من على سطح مبنى قديم يقع في الضفة المقابلة للمتحف الوطني (قصر السلطان القعيطي ) الذي يعود بناؤه إلى بداية القرن الماضي ويسمى بـ « قصر الشيبة » ، تصل إلى مسامعنا عبر الأثير أصوات مذيعي ومذيعات إذاعة المكلا الشجية ، من خلال برامج مختلفة تستحق الاستماع إليها ، وخاصة تلك البرامج التي تتناول قضايا الناس وتلامس همومهم والبرامج العلمية والتراثية والثقافية الغنية بالمعلومات القيّمة . كانت بداية ميلاد إذاعة المكلا في 28 سبتمبر 1967م ، حين سقط قصر السلطان السادس غالب بن عوض القعيطي بيد الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل . وقد استخدم عناصر الجبهة أجهزة اللاسلكي آنذاك لبث الشعارات الثورية والتعريف بالجبهة وأهدافها النضالية ضد الاحتلال البريطاني ، وهي أجهزة كان تستخدمها المؤسسات العسكرية في المكلا للتواصل فيما بين أفرادها. وكانت مساحة الإرسال في الأيام التجريبية الأولى لا تغطي مدينة المكلا وحدها ، ثم تمت الاستفادة من جهاز إرسال البرقيات ليصل صوت الإذاعة إلى كامل مدينة المكلا وضواحيها وحتى مدن الغيل والشحر بنجاح لمدة ساعة أو ساعتين في المساء. وكانت لتلك التجربة تأثير بارز في استنهاض همم الجماهير في حضرموت وكسب تأييدها للجبهة القومية ودعمها والالتفاف حولها في مقاومتها للاحتلال. غير أن البداية الحقيقية للنشاط الإعلامي الإذاعي المنظم كانت بعد تحقيق الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر 1967م وإعلان الجمهورية. وقد تم استيعاب نشاط الإذاعة ضمن إدارة النشر والإعلام بمحافظة حضرموت أو ما كانت تسمى بـ (المحافظة الخامسة) ، واعتمدت لها ميزانية متواضعة . وقد قسمت الإدارة إلى قسمين : الأول قسم الإذاعة والآخر قسم النشر ، وكان إلى جانب العمل الإذاعي يقوم قسم النشر بإصدار نشرة إخبارية يومية لأهم الأخبار «كما كان يقوم بإصدار بعض النشرات التي تحتوي على الخطب السياسية وبعض المواد الإرشادية . وكانت هناك سينما متنقلة في سيارة تابعة للقسم تقوم بعرض الأفلام الوثائقية وكذا بعض الأفلام الروائية التي يهدف المكتب من المكتب إلى الحصول على دخل لتغطية جزء من موازنته العامة».
جانب من المكتبة الاذاعية
[c1] (من تاريخ إذاعة المكلا)[/c]
مديرة البرامج الاذاعية /افراح محمد جمعة
وخلال مسيرة إذاعة المكلا من عام 1968م حتى 1979م برز عدد من الإعلاميين المبدعين فيها كمعدي ومقدمي عدد من البرامج الإذاعية الذين أسهموا في تطوير البرامج الإذاعية ، بعضهم انتقل ليعمل في إذاعة عدن وإذاعات عدد من البلدان العربية ، منهم على سبيل المثال لا الحصر: أنيسة خميس بن جبير، فيصل باعباد ، عبد الرحمن الحداد ، ميمونة أبوبكر(المخرجةالمعروفة في تليفزيون عدن) ، محمد شيخ بن الشيخ أبوبكر ، محمد زين الكاف (انتقل إلى العمل الصحفي في عدن) ، صلاح بن جوهر ، فريد بن بريك . ثم تأتي مرحلة الثمانينيات والتي شهدت فيها الإذاعة الكثير من التغييرات والتطورات ، حيث تأسست فيها ثلاثة أقسام تخصصية هامة عام 1981م وهي : قسم البرامج ، قسم الأخبار وقسم الهندسة الإذاعية.