أحمد الحبيشي في مداخلته أمام حلقة (17 يوليو) النقاشية بجامعة عدن :
عدن / 14 أكتوبر :ألقى الأستاذ أحمد محمد الحبيشي مداخلة مهمة في حلقة النقاش التي نظمتها جامعة عدن وصحيفة (14 أكتوبر) بمناسبة الذكرى الـ (31) للسابع عشر من يوليو يوم تولي فخامة الرئيس علي عبدالله صالح مقاليد الحكم منتخبا من مجلس الشعب التأسيسي في ظروف غاية في الصعوبة.. حيث حملت الحلقة عنوان “فخامة الرئيس علي عبدالله صالح وبناء الدولة الحديثة” ولأهمية المداخلة تنشر الصحيفة نصها :أولا أود أن أشكر الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن حبتور رئيس الجامعة على الكلمات الطيبة التي تحدث بها عن صحيفة “14 أكتوبر” وأسرة تحريرها.والشكر موصول إلى جميع الزملاء في هيئة التدريس بجامعة عدن والمشاركين في هذه الندوة.بداية أود أن أقول إنني على خلاف مع بعض ما طرحه بعض الذين قاطعوا مداخلة الدكتور خالد باجنيد وقد أعجبت بالمداخلة لسبب جوهري وهي أننا تعودنا في مثل هذه المناسبات التي نحيي فيها ذكرى 17 يوليو أن نتحدث عن الماضي وأن نفتح أبواب المدح المشروع والنفاق غير المشروع للقائد ولتجربته، لكنني لاحظت في هذه الورقة كثيراً من الحديث الجاد عن مهام وتحديات في الحاضر وفي المستقبل، وقليلا من الحديث عن الماضي.أنا أعتقد أنّ الذين يحبون الرئيس علي عبدالله صالح ويؤمنون فعلاً بصواب الأسس والمبادئ التي اعتمدها في إدارة نظام الحكم وفي إدارة العملية السياسية طوال فترة حكمه عليهم أن يدافعوا عن هذه المبادئ، يدافعوا عن هذه القواعد وأن يجعلوا منها دليل عمل للمستقبل حتى إذا توفي الأخ رئيس الجمهورية - لا سمح الله - والموت حق وكلنا زائلون، تبقى هذه المبادئ والقواعد ولا يأتي من يغيرها وينسفها ويعيدنا إلى الماضي وبالتالي نخسر الزمن ونخسر الإنجاز ونخسر التاريخ.لقد أعجبت بالورقة التي تقدم بها الأستاذ الدكتور خالد باجنيد وأنا سعيد بأن يتواجد معنا أساتذة في الطب البشري لأننا يجب أن نتعامل بمناهج الطب في التعامل مع مشاكل مجتمعنا، فالطبيب دائما عندما يتعامل مع المريض والمرض.. يتعامل بنظام تشخيص المرض ثم العلاج على جرعات، لأن الجرعة الكبيرة تقتل ولا تعالج المرض ولا تنقذ المريض.وأنا أعتقد أن واحدة من القواعد والمناهج التي استخدمها الأخ رئيس الجمهورية - وأنا أحب أن أتحدث عن علي عبدالله صالح كمناضل أكثر مما أتحدث عنه كقائد أو كرئيس - أنه اعتمد منهج الابتعاد عن القفز على الواقع وإحراق المراحل، لأننا بحاجة إلى أن نتعامل مع مشاكلنا باعتبارها أعراضا لمرض هو التخلف، التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ويجب أن نعترف بهذا، وأعراض هذا المرض تحتاج إلى تشخيص طبي بدرجة رئيسة وتحديد نوع المرض وتحديد نوع العلاج وجدولة وبرمجة عملية استخدام العلاج.. والمهم أن يتسلح المريض بالإرادة والاستجابة للعلاج.أعتقد أنه تواجهنا تحديات كبيرة جدا ويخطئ من يعتقد أن مشاكلنا كلها يمكن حلها بجرعة واحدة، وقد أعجبني حديث الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن حبتور رئيس الجامعة الذي تحدث فيه عن الحكم المحلي.. وهناك من يتحدث عن حكم محلي واسع الصلاحيات وهناك من يطالب بحكم محلي كامل الصلاحيات وهناك من يطالب بالفيدرالية.وأود هنا أن أقول أمامكم أنه يفترض ألا نكون متطيرين ومسعورين تجاه أي حل يضعه أو يقترحه أي شخص أو أي حزب أو جماعة سياسية.. ولكن يجب أن نخضع هذه الحلول للميزان.. (ميزان الواقع) ما الذي يمكن أن نستوعبه.. هل بلادنا تستوعب الفيدرالية؟ .. هل يمكن أن نصل إلى الفيدرالية الآن، أو بعد خمسين أو مائة سنة؟.. هل بلادنا تستوعب الحكم المحلي كامل الصلاحيات؟ .. هل يمكن نصل إليه على مراحل، بحيث يتم تطبيقه في بعض المدن الكبرى أولاً؟.. هل بلادنا تستوعب حكما محليا واسع الصلاحيات؟.