتخابية وهذا حقها.فإذا كان “المشترك” يحتفل بالتعطيل والمقاطعة فأولى بهؤلاء الاحتفال بالمشاركة وإنجاح عملية مرحلية مهمة ضمن تجربة انتخابية جديدة تضاف إلى الرصيد الوطني في الممارسة السياسية والمشاركة الشعبية.كانت الديمقراطية حاضرة بكل طمأنينة.. والمضمون أو الفائدة المتخلصة من صباح الخميس تقول إن مسألة تحريك الشارع وحشد الجماهير في مسيرات ومظاهرات ليست فضيلة مطلقة أو مقتصرة على “المشترك” لوحده، والذي لم يشبع من المظاهرات منذ عامين تحديداً، بل أسهل ما يكون حشد أضعاف مضاعفة في الجهة الأخرى ولأسباب وجيهة وتستحق ذلك.ولكن في النهاية هل المظاهرات والصخب غاية مقصودة لذاتها؟ أم أن الغاية هي المشاركة والحوارات والتوافقات الواقعية والموضوعية، وهو ما لا يجب أن يسقط ويهمل لتعطى الواجهة للصخب أو للشغب؟!على العقلاء الآن ـ إن كانوا يسمعوننا ـ تحريك مياههم الراكدة، أفضل لهم من المراهنة على موضة “ تحريك الشارع” فالشارع ليس ملكهم لوحدهم في النهاية.
صورة «من يوم الخميس»
أخبار متعلقة