الحركة العمالية والنقابية .. نضال من أجل الاستقلال الوطني
عبدالرزاق شائفرافق قيام الحركة العمالية والنقابية نشوء أحزاب وجمعيات لم يكن هدفها منذ البداية تجنيد الجماهير لخوض النضال الحاسم للتخلص من الحكم الاستعماري بقدر ما عبرت تلك الأحزاب عن مطالبها السياسية في تقرير مصير عدن والمحميات آنذاك ولم تنطلق هذه المطالبة بمبدأ تقرير المصير من رؤية وطنية شمولية تخدم بالأساس وحدة الأرض والشعب اليمني بقدر ما عبرت عن طموحات الاستعمار والقوى الطبقية الموالية لسياسته الرامية إلى إبقاء سيطرته الاقتصادية والعسكرية لمدى أطول تحت شعار “استقلال شكلي” كانت السياسة البريطانية تسارع فيه وتضع خططه ومشاريعه بدءاً من الحكم الذاتي لعدن ومروراً بمشروع اتحاد عدن والمحميات وانتهاءً بقيام الاتحاد الفيدرالي للجنوب العربي.لقد استهدفت بريطانيا بسياستها تجاه وحدة عدن والمحميات خلق كيان مستقل عن اليمن، ضمن هذه السياسة أخذت بريطانيا تهيئ حلفاءها من العملاء والمستوزرين والأمراء والسلاطين لخلق مثل هذا الكيان السياسي الذي فرضت قيامه في فبراير 1959م كخطوة أولى لوضع البلاد والقوى السياسية والمعارضة الوطنية أمام الأمر الواقع للتفاوض لنيل الاستقلال.. لكن هذه اللعبة الخطيرة لم تنطل على الشعب اليمني وقواه الوطنية الخيرة لذلك فقد نهضت الحركة العمالية في مقدمة القوى والعناصر الوطنية لشجب ومعارضة هذه اللعبة منذ البداية، فقد رفضت مشروع الحكم الذاتي لعدن ورفضت أيضا مشروع قيام اتحاد الجنوب العربي ولذلك رفعت الحركة العمالية شعار جلاء الاستعمار كمبدأ وشرط وشعار للوحدة اليمنية وشعار للوحدة العربية.أمام هذا الصراع السياسي الذي اشتد غواره وتطور في الخمسينات وتباينت رؤية الأحزاب السياسية والفئات والطبقات في مجال النضال السلمي والمعارضة السياسية للمشاريع البريطانية بشأن تقرير المصير ومثلت فترة الخمسينات مرحلة صراعات حادة في اتجاهات المعارضة السياسية للوجود الاستعماري وللحكم الانجلو سلاطيني وهي مرحلة خصبة من النضال السلمي للحركة العمالية والحركة الوطنية اليمنية ويمكن إيجاز هذا الصراع في ثلاثة اتجاهات رئيسية هي:[c1]1/ الاتجاه الانفصالي[/c]الذي مثلته التنظيمات السياسية الأولى وهي الجمعية العدنية وحزب رابطة أبناء الجنوب العربي، فقد رفعت قيادة الجمعية العدنية شعار “عدن للعدنيين” وطالبت بالحكم الذاتي لعدن وقيادة هذه الجمعية كانت تمثل مصالح البرجوازية وكبار الموظفين واستهدفت هذه الفئة الحصول على امتيازات طبقية لتصبح في قمة الحكم الذاتي لعدن، بينما كانت قيادة الرابطة تمثل مصالح كبار الاقطاعيين والتجار ورفعت شعار “وحدة عدن والمحميات”.. ومن ثم رفعت الرابطة وحدة الجنوب العربي.لقد مثل هذان الحزبان اتجاهاً واحداً مع اختلاف المطالبة بالاستقلال فالجمعية كان همها الأول ان تقتصر المطالبة بالاستقلال الذاتي لعدن، وحزب الرابطة طورهذا الاتجاه بدعوته لوحدة كافة مناطق الجنوب.. وقد تجلى في هذا الاتجاه اتفاق قيادة الحزبين على أنكار وحدة الأرض والشعب اليمني.. وهذا كان يعني بالأساس الاستجابة المباشرة مع مخطط السياسة البريطانية في تقرير مصير المنطقة وخلق كيان مستقل ومنفصل عن اليمن.[c1]2/ الاتجاه الوحدوي[/c]مثل هذا الاتجاه مناقض لاتجاه الجمعية العدنية وحزب الرابطة وتجلى بظهور الجبهة الوطنية المتحدة التي ضمت المعارضة الشعبية للسياسة البريطانية تمثلت بالنقابات الناشئة والاتحاد اليمني وفئات الشباب والمثقفين.رفعت الجبهة الوطنية المتحدة شعارات وحدة الشعب اليمني وعملت على تحريض العمال للمطالبة بتأسيس نقابات عمالية لهم تحميهم من جشع الشركات الاحتكارية وطالبت بمقاطعة الانتخابات في المجلس التشريعي في ديسمبر عام 1955م بسبب حرمان أبناء الشطر الشمالي المتواجدين في عدن من حق التصويت أو الترشيح في تلك الانتخابات بصفتهم أجانب حسب ادعاء السلطات الاستعمارية.. ولاقى شعار وحدة التراب اليمني والشعب اليمني استجابة كبيرة من جانب جماهير الشعب اليمني. وكان شعار الوحدة اليمنية في ظل تلك التغيرات في الظروف المحلية اليمنية والعربية المحاولة الأولى لتوجيه المهمات الوطنية وحشد طاقات الجماهير اليمنية للنضال الوطني ضد الاستعمار وشركاته الاحتكارية والهجرة الأجنبية لعدن.. وضد الحكم الإمامي الكهنوتي.