في تقديري إننا قد نصل أو لا نصل إلى هذا النوع من الحكم المحلي واسع الصلاحيات بسرعة وبجرعة كبيرة.. وإن كنا قد حصلنا على الحق بأن نمارسه.المهم أن نؤمن بأن بلادنا بحاجة إلى الخروج من نفق الأزمات، وأن نحسن الظن بالجميع. وأن نتعامل مع هذا الوطن على أنه للجميع وعلى أن كل أبناء الوطن وإن اختلفوا وإن تباينوا وإن تصارعوا، فهم في الأخير أبناء هذا الوطن. ومن هذه الزاوية أعتقد أن الوطن يواجه تحديات حقيقية.. فهو يواجه تحديات التنمية والكلام عنها سيتفرع إلى عناوين.. لدينا مشكلات الفقر ولدينا مشكلات البطالة ولدينا مشكلات ضعف الموارد ولدينا مشكلات وجود موارد غير قادرين على استثمارها استثمارا جيدا.إن الكلام عن تحديات التنمية واسع، واعتقد أن الزملاء في كلية الاقتصاد والخبراء يمكن أن يفيضوا في الحديث عنها بعناوين مختلفة.لدينا أيضا تحديات في بناء الديمقراطية وهي واسعة، كالمشاركة والحريات والحقوق المدنية، والمساواة في حقوق وواجبات المواطنة.. وهي عناوين واسعة جدا.. لدينا تحديات مكافحة الفساد وفرض سلطة القانون ويمكن أن نتحدث عن هذه التحديات بعناوين مختلفة.ولدينا تحديات بناء مجتمع المعرفة ويدخل بضمنها عملية بناء الثقافة الجديدة وتطوير وإصلاح مناهج التعليم في المجتمع.ولدينا أهم التحديات وهي حماية وحدة الوطن.وأنا أتحدث عن الوطن وأحب أن أتحدث أيضا عن عدن التي لا يجوز أن نتحدث عنها كمحافظة مثل غيرها من المحافظات بحسب ما يحلو لبعض الذين في نفوسهم مرض.. أنها ثغر اليمن وعروس البحر الأحمر وتاج خليج عدن الكبير.. إنها مهد وموئل الحركة الوطنية المعاصرة وعاصمة اليمن الاقتصادية والتجارية، لأن هذا الموضوع سيشمل بالضرورة كل التحديات التي تواجهنا.. وإذا أحسنا تشخيص التحديات التي تواجه وحدة الوطن يمكن أن نصل إلى مداخل لفهم كل التحديات.واسمحوا لي أن أتحدث عن الماضي قليلاً لأن الماضي أيضا مهم وبالذات 17 يوليو فالرئيس علي عبدالله صالح عندما وصل إلى السلطة واجه مجموعة معقدة من المشاكل.. لكنه تعامل معها وفق قواعد مختلفة، فمن يتابع خطابه الأول أمام مجلس الشعب عام 1978م، سيلاحظ أنه تكلم عن الديمقراطية خمس مرات وحرص على مبدأ الحوار سواء في داخل ما كان يسمى سابقا بالجمهورية العربية اليمنية أو على مستوى العلاقة بين الدولتين في الشطرين سابقا، وحرص على موضوع اسمه التسامح وحرص على موضوع اسمه الانفتاح والأهم من هذا كله إن ما كان يميز علي عبدالله صالح عن الآخرين سواء في الجمهورية العربية اليمنية أو جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أنه لم يكن رهينة للأيديولوجيا، لم تكن لديه حلول جاهزة كبرنامج حزب أو منظومة أفكار جاهزة وعمومية مثل الإسلام هو الحل أو الاشتراكية هي الحل، ولم يكن لديه عقل جامد ومعلب.. لقد كان دائما يحاول أن يجدد أفكاره وأن يبحث عن الحلول المناسبة والجديدة في الواقع، وليس في الكتب القديمة، وكان يغير أحيانا أساليب عمله.. يغيرها باستمرار وهذا المنهج يجب علينا أن نأخذ به نحن.نحن الآن نواجه التحديات المتعلقة بحماية الوحدة نواجه تحديات كبيرة جدا.. الأخ الدكتور / عبدالعزيز بن حبتور تكلم عن حرب 1994م وقال إنها كانت ضرورة، والحقيقة أنه لم يكن هناك منتصر ومهزوم في حرب 94م وبتعبير أدق لم يكن هناك منتصرون ولا مهزومون كان هناك منتصر واحد فقط هو الوحدة لم يكن هناك منتصرون ومهزومون، كما يتصور البعض.. لا الذين اعتقدوا أنهم انتصروا هم المنتصرون ولا الذين اعتقدوا أنهم انهزموا هم مهزومون. كان هناك - كما قلنا - منتصر واحد فقط هو الوحدة.. لكن حدث بعد ذلك أن هذا المنتصر الذي هو الوحدة تعرض للعدوان من قبل الانفصاليين الحقيقيين، ومع الأسف الشديد، من قبل الذين ركبوا موجة حرب 1994م، وقد كان لي موقف متميز من حرب 1994م والمطالبة بإزالة آثارها