وفي عام 1982م استقلت الإذاعة مالياً وإدارياً لتحقق بعد ذلك تطوراً مشهوداً في الساحة الإعلامية الإذاعية ، حيث زادت مساحة البث الإذاعي لها لتشمل المحافظة بأكملها بقوة (50 ) واط ، وتم استحداث أستوديو ثالث صغير ليتخصص في بث البرامج الصباحية إضافة إلى البرامج المسائية التي كانت تبث في السابق . عن التطورات اللاحقة في إذاعة المكلا يحدثنا الأخ سالم الشاحث مدير عام إذاعة المكلا قائلاً: «مرت الإذاعة بمراحل عدة منذ تأسيسها قبيل الاستقلال الوطني ، وكان أول من أدارها لفترة مؤقتة هو الأخ عباس حسين العيدروس ، ثم جاء من بعده الأخ فيصل بن كوير وذلك في عام 1968م ، وفي أواخر الثمانينيات تم إنشاء محطة إذاعية بقوة (50) واط تحت إدارة الأخ فؤاد محمد بامطرف ( رحمة الله عليه ) وكانت مساحة إرسال الإذاعة تصل إلى مدينة عدن وإلى مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية « . ويصمت الشاحث ليواصل حديثه بأسى : « لكن بسبب الإهمال وتقادم الأجهزة انخفضت قوة الإرسال إلى (30) واط .. وقد ضُربت لنا الوعود من قبل وزارة الإعلام لتطوير الإذاعة ولبناء محطة إذاعية جديدة وها نحن في الانتظار». وعن ميزانية الإذاعة يقول الشاحث: «ميزانية الإذاعة ضئيلة جداً ونجد صعوبة في كثير من الأحيان لسد بعض الاحتياجات ؛ فهي لا تتعدى الثلاثة ملايين ريال ، وتحديداً تبلغ (2،570،000 ) ريال فقط غير البند الأول وهو رواتب الموظفين والبالغ عددهم (90) موظفاً من إداريين وإعلاميين، كذلك فإننا نعاني نقصاً في الأثاث والمكاتب وتدهوراً في الاستوديوهات» ويستطرد قائلاً :» أما عن كوادرنا الإعلامية فهم بحاجة إلى الدورات التدريبية والتأهيلية الداخلية والخارجية أسوة بزملائهم الإعلاميين في بلادنا ورغم شحة إمكانياتنا إلا أننا نقوم بتكريم شهري ،أحياناً، وسنوي لعدد من الإعلاميين المبرزين بالتعاون مع السلطة المحلية في المحافظة» . وقد التقينا بعدد من الكادرات الإعلامية النسائية في الإذاعة واتضح بأن جميعهن لم يتلقين أي دورة تدريبية أو تأهيلية في مجال الإعلام الإذاعي ، حتى أن إحداهن قالت لنا ساخرة « نحن النسوة منسيات في الإذاعة من قبل وزارة الإعلام ونقابة الصحفيين» . وفي ختام حديثه معنا أردف الأخ سالم الشاحث قائلاً : «نتمنى إحياء قسم التصوير والإنتاج التلفزيوني الذي كان موجوداً في السنوات السابقة ونحن لدينا الكوادر الجيدة ذات الكفاءة التي تستطيع تحمل المسؤولية في هذا الشأن» .وعن برامج الإذاعة تقول الأخت أفراح محمد جمعة ، مديرة إدارة البرامج ، وهي من الإعلاميين القدامى في إذاعة المكلا والمشهود لها في إسهاماتها المشرّفة في مجال التمثيل المسرحي والإذاعي « تبث الإذاعة إرسالها من السابعة صباحاً حتى الرابعة مساء ، وأحياناً يستمر الإرسال حتى وقت أطول في حالات استثنائية كالمناسبات الدينية والوطنية، التي تتطلب النقل الخارجي أو التغطية الإعلامية الاحتفائية ، ويتخلل الإرسال ، إضافة إلى البرامج الإخبارية، برامج متنوعة وشيقة تقترب من الإنسان الحضرمي وتلامس همومه ، وهي موجهة إلى فئات الناس المختلفة ،عمرياً واجتماعياً وثقافياً من هذه البرامج « كلام له معنى » والبث المباشر اليومي