وكان منبع هذا الاتجاه الذي رفعته الجبهة الوطنية المتحدة القاعدة العمالية العريضة والنقابات الناشئة وحظى هذا الاتجاه بتأييد شعبي عام وكانت قيادة الجبهة الوطنية حينها قد ضمت عناصر برجوازية صغيرة وعمال وعناصر إصلاحية مثقفين وطنيين، وكان خطها إصلاحي هي الأخرى مع الفارق بتغيير الشعار فقط واستبدلت النضال السياسي السلمي وجندت العمال في الإضرابات والمظاهرات لترتقي إلى مستوى أحزاب المعارضة الأخرى وللتفاوض في محادثات الاستقلال السياسي، وقد احتلت بعض قيادة الجبهة الوطنية المتحدة مكان الصدارة في تأسيس الحركة النقابية وتجلى هذا الموقف من خلال تبوءها لقيادة المؤتمر العمالي.. فمنذ عام 1956م وبسبب رفع الجبهة الوطنية شعار الوحدة اليمنية تعرضت بعض عناصرها لملاحقة السلطات البريطانية، ونفي واضطهاد أبرز عناصرها ولعدم تجانس القوى المؤيدة للجبهة الوطنية المتحدة فقد انحصر شعار الوحدة اليمنية في الحركة النقابية وغدا شعار الحركة العمالية في المعترك السياسي لمقاومة الأحزاب الانفصالية والمعارضة للسياسة البريطانية.. إلى جانب ذلك مقاومتها للرأسمال الاحتكاري وانتزاع المطالب الاقتصادية وحقها في تحديد ساعات العمل وتحديد أجور عمل عادلة.[c1]3/أحزاب البرجوازية الصغيرة[/c]فقد تجلت معالمه الأولى بظهور أحزاب البرجوازية الصغيرة التي تواجدت في عدن ومثلت حالة نهوض ثورية جديدة للحركة التحررية الوطنية اليمنية، وكانت من حيث المنشأ قد شكلت جزءاً من الأحزاب والحركات القومية العربية في بداية ظهورها في النصف الأخير من الخمسينات ومنها التجمع القومي والاتحاد القومي وحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب.. وإن كان واقع نشوء هذه الأحزاب والتجمعات قد أرتبط بفترة النهوض القومي في العالم العربي على أثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م وردة الفعل المباشرة لقوى التحرر العربي في إقامة المحاولة الأولى لقيام دولة الوحدة بين مصر وسوريا واليمن شمالاً إلا أن هذا الحدث القومي البارز بالقدر الذي أثر على تنامي الوعي القومي وبالقدر ذاته عزز قدرة حركة التحرر الوطني اليمنية على الانتقال من حالة العفوية إلى حالة التنظيم الثوري الواعي في إعادة تنظيم طاقات الجماهير الشعبية في اليمن ضمن هذه التنظيمات السرية التي أوجدتها الأحزاب والحركات القومية التي ارتقت بأسلوب العمل السياسي إلى مستوى التنظيم الثوري ونتيجة لارتقاء العمل السياسي فقد اتخذت أحزاب البرجوازية الصغيرة من الحركة العمالية والنقابية وقطاع المرأة والطلاب مجالات لبناء تنظيماتها السرية والإسهام والمشاركة في النقابات.. ورغم حداثة هذه التنظيمات الثورية ذات المنشأ القومي والبرجوازي الصغير، إلا أنها وجدت نفسها في منافسة شديدة مع بعضها في التأثير على الحركة العمالية والنقابية من جهة ومع الأحزاب الأخرى العلنية التي سمح لها من قبل السلطات الاستعمارية بممارسة العمل السياسي للتعبير عن الديمقراطية الزائفة التي خلقها الاستعمار بعد فرض اتحاد حكومة الجنوب العربي عام 1959م.. وقد سمحت السلطات الاستعمارية بحرية الأحزاب وظهرت أحزاب جديدة موالية ومعارضة للسياسة البريطانية ومن الأحزاب الموالية الحزب الوطني الاتحادي الذي تزعم ضم عدن إلى الاتحاد، كما ظهرت أحزاب المعارضة الجديدة حزب الشعب الاشتراكي وحزب اتحاد الشعب الديمقراطي وأحزاب أخرى صغيرة.وفي ظل هذا التعدد لاحزاب البرجوازية الصغيرة مثل المؤتمر العمالي الوجه البارز للحركة الثورية، ورغم تعدد الاتجاهات في قيادة المؤتمر العمالي إلا أن النضالات السياسية والعمالية أصبحت في الطليعة والمحركة للاحداث في تلك الفترة وقد قام المؤتمر بدور المحرض والمبادر في الدعوة للإضرابات والمظاهرات السياسية وقد مثلت الإضرابات حينذاك ضغطاً سياسياً قوياً لمقاومة السياسة الاستعمارية كما مثلت الإضرابات العامة احد مظاهر الكفاح السياسي السلمي في الخمسينات وفي بداية الستينات وكان أبرزها(1).1ـ الإضراب العام في 24 أغسطس 1958م احتجاجاً على الهجرة الأجنبية وغلاء المعيشة والبطالة.2ـ الإضراب العام في 19 نوفمبر عام 1960م احتجاجاً على إلغاء صحيفة العامل.3ـ الإضراب العام في 21 مارس عام 1960م بتأييد وإضراب عمال المصافي (شركة الزيت البريطانية).4ـ الإضراب العام في 5 أغسطس عام 1961م احتجاجاً على القانون الصناعي الذي تعرض للتوقيف والتحكيم الاجباري.