الحديث السائد هذه الأيام حول جامعة الملك عبدالله لم يكن عادلاً في مجتمعنا المتناقض نوعاً ما في فكره وممارساته. فبدلاً من حديث الفرح والبهجة بهذا المولود الرائع النادر، أصبح الحديث عن موضوع الاختلاط بين الجنسين في الجامعة هو سيد الموقف. قرأت وسمعت الكثير من الآراء المتفقة مع توجه الدولة وأمناء الجامعة التي أتت رداً على الآراء المخالفة لهذا التوجه من منطلق شرعي. إذا استثنينا بعض الإشكالات النظامية التي وقع فيها بعض المعترضين وأحسنا الظن في النوايا والأهداف فإنني أعتقد أن كلا الطرفين كان صادقا في دعواه للأسباب التي سأحاول شرحها هنا.موضوع الاختلاط برأيي هو موضوع اجتماعي أمني يلامس عواطف الكثير من السعوديين وهذا يغلب على المسألة الشرعية حتى لو قيل خلاف ذلك. جميعنا أصبح مقتنعاً اليوم بأن موضوع الاختلاط من الناحية الشرعية لا ذكر له أصلاً فضلاً عن تحريمه والمفردة نفسها غير موجودة في قاموس الفتاوى. ويؤيد هذه القناعة رأي العالم الكبير الدكتور يوسف القرضاوي الذي خصص بحثاً مختصراً ومؤصلاً عن الاختلاط. الذي نعرفه من النواحي الشرعية هو تحريم الخلوة غير الشرعية، أي اختلاء رجل بامرأة ولا ثالث معهما. هذه هي الحالة التي حرمها الشرع والغريب أنها هي الحالة التي تقع في حياتنا بشكل صارخ وفاضح ومستمر كل يوم من خلال اختلاء السائق أو البائع الأجنبي وليس السعودي بنسائنا في الطرقات وفي الأسواق. لكن وعلى وضوحها لا يتحدث عن ذلك أحد من الطرف الذي يستند إلى الشرع في موقفه المضاد للاختلاط في كاوست. والأغرب هنا أن هذا الصمت الواضح للعيان تجاه هذه الخلوة لا يستمر لو كان السائق المنزلي أو البائع سعوديا. خذ على سبيل المثال هذه الظاهرة، لماذا لا يوجد سائق منزلي سعودي؟ هل الراتب الشهري فقط هو السبب؟ لا أظن. جميعنا أيضاً يعرف أن المرأة السعودية التي تنتظر سيارة الأجرة لنقلها لمنزلها من مركز تسوق أو مستشفى تفضل دائماً أن يكون السائق أجنبيا وتتحاشى الركوب مع السعودي إلى درجة أن بعض سائقي سيارات الأجرة من السعوديين بدأ يرتدي الزي الأجنبي للتمويه. الحقيقة أن الغالب الأعم من المواطنين السعوديين يملكون في دواخلهم هواجس وريبة نحو النظر إلى المرأة بواسطة أي رجل سعودي آخر ليس فقط في التعليم أو الطب أو الأسواق بل في كل مكان في المملكة وحتى خارجها.يمكن القول هنا إن الخوف من الاختلاط لم يأت بالضرورة بسبب كونه مخالفة شرعية ولكنه وليد لهذه الهواجس التي ذكرتها إضافة إلى انعدام الثقة بمعاقبة احتمال تحرش هذا السائق أو البائع السعودي. الحل كما أراه لمحاولة الخروج من هذا الوهم يأتي من شقين. الأول يكمن في المزيد من التنوير والحديث عن الموضوع بإسهاب ووضوح والثاني ضبط التحرشات أمنياً من خلال سن تشريعات واضحة وصارمة ورادعة ضد المعاكسين. إن اطمئنان رب الأسرة السعودي في الخارج على محارمه وعدم توتره من مشاهدة الرجال هناك لعائلته في الطرقات أو المطاعم والأسواق والسماح لهم بركوب سيارات الأجرة نابع أولاً من شعوره بالأمن كمنظومة قوية تعاقب المعاكس من خلال القوانين الصارمة المطبقة في تلك الدول ضد المعاكسين. هذا ما قصدته عندما وضعت الشق الأمني كجزء هام من هذه المعادلة. نفس الحديث ينطبق أيضاً على علاقة رب البيت بالسائق الأجنبي في المملكة. فالأخير يخضع لعقوبة رب الأسرة “الكفيل” الذي يتحكم بوظيفة السائق ومعاقبته حتى قبل أن يتم رفع أي حالة إلى القضاء أو الشرطة. اطمئنان رب الأسرة هنا بوجود الرادع الأمني “العقوبة” أذاب جزءا هاما من هذه الهواجس وجعله يتغاضى حتى عن الاختلاء المحرم شرعاً. الآن تخيلوا لو أن هذا السائق المنزلي سعودي الجنسية، هل ستوجد هذه الطمأنينة؟ بالطبع لا لأن رب الأسرة لا يشعر بقدرته على عقاب هذا السائق وردعه وإلحاق الأذى به و “ترحيله” لبلاده. وبهذه المناسبة أود الإشارة هنا إلى افتقارنا كدولة إلى اللوائح القانونية والجزائية التي تحفظ حقوق رب العمل من العامل. نعم لدينا لوائح تحفظ حقوق العامل ولكن ليس العكس. أتمنى أن أكون مخطئاً ولكن هذا ما أعرفه على حد علمي.فإذا اتفقنا على أن ما ورد شرحه أو جزءا منه يكشف بعض الأسباب التي أدت إلى وجود هذه الأجواء المشحونة بالعاطفة من كلا الطرفين حول كاوست فإن تحريم الاختلاط وبالذات في صرح علمي كبير كهذا مما قد يترتب عليه نوع من الازدواجية والتكرار في التعليم وشح وتردد في طرح الآراء والمناقشات العلمية الهامة يعتبر مجازفة خطيرة ولا يمكن أن نستخدمه كحل لهذه الظاهرة النفسية الاجتماعية والأمنية الفريدة من نوعها.لا يجوز لنا بأي حال التضحية بتعكير خطة عمل هذه الجامعة الكبيرة الواعدة بسبب هذه الإشكالية الاجتماعية التي سنتجاوزها بحول الله ولو بعد حين. لنبحث عن حلول لها، آمل أن نضحي بأماكن أخرى أقل أهمية من كاوست ولندع هذا الصرح العالمي المتميز ينطلق كما خطط له الباحثون ذوو الخبرات والتجارب العلمية الكبيرة الذين تم انتقاؤهم بعناية فائقة لقيادته والإبحار به نحو الإبداع. [c1]*عن/ صحيفة “الوطن” السعودية[/c]
|
اتجاهات
الاختلاط وما ادراك ما الاختلاط
أخبار متعلقة