سنسمع في السعودية بعد الآن :
عندما يدخل الأمير فيصل بن عبدالله إلى مكتبه الجديد بمبنى وزارة التربية والتعليم، سيجد عالما آخر ينتظره، وكذلك عندما يلتقي رجال التربية والتعليم بالأمير لأول مرة فسوف يجدون رجلا آخر عما ألفوا في طريقة التفكير وأولويات العمل وعما تعودوا عليه واعتقدوا بصوابه. أتوقع الأمر نفسه مع وزير العدل الشاب محمد العيسى، أو العالم الجليل الفاضل عبدالرحمن الكلية وهو يدخل المحكمة العليا التي تأخر إنجازها رغم أهميتها والتي سيكون لها دور كبير في هرمية الحكم والإدارة في بلادنا. هذا بالرغم من أن الاثنين قادمان من بيئة العلماء والقضاء، ولكن فكرهما المميز هو الذي دفع الشيخ الجليل إلى خارج الدائرة القديمة، والشاب الطموح لبلاده إلى الديوان الملكي. هذه الصور السابقة تعبر عن سلبية كبيرة عشنا فيها فمضينا نحاول الإصلاح ونحن نعيش في جزر متباعدة، نسمع بعضنا البعض ونهز الرؤوس بالموافقة ونعود إلى مكاتبنا قائلين “يكون خيرا إن شاء الله”. دخلنا في دائرة أن صاحب مشروع الإصلاح يحتاج أن يقنع “الجهة التنفيذية” بجدوى الإصلاح أو ينتظر حتى يوقن أن ثمة حاجة للإصلاح، وأن ثمة علاقة بين إصلاح القضاء والاستثمار الأجنبي، وبين المناهج والوظائف، وبين العمل والرزق الذي يسميه الاقتصاديون “معدل دخل الفرد” وله آليات عدة لحسابه وتقديره وتوقعه وتنميته ومقارنته. رجل التربية والتعليم لا يقتنع أن ثمة علاقة بين توفير المدرسة المختلطة للأجنبي وبيئة الاستثمار المناسبة، وموظف التأشيرات لم يبلغه بعد أن نساء العالم يعملن مديرات وخبيرات تقنيات ولما يبلغن الأربعين بعد، وأن شركات العالم باتت مليئة بهن، فبقي يقول “ما في تأشيرة يعني ما في تأشيرة”. وزارة التربية والتعليم اشتغلت بجيشها من المعلمين والمعلمات والبند السادس والبند الواحد والخمسين، وهل يستحقون الزيادة أم لا، ليتهم انشغلوا بتطوير منهج الرياضيات إذاً لوجدوا حلا لمعادلاتهم الصعبة. الفريق القادم إلى مختلف الوزارات والهيئات فريق متجانس، مؤمن بالإصلاح، بعضهم شارك في وضع خطط الإصلاح وخرائطه، وعليهم اليوم أن ينفذوا ما طالبوا الآخرين بتنفيذه، فهم على الأقل مقتنعون أن ثمة حاجة للإصلاح, كثير منهم جاؤوا من الديوان الملكي أو المؤسسات القريبة من الملك المجدد عبدالله بن عبد العزيز وبالتالي عرفوه جيدا وأدركوا ما يريد منهم. بعضهم نجح في دائرته الضيقة كإدارة تعليم في الحرس الوطني أو مستشفى واحد وعليه اليوم أن ينجح في كل المملكة. غالبهم من الشباب، وبالتالي نحتاج أن نقول لهم هونا علينا، لا تستعجلوا بنا، لا أن نقول لهم “طال عمرك، ترى العالم لن ينتظرنا، والمستثمر إن لم يجد أبوابنا مفتوحة فأبواب غيرنا مفتوحة له”. جيل قيادي كهذا لا يحتاج الإعلام والمثقفون أن يقنعوه لِمَ أنظمتنا بحاجة إلى تطوير، ولا أن مناهجنا لا توفر لأبنائنا قدرات تنافسية في سوق عمل حر. وليتنا لا ننشر مقالا يقول صاحبه “مناهجنا بخير ويكفي أنها خرجت واحداً مثلي” ربما “واحد مثلي” هو المشكلة. أو آخر يرفض عمل المرأة قائلا “وظفوا الرجال الأول، أو لتوزع الدولة مخصصات لكل طفل يولد “ مهما قلنا له فلن يقتنع فهو لم يدرك اقتصاد 101. ما هو القادم؟ التغييرات الأخيرة ليست تعديلات وزارية، خرج فلان ودخل فلان، إنما أكبر من ذلك، خرج منهج قديم، وافق زمنه، ولم يعد يوافق زمننا، وسيدخل معه منهج جديد، يقوم على: • الشفافية والتصارح. سنسمع أكثر من المسؤولين ونتفاعل أكثر معهم. • الدولة ليست موفرة للخدمات، والدخل، وإنما حاكمة ومنظمة لمجتمع واقتصاد يصنع فرصه ودخله دون أن تتخلى عن مسؤوليتها كقائد للمجتمع بتقديم المبادرات والصرف على بنيته التحتية. • أفكار جديدة كثيرة، تحتاج إلى حوار صادق، وشفاف وغير أناني، لا ننزعج لو قال أحدهم إن وظيفة الدولة ليست افتتاح مستشفى في كل مدينة وهجرة، وإنما الوعد برعاية شعبها بغطاء تأميني شامل، بينما تخصص الرعاية الصحية وتطلق الحرية المنضبطة والمقننة للمؤسسات الخاصة لتوفير مزيد من الخدمات الصحية. • تخصيص التعليم، فكرة جريئة، لم لا وإن كانت مخيفة؟ لنتحدث حول ذلك، تحريره من المركزية والسماح لأفكار وتجارب جديدة، قد يكون هنا الحل كله أو بعضه، المهم ألا نبقى جامدين ننتظر كشوف النقل السنوية. • تدوين الأحكام، فكرة قديمة منذ أيام بني عثمان، ونحن نقدم رجلاً ونؤخر أخرى، والنتيجة قاض يحكم على سارق الخروف بستة أعوام والمعتدي على ابنته بعامين. • سنسمع أكثر جملة “هناك رأي آخر يقول بكذا” وسيصبح الحوار الوطني وحسن الظن قاعدة لا هواية نمارسها في المواسم. • سنفخر بمناهجنا الدراسية حتى تصبح نموذجا يتمنى مثلها إخواننا في الأردن أو الكويت، ولا نخجل من تدريسها في الأكاديمية الإسلامية بواشنطن أو نواكشوط. سنعمل جميعا في جزيرة واحدة، تحت قيادة إمام وملك واحد، مستعد بشجاعة أن يحمل عنا مسؤوليته الدينية كولي أمر للمسلمين، مجتهد برأي علماء أفاضل، وبسلطته الزمانية كملك على البلاد، ليقودنا بلداً وشعبا نحو عالم متنافس منفتح متعدد متعاون، فنمضي معه واثقين فخورين بديننا وحداثتنا معا. [c1]* عن / صحيفة (الوطن) السعودية [/c]