من خلال الثقل السياسي الذي مثلته الحركة العمالية والنقابية منذ بداية ظهورها يتضح جلياً بانها قد مثلت فصيلاً متقدماً في الحركة الثورية والتحررية اليمنية ورغم التيارات والاتجاهات التي تجاذبتها إلا أنها كانت في كل منعطف وحدث تفرز الاتجاهات السياسية للأحزاب التقليدية وتكتسب ضمن حركتها المتدفقة أفكاراً جديدة ذات مضامين تواكب حركة التحرر الوطني العربية والحركة الثورية العمالية العالمية ونلاحظ بجلاء هذه التأثيرات بشعارات المؤتمر العمالي (وحدة، حرية، اشتراكية) وهي ان كانت لبعض الأحزاب القومية تأثير كبير فيها وخاصة حزب البعث العربي الاشتراكي إلا أن التيار القومي العفوي كان هو السائد والذي خلقته ظروف الثورة العربية وبفعل تأثيرات القيادة الناصرية وما مثلت من حالة نهوض ضد الاحلاف العسكرية والقواعد الاجنبية في العالم العربي ودعم ثورة مصر للعديد من الحركات ودعم نضال عمال عدن للتحرر من الاستعمار، ولكن الطبيعة المزدوجة لقيادة المؤتمر العمالي قد جعلت هذه القيادة تظهر حقيقتها في طرح قضية الحركة النقابية والوطنية على المستوى العربي والدولي، وتجلى خطها الإصلاحي الليبرالي فقد عملت هذه القيادات في المجال الخارجي على الانضمام إلى الاتحاد الحر الدولي للنقابات (يروكسي) كما عملت على خلق اتصال بحزب العمال البريطاني وأدت لوصول النائبان البريطانيان إلى عدن بدعوة من قيادة المؤتمر في 17 يونيو 62م.وقد أبديا النصح لقيادة المؤتمر العمالي آنذاك بضرورة انبثاق حزب سياسي من المؤتمر العمالي يكون ممثلاً سياسياً للمؤتمر العمالي يمثله في أية محادثات سياسية رسمية مع السلطات البريطانية ومن وجهة نظر النائبين البريطانيين فأن المؤتمر لا يحق له كونه تنظيماً نقابياً إجراء أي محادثات سياسية رسمية.. وقدما النصح لخوض نضال سياسي بقيادة حزب سياسي يمثل المؤتمر العمالي وبناءً على هذا النصح الذي اقتنعت به قيادة المؤتمر العمالي، اجتمع مجلس المندوبين للمؤتمر العمالي وهو السلطة التشريعية في أوائل سبتمبر عام 1962م وأقر إعلان قيام حزب الشعب الاشتراكي كممثل للحركة العمالية والنقابية وكجناح سياسي للمؤتمر العمالي (2) وكان عبدالله الاصنج أمين عام المؤتمر العمالي حينذاك قد انتخب رئيساً للحزب من جانب المؤتمر العمالي إلى حزب الشعب الاشتراكي وأفسحت السلطات الاستعمارية المجال لقيام أحزاب تقليدية حرة لممارسة النشاط السياسي حيث وجدت إلى جانب رابطة الجنوب العربي أحزاب أخرى مثل الحزب الوطني الاتحادي وحزب الأمة والمؤتمر الشعبي وهذه الأحزاب الثلاثة الأخيرة قامت بعد الانشقاق الذي حدث في الجمعية العدنية وأدى إلى تفتتها وقيام أحزاب بديلة عنها بما تمثله من أهداف تتفق ومصالح الاستعمار.وكان طبيعياً أن يجد حزب الشعب الاشتراكي تجاوباً شعبياً نتيجة ما يرفعه من شعارات كانت تمثل حالة متقدمة بالنسبة لبقية الأحزاب الأخرى، ولانه انبثق عن المؤتمر العمالي، ولقد دعا حزب الشعب الاشتراكي وأيده في ذلك المؤتمر العمالي إلى قيام إضراب عام في البلاد والزحف على المجلس التشريعي يوم 24 سبتمبر احتجاجاً على ضم عدن إلى “الاتحاد الفيدرالي المزيف” والذي فرضه الاستعمار في بداية 1959م على بقية أجزاء الجنوب، ويشكل يوم الزحف على المجلس التشريعي احد ملاحم النضال السياسي التي كان في طليعتها العمال والطلبة وقد اضطرت قوات الاحتلال البريطاني وضباط الشرف لاستخدام وإطلاق النيران على المتظاهرين واستشهد وجرح من جراء ذلك عدد كبير من العمال والطلبة والموظفين، وكانت قيادة حزب الشعب في ذلك اليوم الخالد قابعة في منازلها منتظرة انتهاء أحداث ذلك اليوم الدامي الذي كان الغرض الرئيسي منه إظهار ثقل حزب الشعب الاشتراكي باعتباره حزباً عمالياً وجماهيرياً.بعد قيام حزب الشعب الاشتراكي في يوليو 1962م فان قيادة المؤتمر العمالي التي أصبحت بعضها في قيادة الحزب واصلت السير على الطريق الإصلاحي نفسه ولم تتخلى عن الدعوة لعزل النقابات عن الحركة السياسية رغم وجود تأثير حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب واتحاد الشعب الديمقراطي، وهذه التنظيمات الثورية كانت تتناقض مع هذه الدعوة وفي حقيقة الأمر أن قيادة المؤتمر وهذه التنظيمات كانت بالأساس تعارض ارتباط الطبقة العاملة وحركتها النقابية بالأحزاب والتنظيمات الوطنية والثورية والتقدمية التي تتخذ نهجاً سياسياً معارضاً للسياسة البريطانية ولمصالحها الطبقية والسياسية. وهي لذلك قد عملت على تكوين حزب سياسي إصلاحي تكون على رأسه لكي تحافظ على بقاء الحركة العمالية تحت تأثيرها ونفوذها السياسي والأيديولوجي، يشير التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الثاني لاتحاد الشعب الديمقراطي إلى ذلك قائلاً: أما قادة المؤتمر العمالي الذين ظلوا حتى الآن يدعون رفض العمل السياسي الحزبي كتغطية لسياستهم القائمة على عزل الطبقة العاملة عن النضال الوطني والسياسي فقد استشعروا الخطر أكثر من غيرهم من قيام الاتحاد الشعبي الديمقراطي وخافوا من ازدياد نفوذ الماركسيين بين صفوف الطبقة العاملة فسارعوا على الفور إلى تكوين “الحزب الاشتراكي” واعتبروه الجناح السياسي للمؤتمر العمالي ووصفوه بالاشتراكية لتضليل الطبقة العاملة والحيلولة دون خروجه عن سيطرتهم أو الانجذاب نحو الاتحاد الشعبي الديمقراطي ولم يكن يجمع بين حزب الشعب الاشتراكي والاشتراكية أي جامع (3).