تتميز المرحلة الراهنة التي تمر بها بلادنا بأنها مرحلة إرساء قواعد الديمقراطية،وتأسيس المجتمع الديمقراطي، ومن غير شك أن الثقافة والديمقراطية في المجتمع الديمقراطي وجهان لعملة واحدة، فلا يستقيم أمر الديمقراطية من دون الثقافة، ولا تتوطد أركانها إلا بالثقافة،لأن الثقافة هي التي تتيح للمواطن فرصة المعارضة البناءة والتوجيه السليم، وهي التي تجعل المرء في المجتمع الديمقراطي يحكم على الأشياء بموضوعية، وهي تمكنه من ابداء الرأي في أية قضية، وما الديمقراطية الا محصلة ثقافية.وفي المجتمع الديمقراطي يكون المثقف هو الذي يمتلك القدرة على التأثير أكثر من غيره، وبالتالي فهو أكثر الناس تمكناً في لم شتات المجتمع أو تمزيقه. فهو يستطيع تنظيم الحياة والسيطرة على الواقع، ما يجعله مؤهلاً لتحمل أعباء العملية الديمقراطية ، فهو الذي بإمكانه أن يسهم في تكوين وعي الناس والتأثير في الرأي العام.والمثقف بما يمتلك من قدرات ذهنية بما لديه من معرفة يستطيع بكلامه وكتاباته أن يوجه الناس نحو ما ينبغي فعله، وما يجب تركه، فهو بتوجيهاته المخلصة وبسلوكه الإيجابي يستطيع أن يعيد للناس الثقة بأنفسهم وبإمكانيات بلادهم كما يستطيع في الوقت ذاته ان يحبطهم ويزرع اليأس في نفوسهم، فهو بأحكامه الموضوعية للأشياء وتقويمه الصائب للأمور، وهو بنزاهته في العمل وصلته الوثيقة بالناس يستطيع ان يمهد الطريق لبناء مجتمع ديمقراطي سليم.والمثقفون في بلادنا على اختلاف مستوياتهم وتنوع مجالات اختصاصاتهم يستطيعون ـ اذا تجردوا من ذواتهم- أن يعيدوا تشكيل وعي الناس ويصححوا ما رسخ في أذهان بعض الناس منوعي زائف، وهم مؤهلون أكثر من غيرهم للأخذ بأيدي المواطنين للسير في الطريق الصحيح لانهم أكثر الناس وعياً بخطورة التعصب للرأي والتشدد في الموقف والتزمت في الفكر، لذلك هم مطالبون في المرحلة الراهنة بالإصغاء إلى الرأي السديد، بصرف النظر عن مصدر ذلك الرأي أو منبعه، وهم ملزمون كذلك أكثر من غيرهم باحترام من يختلفون معهم في الرأي أو المبدأ أو العقيدة.والمثقفون الديمقراطيون ـ ان كانوا مخلصين لمبادئ الثورة والوحدة- هم أقدر الناس على لم شتات المجتمع وتنظيم حياة الأفراد والجماعات على أساس الثوابت الوطنية والولاء للوطن والتمسك بالوحدة،وهم قادرون أكثر من غيرهم على توعية الناس وتوجيههم بالمبادئ والتشريعات المتفق عليها، بما من شأنه تعزيز علاقات الناس بعضهم ببعض من جهة، وعلاقتهم بالحكومة والحاكم من جهة أخرى، وهم ملزمون أكثر من غيرهم بالانضباط لتلك التشريعات النافذة وتطبيق القوانين السائدة على أنفسهم قبل أن يلزموا بها غيرهم. وهم مطالبون قبل غيرهم بممارسة الديمقراطية في حياتهم ممارسة حقيقية لا شكلية.إن الصحفيين مثلاً باعتبارهم شريحة فاعلة من شرائح المثقفين باستطاعتهم أن ينقلوا المجتمع اليمني من حالة القلق والاضطراب والشعور بالإحباط إلى حالة الطمأنينة والاستقرار والتفاؤل، إذا قام كل واحد منهم بواجبه تجاه المجتمع، فالصحفي باعتباره مثقفاً يرى الخطر المحدق بالمجتمع وبالتالي بإمكانه التنبيه إلى ما ينبغي فعله أو ما يجب تركه لتلافي ذلك الخطر.وكذا الحال بالنسبة للأدباء والكتاب وأساتذة الجامعات، يستطيعون أن ينقلوا المجتمع اليمني من طور العلاقات الشخصية الضيقة إلى علاقات إنسانية فسيحة خاصة اذا تخلوا عن ولاءاتهم الحزبية الضيقة وتجردوا من انتماءاتهم القبلية المتخلفة، انهم ان فعلوا ذلك يستطيعون ان ينهضوا بمستوى العلاقات الاجتماعية لتنسجم مع متطلبات المجتمع الديمقراطي المتطور.واتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين باعتباره منظمة إبداعية ينضوي في نطاقها نخبة من المثقفين استطاع في الماضي ان ينمي في الناس حب الوطن وتعزيز الوحدة الوطنية في ظل ظروف التشطير الممقوتة، فهو لايزال مطالباً باستعادة دوره الريادي في حماية الوحدة وتعميق جذورها في أذهان الناس وقلوبهم، وهو مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بضرورة نقل المجتمع من حالة الركود والسلبية واللامبالاة إلى حالة الحركة المنظمة والواعية ومطالب في الوقت نفسه بالتصدي لثقافة التجزئة ودعاة التفرقة.إن مسؤولية المثقف في المرحلة الراهنة مسؤولية عظيمة تتمثل في قدرته على مغالبة النزعة الذاتية وتخلصه من الأنانية وترفعه عن الصغائر.وإذا كان المثقف مبدعاً فان مسؤوليته تجاه فنه لا تقل أهمية عن مسؤوليته تجاه نفسه، فهو مطالب بالسعي الدؤوب لتوفير كل وسائل النجاح لفنه ومطالب بتطوير مواهبه وزيادة ثقافته، وتوسيع مجالات اهتمامه ومواكبة كل جديد في مجال تخصصه واهتماماته.وتبقى عليه مسؤولية تجاه المجتمع، فهو مطالب بالتفاعل مع الأحداث الجارية في مجتمعه وعالمه الذي يعيش فيه، ومطالب في الوقت نفسه ان يكون واعياً بخصوصية المرحلة الراهنة التي تمر بها بلادنا، وما تتطلبه من تضافر الجهود وتكاتف السواعد للنهوض بالتنمية.إن المثقف الذي لا يكون وجدانه جزءاً من الشعب ينقصه الوعي بمسؤوليته الاجتماعية، والمثقف الذي لا يسمو بنفسه وأعماله فوق مستوى الانتهازية هو معوق للتنمية والمثقف الذي انقطعت صلته بوطنه وأهله يوشك ان يسقط في مستنقع العمالة للأجنبي او يقع في شباك خيانة الوطن.وعليه فان مسؤولية المثقف في المرحلة الراهنة مسؤولية عظيمة فاذا كان يحق له في ظل الديمقراطية ان يعبر عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه بالأسلوب الذي يروق له فانه في الوقت نفسه عليه واجب الالتزام بالموضوعية والصدق لتعزيز قيم الوحدة الوطنية، وتثبيت المثل العليا والأخلاق السامية في أذهان الناس.[c1]* خطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان)[/c]
أخبار متعلقة