د. زينب حزامعلى الرغم من حداثة انخراط الفنان أحمد بن أحمد قاسم في الحركة التشكيلية المعاصرة والمؤرخة بانطلاقة معرضه الشخصي الأول في بداية التسعينات من القرن الماضي، فإنه استطاع أن يكشف عن طاقات وقدرات موهبة خلال تجربة تشكيلية متعددة الأوجه.لقد حقق حمادة نجاحات كبيرة وحظي بالتشجيع المعنوي من قبل جمهور الفن التشكيلي المعجبين بلوحاته الرائعة، حتى أصبح من الأسماء اللامعة في الساحة الفنية اليمنية، ومعظم لوحاته تعد من الأعمال غير التقليدية النابعة من فكر مبتكر وبساطة في التصميم بقدرة بصيرية تحمل متابعته للأحداث والمشاهد اليومية اللصيقة بمشاعر أهل بلده وما يحدث في الوطن العربي وبالذات في فلسطين والعراق.وعندما نتلمس خط سير رحلته مع الفن ندرك مدى بحثه وتعمقه في العموم والمطلق، وتجنبه أن يحصر نفسه في الضيق والسهل التناول فقد كانت لديه قناعات بتجاوز المحصور المحلي وتطوير ذاته الفنية بأن يكون مفهوماً بابتداع أشكال جديدة أوسع تصل إلى أي إنسان في العالم.أما في ما يخص التفكير المرئي للفنان التشكيلي حمادة احمد بن أحمد قاسم من خلال وعيه الفني والفكر المسبق على العملية الإبداعية الذي يوفره وجود المثير المحرك لمشاعره، فنجده يحكم توزيع أشكاله وتلخيصها والاقتصار على أبجديات اللغة التشكيلية في محاولة جادة للارتفاع بكم والتحصيل الجمالي لمجال الرؤية الفنية، فهو لا يتقيد بالظل والنور أو التجسيد بل يسطح أشكاله ويربط عمله ككل بجزيئاته، فتصبح اللوحة نسيجاً متحداً من الحلول الفنية فتظهر علاقة الأجزاء التي تم تلوينها ببعضها البعض وبالأجزاء الأخرى ويظهر التوازن واضحاً، كما تظهر العلامة النسبية على الألوان وتوافق الألوان المختارة وحساب كمياتها الحسية والتعبيرية.لقد استطاع الفنان التشكيلي حمادة أحمد بن أحمد قاسم مخاطبة القاعدة الجماهيرية الواسعة بأقصر الطرق في بساطة التقاط الفكرة التي تختزل الكثير، والتعبير عنها بمستوى عال من الأداء التشكيلي وبلغة بصرية سهلة ومباشرة وذكية، حملها بأقل الكلمات كل ما يمكن أن يقال بوضوح.[c1]البحر في لوحات الفنان حمادة[/c]رسم البحر في عدن في كثير من لوحاته الفنية، وهذا يدل على ولع الفنان الشديد بالبحر وقد أمتد تأثيره أيضاً على هذا المنعطف في تجربة الفنان، وكانت إحدى النتائج، هذا العمل الذي أستمد فلسفته من البحر في مدينة خورمكسر، التي كان يسكن فيها، وآخر ما يطلعنا عليه في لوحاته عن البحر والنورس في صيرة وخورمكسر “بحيرة البجع” ونجد عملاً فنياً يعبر فيه الفنان عن رؤية الإيقاع بين قيمة الحركة التي يمثلها اللون الساخن، والسكون في اللونين الأزرق، والأخضر.. وكيف توافق هذا الإيقاع، بينما تتحدد العلاقات اللونية داخل المستطيل السفلي الذي تحتويه قيمة التوافق.لقد عرف الفنان التشكيلي حمادة أحمد بن أحمد قاسم بتركيزه على الجانب الإنساني وتجاوزه أيضاً إلى أبعاد معاناته الأوسع والأعمق نحو الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ودفاعه عنها وعن قضاياه وحقوقه المسلوبة.وفي جرأة وشجاعة طرح مواضيع نافذة أو رافضة في بعض لوحاته الفنية المعبرة عن هموم الإنسان اليمني بشكل خاص وهموم المواطن العربي في فلسطين والعراق بشكل عام.ومما هو جدير بالذكر أن الفنان التشكيلي حمادة أحمد بن أحمد قاسم قضى فترة غير قصيرة في الاتحاد السوفيتي “سابقاً” حيث تلقى هناك دراسته الأكاديمية في مجال الفن التشكيلي، وقد سمحت له الظروف بالتعرف على الثروة الفنية في هذا البلد الذي يقدس الفنون، وتعرف على عصور وتحولات الفنون التشكيلية التي تزخر بها المتاحف الروسية العظيمة كما أن تردده على المعارض ساعده على التعرف على الاتجاهات الفنية الجديدة واللوحة التشكيلية المعاصرة واختفاء الرسوم التقليدية وأعمال الجرافيك المنتشرة التي نفتقدها في اليمن، وتعمقت معرفته للشكل واللون، فشجعه ذلك على الاستمرارية في تجربته وتعميق فكرته في الموتيقات وتكبيرها وعكف على هذه الرسوم باعتبارها أفكاراً أولية للوحات اسكتشات وشجعه في ذلك أفراد أسرته المحبون للفن التشكيلي.إن المشاهد للمعارض الشخصية التي يقيمها الفنان التشكيلي حمادة أحمد بن أحمد قاسم يجد هذه الألوان تعبر عن أفكار وتأملات صاحبها، فيجده يتحدث عبر ألوانه قائلاً:”الضوء بالنسبة لي ليس سبباً لمغادرة المنزل إلى الخارج ورسم المشاهد الجميلة، بل هو يكثف خبرتي خلف الأبواب لتصبح أكثر بريقاً، والشخوص تصبح مفعمة بالحيوية، وتتضاعف متعتي في رسم لوحات فنية زاهية الألوان ومميزة”.كما يجد المشاهد في لوحات الفنان التشكيلي حمادة، أنه فنان يتعامل مع الألوان بثقة عالية وإحساس بالمسؤولية انطلاقاً من مفهومه الراسخ بأن الألوان هي الوسيلة الأساسية للتعبير عن الرؤية الفنية.وإذا كانت حيوية الألوان واندفاعاتها قد جعلت لوحات الفنان التشكيلي حمادة، غريبة بعض الشيء، وغير مألوفة، فهي في الوقت ذاته منحته امتلاء انفعاليا هائلاً، وهارمونية جميلة تجسد نبض الحالة الروحية والنفسية للفنان.وفي معرض الفنان التشكيلي حمادة أحمد بن أحمد قاسم الذي أقيم مؤخراً في عدن نجده يطرح رؤيته للطبيعة والخير والجمال ضد كل ما يحدث، أو يمكن أن يحدث في المجتمع اليمني .. فهو في لوحاته الفنية الرائعة قد عبر ببراعته عن القيم الإنسانية العامة، وجسد بواقعية رفيعة جسور قيم الحب والخير والعمل والعطاء والتضامن ونشر السلام والأمان في ربوع الوطن.
أخبار متعلقة