من الواضح جلياً أن حزب الشعب الاشتراكي قد عمل بدهاء سياسي كبير على اخفاء حقيقة نهجه السياسي والايديولوجي الرجعي وراء دخان من الاضاليل والشعارات الوطنية والتقدمية التي أريد لها أن تكون مجرد ستار يخفي جوهره اليميني الإصلاحي وخطه السياسي المساوم مع الاستعمار، ومن الطبيعي ألا يكشف قادة حزب الشعب الاشتراكي القناع عن حقيقة النهج الايديولوجي والسياسي الصريح والحقيقي للحزب حتى لا ينكشف أمره، ولذلك فإن حزب الشعب الاشتراكي ارتدى لباس غيره وظهر في بادئ الأمر بوجه غير وجهه الحقيقي حيث تدثر بالشعارات الوطنية والتوجه من أجل الخداع والتضليل وجذب الطبقة العاملة والجماهير الكادحة إلى صفوفه وبالتالي الحد من نشاط التنظيمات والأحزاب الثورية والسياسية القائمة التي أخذت تتغلغل إلى داخل الحركة العمالية والنقابية ولم يكن من قبيل الصدفة ان يرفع الحزب الشعارات الثورية والتقدمية فالمرحلة كانت في الواقع مرحلة نهوض ثوري كبير إذ تنامى الوعي السياسي والوطني في صفوف الطبقة العاملة وجماهير الشعب قاطبة وتفاقمت التناقضات الطبقية والاجتماعية وارتفعت درجة الاستعداد الكفاحي في صفوف الجماهير الشعبية وصارت أكثر الشعارات جذباً هي شعارات الحرية والاستقلال الوطني، وغدت شعارات الاشتراكية قوة جذب لا تقاوم لكادحي العالم وذلك تحت تاثير الاشتراكية الواقعية ومن أجل مواكبة ومسايرة التطورات الجديدة في حركة التحرر الوطني كان على قيادة حزب الشعب الاشتراكي ان تلتقط الشعارات الكفيلة لاستقطاب الجماهير ولكن على الرغم من رفعها لتلك الشعارات فانها كانت لا تخفي جوهرها الرجعي والانتهازي، وذلك من خلال مواقفها المعادية للقوى الثورية والوطنية والتقدمية وبالدرجة الرئيسية لفصائل الحركة الثورية العالمية حيث نهج حزب الشعب الاشتراكي طريق معاداة الشيوعية وجندوا كل إمكانياتهم وصحافتهم للهجوم على الشيوعية.وفي احايين كثيرة فإن القيادة النقابية الانتهازية في المؤتمر العمالي وحزب الشعب الاشتراكي رفعت مهمة مكافحة الشيوعية إلى المرتبة الأساسية، متجاهلة أهمية النضال ضد الاحتلال البريطاني والنظام السلاطيني الإقطاعي، وبلغ الأمر بقيادة المؤتمر العمالي اتهام الحكم الإمامي في الشمال بالتواطؤ مع الشيوعية وشنت هجوماً إعلامياً كبيراً على الإمامة التي تسمح كما اعتقد النقابيون الانتهازيون للتغلغل الشيوعي في اليمن، فالتغلغل الامبريالي الأمريكي الفعلي لم يذكر أبداً وذلك يدل على الشعار الناجم عن مرض معاداة الشيوعية حيث جاء في احد الكتيبات الصادرة عن حزب الشعب الاشتراكي مايلي: يحاولون يخدعونا بانهم يتمسكون بسياسة عربية ويلتزمون موقف الحياد، في الوقت الذي يسمحون فيه للنشاط الشيوعي والاستعماري بالتوسع والازدياد “دونما رقيب”، وهكذا فان قيادة حزب الشعب الاشتراكي بدلاً من تنفيذ واجبها الوطني في توجيه انظار الشعب إلى الخطر الحقيقي الذي يهدد البلاد شمالاً وجنوباً.. خطر الاستعمار الامبريالي البريطاني في الجنوب وتغلغل الامبريالية الأمريكية في الشمال فإنها حاولت الهاء الطبقة العاملة وجماهير الشعب بخطر وهمي مزعوم لا وجود له في الواقع كما أن مخاطر هذا النهج تكمن في إبعاد الطبقة العاملة اليمنية وجماهير الشعب الكادحة عن النضال الوطني التحرري من أجل الاستقلال الوطني وهذه الدعاية عادت بالنفع على المستعمرين وحدهم والحقت ضرراً بالغاً بقضايا النضال الوطني التحرري.لقد جابه حزب الشعب الاشتراكي مهاماً وطنية كبيرة في ظروف نشأته ومثلت الامتحان العسير للحزب من خلالها كان عليه أن يبرهن صدق توجهه الوطني المحدد نظرياً في وثائقه وبرامجه، فلم تمض إلا أشهر محدودة على تكوينه إلأ وانفجرت ثورة 26 سبتمبر 62م ضد النظام الاقطاعي الإمامي في الشمال وكان لها اثراً عميقاً على مجرى النضال الوطني التحرري للشعب اليمني في الجنوب حيث الهبت الحماس الوطني وصعدت القدرة الكفاحية للجماهير وعمقت التناقضات القومية والطبقية المتشابكة بين الاستعمار والنظام السلاطيني الاقطاعي من جهة وبين جماهير الشعب اليمني من جهة أخرى، أي أن الثورة بقيام النظام الوطني الجمهوري وفرت شروطاً لنجاح قيام الثورة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب.لقد كان على حزب الشعب الاشتراكي حينها أن يقوم بدوره التعبوي لتصعيد النضالات الوطنية والعمالية والارتقاء بأشكال الكفاح الوطني إلى مستوى المهام المطروحة غير انه نتيجة للطابع الإصلاحي الذي تميز به الحزب وقف عاجزاً عن مواكبة التطورات الجديدة وتقديم الحلول الجذرية لقضايا النضال الوطني والطبقي بل وقف عائقاً أمام تناميه وتطوره لبلوغ أرقى الأشكال النضالية حيث اكتفى بدرجة رئيسية على أشكال النضال السلمي وإضرابات ـ مظاهرات ـ توزيع منشورات ـ إصدار بيانات.. الخ، أي حصر النضال الوطني التحرري بالحدود المقبولة إلى هذا الحد أو ذاك من جانب السلطات الاستعمارية ولا تؤدي إلى حدوث ردود أفعال عنيفة من جانبها بل بالعكس تستفيد من ذلك للبرهان على المطالب الديمقراطية المزيفة لانظمة الحكم في العالم “الحر” ولاثبات أفضلية الاوضاع في الجنوب والتي تسود فيها “ديمقراطية” مقارنة مع الاوضاع في الشمال في ظل النظام الملكي أو حتى بعد قيام الثورة في الشمال ليس هناك من شك أن أشكال النضال السلمية ذات فائدة من حيث تنامي الوعي السياسي والوطني وتحقيق بعض المطالب الاقتصادية الجزئية للطبقة العاملة ولكنها محدودة وهي لن تؤدي إلى تحقيق كافة المطالب الجذرية للطبقة العاملة وجماهير الشعب في التحرر والاستقلال ولا يعني ذلك الانتقاص من أهمية ودور أشكال النضال السلمية، ولكن الأخذ واختيار هذا الشكل أو ذاك من أشكال النضال هو رهن الظروف التاريخية الملموسة للبلد المعني ولذلك فان حصر النضال الوطني التحرري في شكل محدد دون غيره هو تنازل بدون مقابل لسلطات الاستعمار يوفر لها إمكانية اخماد لهيب النضال الوطني التحرري بكل وحشية أو يطلق ايادي الغزاة المستعمرين للضرب بقوة حديدية أي شكل من أشكال المقاومة الجديدة للشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال، فلقد بينت التجارب الواقعية للنضال الوطني التحرري لشعوب البلدان المتحررة والتجارب وهي أعظم برهان أن المحتلين هم أول من يلجأ إلى العنف الوحشي لضمان تخليد وتأييد سيطرتهم الاستعمارية في بلدان الغير. الأمر الذي يفرض على القوى الوطنية والتقدمية القيام بمهام المجابهة الحازمة واستخدام مختلف أشكال النضال الوطني حتى لا تترك الجماهير فريسة سهلة “لوحوش العالم” الحر.وفي بلادنا فان ظروف المجابهة مع سلطات الاحتلال الاستعماري كانت تحتم على الثوريين اليمنيين وكل القوى الوطنية المخلصة تصعيد النضال الوطني التحرري واتخاذ كل أشكال النضال لإرغام المحتلين على الاعتراف بحق شعبنا في تقرير مصيره بنفسه كما أن الظروف الجديدة التي نشأت بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشمال قد كانت لا تتلاءم مع شكل النضال السلمي كشكل وحيد وطرحت بالحاح مهمة تطوير أساليب وطرق النضال الوطني بعد ان تبين عقم الطريق السلمي أمام تصلب وهمجية المستعمرين التي وصل بها الأمر الى حد تضييق الخناق وتقييد النضال السلمي من خلال قمع حركة الجماهير بالقوة واطلاق النار على التظاهرات السلمية واعتقال وتشريد الوطنيين والنقابيين وإصدار القوانين والتشريعات المقيدة للحريات النقابية والسياسية كقانون منع الإضراب في عام 1960م، وفي هذه الظروف فانه لا يمكن أبداً ولا يعقل الاعتماد على تقديم الرسائل والمذكرات وإجراء المباحثات والمشاورات مع ممثلي الدوائر الاستعمارية لتقرير مصير المنطقة ومطالبتها بتقديم الاستقلال لشعبنا على طبق من ذهب.وعلى الرغم من ذلك لا يمكننا ان ننفي اسهامات حزب الشعب الاشتراكي وغيرها من الأحزاب التقليدية ودورها في النضال السلمي المعادي للاستعمار والرجعية ولكن طبيعة الظروف والتغيرات الداخلية منها والخارجية ابرزت بالضرورة انتهاج أساليب ثورية جديدة بعد أن وصل أسلوب المعارضة السياسية للاستعمار والمطالبة بحق تقرير المصير إلى طريق مسدود.. وكان لقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م أثرها في تغيير موازين القوى الداخلية والخارجية حيث مثل الإطاحة بالنظام الملكي وإعلان الجمهورية العربية اليمنية مرحلة نهوض وطني شامل وخلق المناخ الثوري للدفاع عن الثورة والاندفاع الطوعي لدى الثوريين والتقدميين اليمنيين لحمل السلاح دفاعاً عن النظام الجمهوري تحت شعار الجمهورية أو الموت.