السلبية، ولا يزال هذا الموقف ثابتا بالنسبة لي.. لأنه بعد حرب 1994م جرى إطلاق المارد الانفصالي الحقيقي المعادي للوحدة وجرى إبراز ذوي النزعات الانتقامية الذين شاركوا في تلك الحرب بهدف تصفيات حسابات قديمة .. كما جرى إحياء الرموز السلاطينية التي شاركت في تلك الحرب المشؤومة وتشجيعها وإعادة الاعتبار إليها وتم منحها أختاما لإضفاء الشرعية عليها، وتمكينها من التصرف بأراضي الدولة وشؤون المجتمع نيابة عن الدولة، وبدعم من الدولة نفسها.. وجرى إطلاق أيدي ناهبي الأراضي والطامعين في غنائم الحرب والفيد .. كما جرى إحياء الكيانات المشيخية والرموز التي كانت تحكم كانتونات إقطاعية ومشيخية وأسهمت في مخطط طمس الهوية اليمنية للجنوب المحتل من خلال انخراطها في مشروع اتحاد الجنوب العربي، وكانت القوة المحركة لمشروع الجنوب العربي الذي يجري الآن إحياؤه - مع الأسف الشديد - من قبل هذه القوى التي ركبت موجة حرب 94م وتظاهرت بالدفاع عن الوحدة وهي لا علاقة لها بالوحدة، بل هي كانت الخصم ليس الرئيسي فحسب بل الخصم التاريخي لوحدة اليمن، لأن الذين ناضلوا من أجل الدفاع عن الهوية اليمنية للجنوب المحتل في الأربعينات والخمسينات هم الرواد الأوائل في معارك الدفاع الحقيقية عن الوحدة، وهم كانوا في وقت لاحق القوى الرئيسية لثورة 14 أكتوبر بكل فصائلها.. ولا أتحدث الآن عن فصيل معين.. الجبهة القومية أو جبهة التحرير أو التنظيم الشعبي أو أي حزب أو تيار وطني أو قومي، فكل الفصائل التي قاتلت الاستعمار البريطاني وواجهت مشروع الجنوب العربي ودافعت عن الهوية اليمنية للجنوب المحتل هي التي دافعت عن الوحدة اليمنية وهي التي صنعت الوحدة اليمنية وهي التي في يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م رفعت اسم اليمن على هذا الجزء من الوطن الذي تعرض لمخططات طمس هويته اليمنية.. وهي التي مهدت بهذه الجمهورية التي حملت اسم اليمن بعد الاستقلال لقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م.بعد حرب 94 تم إعادة الاعتبار لكل القوى التي هزمتها ثورة 14 أكتوبر وجاءت لا للانتقام من الحزب الاشتراكي الذي لا نختلف في أنه ارتكب أخطاء قاتلة بحق الجنوب الذي حكمه بعد الاستقلال.. وبحق نفسه وتاريخه بعد الوحدة، ولا للدفاع عن الوحدة بل جاءت للانتقام من ثورة 14 أكتوبر وهذا ما يجري الآن.. لقد كشفت عن نواياها، كشفت عن وجهها القبيح، كشفت عن أجندتها القديمة ورفعت شعار إحياء الجنوب العربي، بتعبير أدق إنهم يطالبوننا بالعودة إلى الماضي وبأن نطمس أكثر من ستين عاما من تاريخ كفاح آبائنا ومن تاريخنا وندفنه ولنبعث من مزبلة التاريخ تلك الأجندات القذرة التي تتآمر على الوحدة، تتآمر على الهوية الوطنية الواحدة وبالتالي تتآمر على كل حقوقنا التي تحدث عنها الأستاذ خالد باجنيد في التنمية وفي توسيع الديمقراطية، في بناء مجتمع المعرفة وفي بناء سلطة القانون، وفي بناء اقتصاد متطور وفي تحقيق عدالة اجتماعية وفي بناء دولة المساواة.أنا اعتقد أن الجميع مطالبون الآن بالدفاع عن الوحدة بعقل مفتوح، يجب أن ندافع عن الوحدة بروح وطنية حقيقية، أن ندافع عن الوحدة من خلال الاعتراف بتاريخنا والدفاع عن هويتنا والتمسك بمكاسبنا ومواصلة المواجهة مع المشاريع الأنجلو سلاطينية التي استهدفت طمس الهوية اليمنية لجنوب الوطن ومنع تحقيق وحدة الوطن وتجزئة وتفكيك هذا الوطن، والأهم من كل ذلك تحقيق الشراكة في بناء هذا الوطن والمساواة في حقوق وواجبات المواطنة للرجال والنساء على حد سواء.. وهي كلها أهداف وطنية تبناها الرئيس علي عبدالله صالح منذ توليه الحكم في 17 يوليو 1978م، وكانت في صدارة أجندته التي جسدت وفاءه للثورة اليمنية 26 سبتمبر - 14 أكتوبر.. ولتاريخها ولتضحياتها.[c1]شكرًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[/c]