في ظل غياب مؤشرات تسوية تعيد الهدوء للجمهورية الإسلامية
جانب من المظاهرات التي عمت إيران عقب الانتخابات
طهران/14اكتوبر/ رويترز:يهز الصراع على السلطة في ايران، الذي تفجر عقب الانتخابات، الجمهورية الإسلامية حتى النخاع حيث لا توجد أي بوادر على أن زعيمها الأعلى يستطيع امتصاص الغضب الشعبي أو حتى استعادة ثقة الساسة ورجال الدين في أي وقت قريب.فالاضطرابات التي ثارت منذ انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد لفترة ولاية ثانية، في انتخابات 12 يونيو الماضي، وقال خصومه انه تم التلاعب في نتائجها، وضعت عرض الرئيس الأمريكي باراك اوباما بالانخراط مع إيران محل شك، في حين يشتبه الغرب في أن طهران تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية.ومن الصعوبة بمكان رؤية كيف تستطيع إيران صياغة توافق في المفاوضات النووية او الحوار مع الولايات المتحدة، بينما يواجه الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي تحديات لم يسبق لها مثيل لسلطته وشقاقات عميقة داخل النخبة الحاكمة.فطهران التي تؤكد أن برنامجها النووي مخصص لأغراض سلمية بحتة، أمامها مهلة تنقضي في سبتمبر للموافقة على إجراء مفاوضات حقيقية مع الغرب وألا تجازف بمواجهة عقوبات دولية اشد قسوة. ويقول رسول نفيسي، وهو خبير في الشؤون الإيرانية يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له “سواء تستطيع العثور على محاور في إيران في هذه اللحظة أم لا محل شك لان النظام بأكمله في أزمة أي خطوة يتخذها ستعتبر إما عجرفة أو ضعفاً”.وربما يجب أن تنتظر المسألة النووية نتيجة أخطر اضطراب داخلي تشهده إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979. فقد كان علي اكبر هاشمي رفسنجاني، الذي هو ثقل كبير في النظام لكنه يشعر بالسخط، ألقى خطبة قبل صلاة الجمعة، اتسمت بلهجة حادة ساهمت في إعادة تنشيط المعارضة بعد أن أخمدت قوات الأمن الشهر الماضي احتجاجات ضخمة بالشوارع وأودعت مئات الإصلاحيين والمثقفين البارزين السجون.ويرى كريم ساجد بور المحلل بمعهد “كارنيغي” للسلام الدولي ومقره واشنطن “المشكلة الرئيسية التي تواجهها المعارضة هي أن مستشاريها الموثوقين إما في السجن أو قيد الإقامة الجبرية أو غير قادرين على التواصل بحرية”. ويضيف “لايزال هناك غضب شعبي هائل لكن في الوقت الحالي ليست هناك قيادة لتوجيه هذا الغضب سياسياً”.ولا يرى ساجد بور أي مؤشر على التوصل إلى تسوية مبكرة “لأن المتشددين يخشون من أن يشجع أي تنازل من قبلهم أعداءهم وهم في الوقت الحالي مازالوا مسيطرين على أركان السلطة”. ويمضي قائلاً “في حين توجد شقاقات واضحة بين النخبة الإيرانية من رجال الدين فإن قاعدة قوة خامنئي لا تتمثل في رجال الدين لكن في الحرس الثوري متى بدأنا نرى شقاقات بين الحرس يمكن أن يقضي هذا على خامنئي وأحمدي نجاد”.ويبدو أن خامنئي “تأذى” من خطبة رفسنجاني التي اعتبر فيها أن إيران “في أزمة بسبب الشكوك المحيطة بنتائج الانتخابات” وطالب بوقف الاعتقالات ورفع القيود المفروضة على الصحافة، ما دفع المرشد الأعلى إلى “تحذير” شخصيات بارزة، امس الاول الاثنين ، بعدم مساعدة أعداء طهران. وقال “يجب أن تعلم النخبة أن أي حديث أو تصرف أو تحليل يساعد (العدو) خطوة ضد الأمة”.