أنه فقط عبر هذا الحدث التاريخي الهام استطاعت فصائل الحركة الثورية شمالاً وجنوباً ان تثبت قدرتها النضالية وترتقي إلى مهمات وطنية ثورية وتلتحم في معارك الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر، وعبر هذا الاندفاع الثوري ارتقى الوعي الوطني الثوري وانتقل إلى مرحلة من النضال الجاد باعتماد مبدأ الكفاح المسلح طريقاً وحيداً لطرد الاستعمار البريطاني، وفي ضوء هذا الظرف الملموس تشكلت قناعة ووعي الثوريين اليمنيين بضرورة تفجير ثورة 14 أكتوبر عام 1963م بقيادة الجبهة القومية رائدة الكفاح المسلح التي تم تشكيلها من فصائل العمل الثوري السرية وعلى رأسها حركة القوميين العرب.لقد انطلقت أول شرارة لثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م من قمم جبال ردفان إيذاناً لبدء العمل الثوري وإنذارا صريحاً للاستعمار بالرحيل عن أرض الوطن اليمني وأعقبت هذه الشرارة الأولى انتشار العمل المسلح وفتحت جبهات قتال في مناطق تواجد القوات البريطانية كما بدأت الجبهة القومية نشاطاتها العسكرية والسياسية لغزو مواقع جنود الاحتلال وقلب القاعدة البريطانية في عدن حيث تشكل جهاز الفدائيين كجهاز عسكري عالي التنظيم وجهاز سياسي انخرطت فيه طلائع ثورة 14 أكتوبر من العمال في الجهاز العسكري والسياسي وكذا المثقفين من الشباب والطلاب وقطاع المرأة وغزت هذه الطلائع الثورية المنظمة مختلف الهيئات والأوساط وبدرجة رئيسية الحركة النقابية لشرح أهداف الثورة المسلحة وتحرير البلاد من الاستعمار دون قيد أو شرط في ضوء الميثاق الوطني للجبهة القومية.لقد أقر ميثاق الجبهة القومية في مؤتمرها الأول المنعقد في يونيو 1965م كوثيقة منهاجية للثورة الشعبية المسلحة وحدد بوضوح بأن الاشتراكية العلمية هي الدليل النظري للثورة، وحدد كذلك الأهداف في مرحلة التحرر الوطني والأهداف اللاحقة، وعبر هذا النهج الواضح للثورة استطاعت الجبهة القومية استقطاب مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية إلى إطارها واستطاعت أيضاً أن توجد القواسم المشتركة لوحدة المهمات النضالية في سبيل تصفية الاضطهاد الكولونيالي، ومن الجانب الآخر تصفية الاضطهاد الطبقي الاجتماعي ولكن هذه الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة التي شاركت في النضال ضد الاستعمار كانت تفهم بصورة متباينة الأهداف النهائية لهذا النضال لذلك فقد برزت الاختلافات وتجلت المواقف الانتهازية لمحاربة الثورة الشعبية المسلحة وتعرت مواقف الاحزاب التقليدية بما فيها حزب الشعب الاشتراكي وفي قيادة المؤتمر العمالي وفي النقابات وأعلنت تلك الأحزاب شجبها للثورة المسلحة بقيادة الجبهة القومية ووصف قادة حزب الشعب الاشتراكي قادة الجبهة القومية ومن يؤيدهم بأنهم (دراويش) يقصد بذلك تشويه الجبهة القومية، ولم يكتف قادة حزب الشعب بذلك وانما تمادوا بوصف الثورة المسلحة بأنها (جريمة) جاء هذا في تصريح رئيس حزب الشعب الاشتراكي أمين عام المؤتمر العمالي حينها قائلاً “كم كنت شخصياً أحرص على أن احني رأسي احتراماً لأقطاب الدراويش القوميين لو هم تجنبوا جريمة النضال بدماء القبائل” (5).وأمام تصاعد النشاط العسكري والسياسي للجبهة والتفاف جماهير الشعب حول الثورة وتأييد الحركة الوطنية العربية والعالمية لم يستطع الاستعمار مقاومة ثورة الشعب وعجز عن مواجهتها أو الحد من نشاطاتها برغم اتباع الأساليب الوحشية وإرهاب وإحراق المزارع وقتل المواشي والقتل والاعتقال الجماعي لعشرات من المناضلين وتعذيبهم في السجون والمعتقلات. أمام هذا الصمود كان لابد للاستعمار من إتباع سياسة جديدة لمواكبة الثورة يلجأ بالدفع بعملائه من السلاطين إلى افتعال مشاكل والتظاهر بتأييد الثورة الشعبية والهروب خارج البلاد كلاجئين سياسيين، ولقد وجد حزب الشعب الاشتراكي هو الآخر مخرجاً لموالاة الثورة وأتخذ من السلاطين واللاجئين السياسيين مادة نشطة جديدة لتشكيل منظمة التحرير وإظهار مولاتهم للجهاز العربي لكي يتمكنوا من اللحاق بالتطورات حينذاك، وبهدف تمييع الثورة استطاعوا بالتجاوب مع بعض العناصر الاستخباراتية أن يحققوا موقفاً سياسياً لإعلان الدمج القسري، وأعلنت قيام جبهة التحرير في 13 يناير عام 1966م بالتعاون والتنسيق مع بعض قيادات من الجبهة القومية من إعلان هذه الجبهة تحت هالة إعلامية كان الهدف منها انتزاع قيادة الثورة الشعبية ومن ثم الجبهة القومية، لكن الجبهة القومية أثبتت انها من خلال ميثاقها الوطني، انها ليست مجرد حركة مسلحة ذات طابع عفوي تسيرها قوى خارجية تنتهي بمجرد إعلان في مرحلة معينة وقد أثبتت انها حركة ثورية مناضلة جاءت نتاج ظرف تاريخي ملموس لتلبي متطلبات الجماهير الكادحة ومعبرة عن طموحاتها وأهدافها التحررية.