كانت الشمس في كبد السماء .. بقي من الوقت عشر دقائق قبل أن تبدأ رحلتنا .. هاهن زميلاتي قد تجمعن وتأهبن استعدادا للمسيرعبرتلك المسافات الشاسعة سعيا للوصول الى صنعاء العاصمة في مهمة عمل. كنت أنتظر هذه الرحلة بفارغ الصبر لأحلق عبر سماء الفرح نحو حلم جميل بالتجوال بين تلك الحقول والهضاب الجبال والصحاري الممتدة عبرمسافات خضراء وجبلية وسهلية وساحلية ممتعة ترسم معالم وطني الرائع منذ آلاف السنين ومنذ أن تشكلت الأرض وتكونت هذه الهضاب وهذه الجبال وتلك الشواطئ . ولأنني كنت قد حلقت بين تلك الفضاءات من اراضيها قبل عامين.. ولأنها كانت المرة الاولى التي أسافر فيها .. كانت دهشتي حينها كبيرة لجمال تلك المناظروأصالة الانسان الذي يقطن بين ثناياها .. فظللت أتوق لامتع ناظري بها مرة أخرى ولأشبع شجوني بالتمعن في كل شبرمن تقاصيلها ، الطين والرمل والحجر، والزرع ..لطالما كانت عدن ومازالت تأسرني بجمالها الاخاذ وزرقة شواطئها الذهبية الساحرة ، وشمسها الدافئة ،و يعيد لي هواؤها ولون البحر الأزرق الذي ينأى بالاحزان بعيدا عن قلبي وأجد نفسي حين أقف أمام ذلك الجزء من الميناء في ذلك الوقت من الظهيرة وحين بزوغ الفجر. سحر طبيعة عذراء يضفي على حياة الانسان لوناً وردياً يخفف من قتامة الالوان التي تفرزها مشاهد و مفردات الحياة اليومية بمتاعبها وهمومها .لوحتان طبيعيتان ترسمها لنا تقاسيم الارض اليمينة البكر .. نعم أقول بكرأ ًلانها مازالت كذلك ، فها نحن في بداية رحلتنا تتبدل بنا الاماكن من زرقة البحرالى خضرة الزرع في لحج والضالع وبقية المحافظات الى اللون البني الذي يكسو لون الجبال التي ترافقنا طيلة طريقنا عبرمسافات كبيرة من الاراضي التي لم يسكنها الانسان الى الان الا ما ندر من تواجد بعض الافراد .شطحات من الخيال قفزت بي وأنا أتأمل في جمال تلك الطبيعة الى عمر هذه الارض و عمرذلك الصخروكيف تكونت طبقاته عبرفترات زمنية سحيقة ، الى أصالة الانسان الذي سكنها ، الى زمن كانت فيه وسيلة السفرصعبة ومتعبة ، قلت في نفسي يائسة من مجرد التخيل كيف ينتقل الانسان من محافظة الى أخرى وكم هي تلك الايام التي يحتاجها ليقطع كل هذه المسافات ، شهر اثنان كما نسمع ونقرأ في احاديثهم وفي كتب التأريخ ! بالرغم من عدم وجود هذه الشبكات من الطرقات وخطوط الكهرباء كيف كان يعيش انسان الأمس!! اذا كم هي عظيمة هذه الارض وكم هو أصيل هذا الانسان الذي بنى حضارة وسط هذه الطبيعة العذراء بقدرات بسيطة . هكذا أخذت أفكروأعمل الخيال لأسافرالى تلك الأزمنة وأحمد الله الذي سهل لنا هذه الرحلات عبر محافظات بلادي بفضله ثم بفضل انسان الحاضر وجهوده الهادفة الى تمهيد التنقل بين محافظات الوطن وربط الانسان اليمني بأخيه الانسان اليمني عبر شبكات واسعة من الطرق المسفلتة والممهدة ، وأسلاك الهاتف والكهرباء الممتدة على طول الخط الذي نمربه . لقد يسرت لنا هذه الطرقات التواصل مع مناطق ومحافظات وقرى الوطن وأدخلت عصب الحياة إلى أغلب محافظات الجمهورية النائية، ولولاها لما تمكنا من الاستمتاع بجمال هذه المشاهد الرائعة من وطننا الحبيب الكبير بكبروشموخ الانسان الذي بناه وبنى تاريخه ومجده . في غمرة انشغالي بالسفر في أغوارالارض والانسان اليمني ، تذكرت تلك العشوائية التي تشوه جمال هذه الارض وتعمل الخراب في نفس الانسان الذي يسكنها.. أخذت أسأل نفسي لماذا كل هذا الهروب من الحياة وسط الطبيعة العذراء ؟ لماذا الهروب من تعميرالارض ، تلك المساحات الكبيرة من الارض تئن من الوحدة تحتاج للانسان ليصلحها ويبنيها، تصرخ في وجهه تعبت من الهجرأما آن الأوان لتسكنني . وعلى النقيض فان الانسان بدلا من ان يدب في هذه الاراضي والمساحات الشاسعة التي لم تطأها يد التغييروالتجديد وعجلة التطور فانه يقتل الحياة في المدن الآهلة بالبشر والتي تكاد تختنق من زحمة ساكنيها بل وتكاد تموت وتختفي معالمها الجمالية .وبسبب هذا التضخم والزحف العشوائي الى المدن وكثافة السكان المتركزة فيها هروبا من القرى أو من المناطق النائية يحدث الخلل في الخدمات الضرورية التي يحتاجها السكان .ومن هنا قلت يدمر الانسان ، ويدب فيه الخراب جراء المتاعب التي يسببها التقصيرفي الخدمات الضرورية .يمننا جميل كما قلت سابقا وهناك فرص لاستثماراراضيه الشاسعة.. لماذا لا يمنح الانسان قطعة أرض من هذه الاراضي وتقام مشاريع البنى التحتية وتهيئة ما يمكن تهيئته لاستغلالها في التقدم العمراني المنظم .اذا تم وتوافر عناصراستغلال واستثمارهذه المساحات النائية ستتوقف هذه العشوائية وسيرتاح الانسان وتقل معاناته..هكذا كنت احدث نفسي وأنا أتأمل أرض وطني الرائع في طريق الذهاب والاياب بل وارسم في خيالي تلك المدن التي ستمتد على طول تلك المسافات التي مررت بها في طريقي الى صنعاء.. جميلة هي بلادي اليمن الموحد الكبير .. وجميل هو الانسان اليمني ، وجميلة هي الطبيعة التي تكسوه بمفاتنها وسحرها .
أخبار متعلقة