الذي نختار في كل حلقة يومية منه قضية اجتماعية معينة تهم الناس ، وبرنامج «المجلة الرياضية» الذي يربو بثه على الأربعين عاماً أي منذ تأسيس الإذاعة ، ويقدمه الإعلامي المخضرم عزيز الثعالبي ، وبرنامج «نافذة على التراث» ، و«عالم الأسرة» وغيرها من البرامج الدينية والشبابية ذات الرسائل التوعوية والإرشادية». وقد علمنا من الأخت أفراح أن الإذاعة بصدد التحضير للاحتفاء بالذكرى (46) على رحيل الفنان اليمني الكبير محمد جمعة خان بالتشبيك مع إذاعتي سيئون وعدن في تاريخ 24 ديسمبر الحالي ولمدة أسبوع بواقع حلقة في اليوم حتى نهاية الشهر. وتؤكد الأخت أفراح أن إدارة البرامج ترنو إلى التشبيك وتبادل الخبرات البرامجية بين معدي البرامج في إذاعات اليمن كافة، الأساسية والمحلية منها. وعن مدى تأثير إذاعة المكلا على المتلقي تقول الأخت أفراح جمعة : « لإذاعة المكلا تأثير بارز على المتلقي ونستطيع تقييم ذلك من خلال تواصل الناس اليومي معنا خلال برامج البث المباشر أو تحت الأثير، وكثيراً، بل غالباً ما نأخذ برأي الناس ومقترحاتهم ، فمثلاً برنامج «كلام له معنى» « شبه اليومي ( يماثله في المضمون برنامج ما يصح إلا الصحيح من إذاعة عدن ) يُبث بشكل تمثيلي من سبع إلى ثمان دقائق ، فيه روح الفكاهة ويحمل رسائل توعوية ونقدية لبعض الظواهر السلبية في المجتمع وتأتي أفكاره من رسائل المتلقيين لإرسالنا ومن تواصلهم اليومي معنا. كذلك هناك برنامج «ع المكشوف» وهو برنامج رمضاني فقط ودرامي يومي ولمدة نصف ساعة وندخل فيه روح الفكاهة أيضاً لكنه يحمل رسائل توعوية للناس » . ومن الإعلاميات المخضرمات التقينا في مبنى الإذاعة الأخت لطيفة سالم التي تعمل مذيعة منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولظروف خاصة تحولت للعمل في مكتب الإعلام لفترة من الزمن ثم عادت إلى بيتها الأول ـ الإذاعة ـ لكنها ، كما تقول ، لم يتم ترتيب وضعها كموظفة ثابتة حتى اللحظة في الإذاعة، ولم يتم نقلها رسمياً من مكتب الإعلام ، وتسأل بصوت فيه حشرجة اليائس: « إلى متى سأظل أبحث عن هويتي الإعلامية ؟ وهل تضيع سنين حياتي العملية الماضية هباء؟ «وهنا نرفع نحن أيضاً ذات السؤال إلى الجهة أو الجهات المعنية بالأمر لإيجاد حل لمذيعة قدمت ولاتزال تقدم الكثير من عطاء إعلامي إبداعي وكانت جولتنا الأخيرة في المكتبة الإذاعية حيث أرففها الحديدية ، وأدهشنا ترتيب ونظافة الأشرطة القديمة والحديثة النائمة على هذه الأرفف والتي تختزن ذاكرة المجتمع الحضرمي القديم والراهن. وقد التقينا الأخ عبدالحافظ محفوظ رئيس قسم المكتبة والذي يعمل في الإذاعة منذ عام 1976م الذي أجاب عن سؤالنا عن عدد الأشرطة في المكتبة : « يبلغ عدد الأشرطة في المكتبة حوالي (4000) شريط تحوي برامج وأغنيات قديمة سجلتها الإذاعة ، ولأننا نخاف على هذه الأشرطة من الهلاك فإننا نقوم حالياً بنقلها إلى أقراص مضغوطة بواسطة جهازي حاسوب الاول تحصلت عليه إدارة الإذاعة من وزارة الإعلام وآخر من رجل أعمال في المحافظة «. مضيفاً: «إلا أننا نعاني من قلة الموظفين في الإذاعة فنحن ثلاثة موظفين فقط والمهام كثيرة وكبيرة ».