لقد كان الغرض من قيام جبهة التحرير ليس إيجاد الصيغة للوحدة الوطنية كما أدعى المتظاهرون بالولاء للثورة وانما من أجل اللحاق بالثورة لتكون إطاراً سياسياً يستهدف توصيل قضية الشعب إلى تسوية سياسية ولقي ذلك القبول باستقلال شكلي وقد سبق للسياسة البريطانية أن مدت يدها للتفاوض حوله مع الأحزاب التقليدية كما سبق لجماهير الشعب رفضه شكلا ومضموناً وجاء رفع الكفاح المسلح من جانب جبهة التحرير امتداداً لخداع الشعب.. وكانت الجبهة القومية من خلال ميثاقها الوطني قد تجاوزت هذا المفهوم التقليدي للوحدة الوطنية وطرحت مفهوم ثوري لأسس الوطنية مع أسس وحدة القوى المنتجة من عمال وفلاحين ومثقفين ثوريين وبرجوازية صغيرة.لقد واجهت قواعد الجبهة القومية والفئات والطبقات الشعبية مع الثورة الشعبية المسلحة الدمج القسري ومفاهيم الوحدة الوطنية المفروضة في إطار جبهة التحرير بنفور شديد، وقد عبرت مختلف القطاعات الشعبية عن مواقفها وكانت الحركة النقابية ممثلة بالقيادة الثورية وجماهير العمال في إطار النقابات الست قد تصدت ليس فقط للدمج القسري بل وتصدت كذلك للقيادات الانتهازية للمؤتمر العمالي وتحملت مسؤوليتها الطبقية والوطنية للحفاظ على خط ونهج الثورة التقدمي والحفاظ على استقلالية الجبهة القومية والتنسيق مع قيادات الجبهة القومية هذه المهمات الثورية لشرح أهداف الثورة وكشف خداع جبهة التحرير خاصة بعد ان أعلنت الجبهة القومية انسحابها من جبهة التحرير في نوفمبر 66م.لقد وقفت النقابات الست ومن وراءها جماهير العمال موقف تأييد لاستمرار النضال المسلح بقيادة الجبهة القومية، وقد جاء هذا التأييد في وقت كانت الجبهة القومية تعتمد كلية على ذاتها وعلى اشتراكات أعضاءها ومناصريها، وعلى الصعيد الخارجي قامت النقابات الست بشرح القضية الثورية لشعبنا وأعلنت رفضها للاشتراك في الاتحاد الحر وأرسلت المذكرات السياسية للاتحادات العربية والاتحادات الصديقة في الدول الاشتراكية توضح فيها حقيقة الوضع السياسي في المنطقة وكشفت من جانب آخر حقيقة القيادات الانتهازية للمؤتمر العمالي وجبهة التحرير.لقد اشتدت حدة الصراعات بين قيادات المؤتمر العمالي التي تؤيد جبهة التحرير وبين قيادات النقابات الست التي رفضت قيادة المؤتمر العمالي وأخذت تتوسع في صفوف العمال مما أوصل الأمر إلى أن جبهة التحرير أعلنت رسمياً تدخلها لحل تلك الصراعات في النقابات ولكنها انحازت لعناصرها مما أدى بجبهة التحرير لإعلان بيان رسمي بإغلاق دار المؤتمر العمالي، لكن العمال وتحت قيادة النقابات لم يستجيبوا لذلك وتدخل اتحاد العمال العرب وقبلت قيادة النقابات الست بوجود لجنة رباعية من الطرفين وقيادة النقابات الست وقيادة المؤتمر العمالي لتسيير دفة الأمور في الحركة النقابية وإجراء انتخابات عامة في سائر النقابات غير ان قيادة المؤتمر العمالي رغم تظاهرها بقبول الحل لم تلتزم به عملياً، ولذلك تجلت حقيقة الصراع بين قوى الثورة الحقيقية بقيادة الجبهة القومية وبين قوى معادية للثورة تمثل قوى الانتهازيين والأحزاب السياسية التقليدية بقيادة جبهة التحرير.إن ظهور التيار النقابي الثوري الجديد قد جاء ملبياً لمهمات ومتطلبات النضال الوطني والطبقي للحركة العمالية والنقابية بعد ان عبرت القيادات الانتهازية عن موقفها من الثورة، كما أن قيام النقابات الست وتمردها على قيادة المؤتمر العمالي جاء لصيانة مواصلة الحركة النقابية والدفع بها في معارك شعبنا الباسلة وقد لخص حقيقة الخلافات عبدالله باذيب قائلاً: “الخلاف القائم في الحركة النقابية ليس خلافاً شخصياً أو عقائدياً، وليس خلافاً بين بعثيين وناصريين كما يصوره البعض خطأ أو بين أناس منتمين إلى عقائد معينة وأناس لا منتمين.. لكن الخلاف أعمق من ذلك واشمل انه خلاف وصراع بين نظرتين وطريقتين واتجاهين في الحركة النقابية نظرة إصلاحية ونظرة ثورية: طريق نضالي وطريق غير نضالي، اتجاه يساري تقدمي طليعي واتجاه انتهازي يميني، اتجاه يعمل على تشديد الصراع الطبقي وتدعيم روح التعاون الطبقي”(6).