الخرطوم / وكالات :شيع صباح أمس الجمعة جثمان الشهيد الصحفي محمد طه أحمد رئيس تحرير صحيفة ( الوفاق) اليومية المستقلة السودانية إلى مقابر حلة حمد في جنازة مهيبة وسط ذهول واستنكار الأوساط السياسية والصحفية في السودان للجريمة النكراء التي راح ضحيتها الشهيد بصورة بشعة ولا إنسانية وسط ملابسات تفيد باحتمال أن تكون وراء عملية الاغتيال قوى ظلامية إسلامية متشددة.وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد قدم عصر أمس واجب العزاء في (فقيد الأمة والصحافة السودانية).وأثار اغتيال رئيس تحرير صحيفة الوفاق السودانية محمد طه محمد أحمد بعد اختطافه من قبل جماعة مجهولة صدمة في الأوساط الصحافية والسياسية.وتناقل السودانيون وسط حالة من الذهول نبأ العثور على جثمان الصحافي مذبوحا مفصول الرأس في منطقة نائية جنوبي العاصمة.وذكرت الأنباء أن عشرات الصحافيين السودانيين كانوا قد تجمعوا أمام مشرحة مستشفى الخرطوم حيث نقل جثمان طه بعد العثور على جثته في منطقة الكلاكلة جنوبي الخرطوم.ونقلت صحف سودانية عن أسرة طه قولها إن مجموعة من المسلحين أدخلوه عنوة في سيارة خارج منزله في شمال الخرطوم في ساعة متأخرة من مساء أمس الأول وأسرعوا في اتجاه وسط المدينة.وتوجهت أسرة الصحافي القتيل إلى المشرحة للتعرف على الجثمان. من ناحيته أوضح (بكري المدني) الصحافي في جريدة "الوفاق" أن ملثمين قاموا بتخدير الصحافي السوداني أمام داره، ووضعوه بداخل سيارة مظللة، وانطلقوا عبر جسر القوات المسلحة الذي يربط بين الخرطوم، والخرطوم بحري، إلى جهة غير معلومة.وكشف (المدني) عن تهديدات مستمرة كان يتلقاها محمد طه عبر الهاتف، مشيرا إلى أن بيانات سابقة لمجموعات إسلامية متشددة، كانت قد أهدرت دمه على خلفية اتهامه بسب الرسول (ص). ولم يستبعد المدني أن تكون أحزابا سياسية ذات توجه إسلامي لم يسمّها متورطة في الأمر.ويعد محمد طه (50 عاما) أحد أكثر الصحافيين إثارة للجدل في السودان، وكان قد تعرض للمحاكمة نهاية العام الماضي بتهمة الردة.غير أن المحكمة برأته في نهاية الأمر، وحكمت بالغرامة على الصحيفة قبل أن تعاود صدورها بعد إيقاف دام ثلاثة أشهر.كما تعرض طه لاعتداء في مكتبه قبل بضعة أشهر من قبل مجموعة تنتمي لإقليم دارفور، وجرت محاولة لإحراق مكاتب الصحيفة على خلفية اتهامه بنشر مقال مسيء لإحدى القبائل بالإقليم.ورغم أن صحيفته تتمتع بوضع مالي ممتاز عرف طه بحياة متقشفة حيث كان يسكن بيتا متواضعا في حي كوبر الشعبي بالخرطوم بحري. ولم يقتن الصحافي المغدور سيارة حيث كان يرى راجلا في معظم الأحيان.وعرف عن طه منذ دراسته الجامعية انتماؤه إلى الاتجاه الإسلامي وعمل في منتصف الثمانينيات مديرا لتحرير صحيفة "الراية" الناطقة بلسان حزب الجبهة الإسلامية القومية التي أسسها حسن الترابي.لكنه ما لبث أن دخل في معركة حادة مع الترابي ومع رموز حكومة الرئيس عمر البشير بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة.ورغم أنه يعتبر من أبرز كوادر الإسلاميين، عرف بالاستقلالية في آرائه ما كان يتسبب في خلافات حادة مع قيادة الحزب.وأصدر طه صحيفة الوفاق في العام 1996 بعد السماح بصدور الصحف المملوكة لشركات، وكانت لفترة إحدى أكثر الصحف انتشارا وخاض رئيس تحريرها العديد من المعارك مع الحكومة والمعارضة على حد سواء. من جانبها خرجت وزارة الداخلية السودانية عن الصمت الذي التزمت به منذ الإعلان عن اختطاف ثم اغتيال الصحافي محمد طه، رئيس تحرير صحيفة (الوفاق) اليومية المستقلة، وقالت في بيان أصدرته أمس الخميس إن التحريات التي أجرتها أجهزة الأمن حول ملابسات الواقعة تشير إلى أن الاغتيال تم بطريقة بالغة البشاعة، وجرت وقائعه في حوالي الساعة الثانية والنصف من صباح أول من أمس الأربعاء، حيث قام الجناة بنحر محمد طه بعد شد وثاق يديه وقدميه بحبل متصل بينهما . وأوضح بيان الداخلية السودانية أنه تم توجيه الجثة عكس اتجاه القبلة ووضع الرأس أعلاها، مما يوحي بأن الجناة ربما يكونوا إسلاميين، لحرصهم على وضع الجثة عكس اتجاه القبلة، بالنظر إلى اعتبار الفقيد "زنديقاً" كما سبق واتهمه متطرفون في السودان، وذلك على الرغم من كون الصحافي المغدور محسوباً على التيار الإسلامي، غير أنه اشتهر أيضاً بآرائه المستقلة . وأشارت الداخلية السودانية في بيانها إلى أن واقعة القتل البشعة تمت بمنطقة الكلالكة شرق إلى الشمال من مباني شرطة الاحتياط المركزي جنوب الخرطوم . وأوضح بيان الداخلية السودانية أن فرق البحث الجنائي أجرت معاينة وفحصت الآثار في مسرح الجريمة باستخدام الكلاب البوليسية، وأن قوات الأمن مازالت توالي تحرياتها لكشف ملابسات الحادث والقبض على الجناة بأسرع وقت ممكن . تجدر الإشارة إلى أن عملية اغتيال الصحافي محمد طه تعد الثانية من نوعها في تاريخ الصحافة السودانية منذ نشأتها، حيث كانت الأولى عندما اختطف الناشر والصحافي محمد مكي ناشر صحيفة (الناس)، وذلك إثر اختطافه في بيروت عام 1970 بواسطة نظام الرئيس جعفر النميري عندما استعانت السلطة آنذاك ببعض العناصر الفلسطينية الراديكالية وتم اختطافه من أمام فندق "الحمراء الجديد" في بيروت عقب خروجه من لقاء مع الشريف حسين الهندي في الفندق .
اغتيال محمد طه يثير صدمة وسط الصحافيين السودانيين
أخبار متعلقة