لملمت الشمس بقايا أشعتها الذهبية من على رؤوس الشجر والتلال ومن الحقول الواسعة المليئة بالسنابل الناضجة ،واستعدت للرحيل ،فانقض النهار العجوز ولفظ أنفاسه الأخيرة ،ولما بلغت الشمس طرف الأفق الغربي توارت وراء سلسلة الجبال البعيدة ،فتقدم المساء وألقى بعباءته السوداء الثقيلة على القرية فسكنت الطبيعة والتحفت برداء العتمة ،ولاحت نجوم أول المساء قليلة متناثرة ،فأوصدت الأبواب والنوافذ واشتعلت المصابيح في المنزل .وهناك في طرف القرية انفضت حلقة اللعب وتفرق الصغار حين فاجأهم المساء . ((سوسن الصغيرة التي توسلت إليهم قائلة :-أرجوكم سنواصل اللعب.-كيف سنلعب في الظلام .-سيطلع القمر.-ربما لن يطلع هذه الليلة.وانصرف الصغار عبر الدروب الترابي إلى بيوتهم ،وعادت سوسن هي الأخرى حزينة تسير بخطى متثاقلة يتملكها الحزن على رحيل الشمس ،كانت تريدها لها وحدها لتضئ الدرب فتواصل اللعب ..حتى والدها الذي توسلت إليه أن يلحق بالشمس ليمنعها من الرحيل لم يستطع أن يفعل لها شيئا أخذت تحدث نفسها ..-إلى أين تراها تذهب؟وقد كانت تتصور إن قريتها هي كل هذا العالم!!وفي المنزل حينما أوصلت أمها إلى فراشها ،أخذت تسألها بفضول .-أمي هل الشمس غاضبة مننا؟-الشمس لاتغضب من احد ياصغيرتي .-إذن لماذا لاتشرق ليلا ؟-لأنها لاتشرق إلا في النهار ،والقمر يطلع ليلا ،والآن نامي وعند العجز ستربن كيف ستشرق الشمس وتطل برأسها الذهبي من وراء الأفق .-حسنا سأنتظر القمر ..ولكنه تأخر كثيرا ؟-لأنه لايجب الخروج كل ليلة .-قالت بتحدي وعناد:-إذن سترين كيف اجعل الشمس تشرق ليلا؟قالت الأم مستغربه :-كيف ذلك ؟قفزت سوسن من فراشها بحماس ،أحضرت الألوان والورق وأخذت ترسم شمسا صفراء بجدائل ذهبية وحولها نجوم متألقة وسماء سوداء !!وعندما انتهت من رسم لوحتها قالت لامها بزهو وفرح:-والآن مارايك ياامي ..لقد أشرقت الشمس ليلا !!ابتسمت الأم بحنان وقالت :حسنا ياصغيرتي ولكن على الورق فقط.شفاء منصر