لكن رفسنجاني يبدو راسخ الأقدام بقوة بحيث لا يمكن تجاهله. ويشرح دبلوماسي غربي في طهران “انه (أي رفسنجاني) ليس اي أحد انه واحد من الشخصيات البارزة في الثورة ووضعه راسخ تماماً بين جماعات كبيرة من رجال الدين”، مضيفاً “يتمتع بشبكة رائعة”.وكان المرشحان المهزومان مير حسين موسوي ومهدي كروبي تحديا جهود خامنئي لإسكات احتجاجاتهم، ما دفع الرئيس السابق محمد خاتمي لإجراء استفتاء على شرعية الحكومة.إيديولوجيا، يعتبر دعم المؤسسة الدينية الإيرانية ضرورياً لموقف القيادة، لكن قلّة من آيات الله هي التي أيدت نجاد، بل ان البعض، مثل آية الله العظمى علي منتظري المعارض، هاجموا خامنئي. ويقول باقر معين، وهو محلل متخصص في شؤون إيران مقره لندن “رجال الدين لا يعلمون ماذا يفعلون انهم حائرون بين موقف خامنئي الذي لا يلين، والمعارضة التي اكتسبت جرأة وتطالب بأكثر مما يريد أن يمنحه خامنئي”.فخامنئي الذي خلف مؤسس الثورة آية الله روح الله الخميني في منصب الزعيم الاعلى عام 1989، جازف بمصداقيته كوسيط في النزاعات وصاحب القول الفصل في سياسة الدولة بعدما أعلن تأييده الصريح لنجاد، ونتيجة الانتخابات. وقال معين الذي ألّف سيرة حياة الخميني “الزعيم الأعلى فقد سلطة قول الكلمة الأخيرة انه مجرد سياسي آخر يعكس مصلحة جماعات متنوعة محيطة به وليس النظام ككل”.في المقابل يقف رفسنجاني (75 عاما) وهو سياسي مخضرم يرأس هيئة تستطيع نظرياً اقالة الزعيم الأعلى، اتهمه احمدي نجاد بالفساد خلال الحملة الانتخابية التي اتسمت بتشويه السمعة. لكنه اتخذ خطاً خاصاً في خطبتي صلاة الجمعة، بقوله انه يجب استعادة ثقة الشعب في العملية الانتخابية بعد “يوم مرير” وهو انتقاد واضح لكنه غير مباشر لخامنئي.علي الأنصاري الباحث في الشؤون الإيرانية بجامعة دورهام في بريطانيا عن خطبة الجمعة أكد أن “رفسنجاني لعبها بذكاء شديد، وفي الحقيقة ألقى الخطبة التي كان يجب أن يلقيها الزعيم”. ويضيف أن ما يتعرض للخطر الآن هو الاستمرار السياسي ليس لنجاد فحسب، بل خامنئي أيضا الذي “يزداد ضعفاً كل يوم”.ويرى بعض المحللين احتمال أن يسعى زعماء إيران المتشددون، الذين يشعرون بالعزلة في الداخل، إلى الوفاق مع الغرب لاكتساب الشرعية وتعزيز موقفهم. غير انه حتى الآن، اتهم كل من خامنئي واحمدي نجاد مراراً القوى الغربية بالتحريض على الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات واستبعدا تقديم أي تنازلات في ما يتصل بالمشاريع النووية لإيران.على النقيض ربما لا يكون اوباما متعجلاً لبدء أية مفاوضات قد تدعم الزعماء الإيرانيين المحاصرين في هذه المسرحية السياسية التي لا يمكن التنبؤ بأحداثها في طهران. ويقول ساجد بور، من معهد كارنيغي عن احتمالات الانخراط “أخشى أن يمثل وجود احمدي نجاد عقبة لا يمكن تجاوزها أمام بناء الثقة مع الولايات المتحدة”. ويضيف “سيكون من المستحيل على طهران طمأنتنا بأن طموحاتها النووية سلمية بحتة إذا ظل احمدي نجاد يعبر عن ولعه الشديد بقتال إسرائيل صراحة”.