لقد كانت قيادة النقابات الست عملياً واقعة تحت تأثير الجبهة القومية ومثلت الاتجاه النضالي والسياسي لثورة 14 أكتوبر في صفوف الطبقة العاملة وحركتها النقابية وعارضت على نحو متصلب النهج اليميني لقيادة المؤتمر العمالي وعرت مواقفها الانتهازية في صفوف الطبقة العاملة وعلى الجماهير في الخارج، ومثل قيام النقابات الست الالتحام الحقيقي والترابط لمجرى العملية الثورية بين الحركة العمالية والحركة التحررية فكانت لذلك معلماً مضيئاً في مد ثورة 14 أكتوبر، وشكلت زخماً تحررياً اكسبها التطور النوعي في تحقيق ليس فقط مهمات التحرر الوطني وانما جذب الطبقة العاملة لتشكل محور العملية الثورية بدخول وانخراط صفوف واسعة من القيادات النقابية ومن العمال الطليعيين لصف الثورة ليشكلوا قاعدتها الاجتماعية العليا ولتقبل الأفكار التحررية والأفكار التقدمية داخل صفوف الجبهة القومية وليشكلوا نواتها الطليعية.أما جبهة التحرير وقيادة المؤتمر التي وجدت لها مناخاً أمام منابر القوى الرجعية وآخذت من طريقة إعلان الدمج القسري لإبراز عبدالله الاصنج من الاتجاه النقابي الإصلاحي والذي كان رئيساً للمكتب السياسي في جبهة التحرير وعبدالقوي مكاوي رئيس وزراءعدن سابقاً في ظل سلطة الاحتلال والذي تبوأ منصب ألامين العام لجبهة التحرير وغيرها من الرموز فلم يكن لهذه الجبهة قواعد ترتكز عليها والأسلوب الذي انتهجته هذه العناصر تمثل باللحاق بالثورة كان يستهدف تعطيل العملية الثورية، لذلك عند قرب عملية الدمج كشف جوهره الرجعي المعادي للنضال الوطني التحرري الذي تميزت به قيادة جبهة التحرير من خلال ممارساتها الإرهابية والدموية بعد ان فشلت عملية الدمج القسري خاصة وان الجبهة القومية قد طورت من أساليبها وحظيت باحترام وتقدير كل فئات الشعب، ولما وجدت جبهة التحرير ان موعد النصر النهائي كان أمراً محتماً للجبهة القومية لجأت لتفجير الصراعات العسكرية ودق طبول الحرب الأهلية حيث قامت في عام 1967م بتنفيذ عملية اعتقالات واسعة كان الهدف منها التصفية الجذرية لابرز قادة العمل الفدائي وكذا العناصر النقابية الثورية في الحركة العمالية وصعد الموقف لتفجير الحرب الأهلية عشية الاستقلال الوطني.إلا أن هذا الموقف هو الآخر عبر عن افلاس قيادة جبهة التحرير وأظهرتها على حقيقتها فبعد أن فشلت عن طريق المؤامرات وزرع الدسائس التصفوية الدموية عبر تفجير الاقتتال لتطوير المجابهة ليس بين الجبهتين بقدر ما عبرت في حقيقة الأمر بين قوى الثورة وقواها المضادة خاصة أن الصراع لم يكن سوى مواصلة للصراع الفكري والسياسي والايديولوجي الذي عكس التطور النوعي لمسار تطور ثورة 14 أكتوبر بقيادة الجبهة القومية ضد الاتجاهات اليمينية والانتهازية التي تحالفت بل كونت جبهة التحرير وانتقلت من مواقع العداء غير المباشر والمعارضة والتشهير بالثورة المسلحة إلى مواقع المجابهة المسلحة لتصفيتها نهائياً بقوة السلاح، إن أشكال المجابهة لهذا النضال في ظل مواجهة قوى الاحتلال كان قاسياً ومريراً للغاية، لكن الجبهة القومية استطاعت التغلب ليس فقط بالمجابهة العسكرية وإنما كذلك بالعمل السياسي والايديولوجي المنظم وتعرية مواقف هذه القوى يومياً وتمكنت أيضاً من الحد من السيطرة والتحكم لمجرى هذا الصراع وحسم المعركة باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد، وفي أغسطس 1967م اجتمعت النقابات الست وانضمت إليها باقي النقابات وشكلت مكتباً تنفيذياً جديداً للمؤتمر العمالي وأعلنت القيادة الثورية الجديدة انسحابها من الاتحاد الحر وطلبت العضوية في الاتحاد العالمي للنقابات في الوقت الذي كانت القيادات الانتهازية ترحل هرباً قبل رحيل البريطانيين بعد أن شعرت بحتمية فشلها غادرت هرباً من انتصار الثورة وفضلت البقاء في الخارج وهكذا أجبرت في النهاية الجبهة القومية بريطانيا على التفاوض والرحيل في 30 نوفمبر 1967م وأعلنت الجبهة القومية بيان الاستقلال الوطني وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وبانتزاع الاستقلال الوطني تفتحت الآفاق واسعة ليس فقط لبناء حركة نقابية ثورية وإنما تهيأت ظروف جديدة للطبقة العاملة لتحقيق مهام التقدم الاجتماعي اللاحق في البلاد.[c1]الهوامش والمراجع:[/c]1/ دراسة عن الحركة النقابية في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية إعداد عبدالقادر أمين وفضل علي عبدالله قدمت للندوة الدولية المنعقدة في عدن 10 مارس 1970م ص10.2/ المصدر السابق نفسه ص11.3/ الرجوع للتقرير السياسي المقدم للمؤتمر الثاني لاتحاد الشعب الديمقراطي.4/ معارك ضد الاستعمار والرجعية نشرة المؤتمر العمالي عام 1961م ص45/ صحيفة اليقظة تصريح عبدالله عبدالمجيد الاصنج في أواخر 1963م.6/ صحيفة الأمل الأسبوعية العدد(22) 21/ 10/ 1965م.