(س ) من الناس يملك ألف بليون دولار، و(ص ) شخص آخر لا يملك إلا دولارا واحدا. يأتيهما الموت . والموت عدم ، أي صفر. إذن المحصلة النهائية لذلك البليونير هي ألف بليون دولار في صفر = صفر. ونفس الحال مع الفقير المعدم الذي كان لا يملك سوى دولار واحد ، مصيره هو واحد في صفر = صفر. أي بالموت ينتهي كل منا إلى صفر غنياً كان أم فقيراً. هذه هي المعادلة الصفرية في هذه الدنيا. هل هذه المعادلة الصفرية صحيحة ؟ هي صحيحة في حالة واحدة ـ إذا كان (س) البليونير و(ص) الفقير يشتركان في شيء واحد هو تركيزهما معا على الدنيا فقط. بمعنى أن كلا منهما لم يعش إلا لدنياه ، بذل كل منهما أقصى جهده صراعا في سبيلها، وانتهى الأمر بأحدهما بليونيرا ،بينما خسر الآخر كل ما يملك سوى دولار واحد. ثم جاءهما الموت ـ أي العدم ـ فانتهيا الى لا شيء. أي الصفر. تختلف المعادلة الصفرية الى نتيجة عكسية هي إذا كان (س) أو ( ص ) يسعى في الدنيا بالحلال و الخير واضعا نصب عينيه أن ينجح في اختبار يوم الحساب في الآخرة . النتيجة هنا كالآتي: (س ) أو (ص ) أدركه الموت وهو يملك دولارا واحدا أو يملك مليون بليون دولارستكون النتيجة أيضا متساوية ، وهي واحد على صفر = اللانهائية ، بليون على صفر = اللانهائية. المكسب هنا لا نهائي. أي الخلود في الجنة. الموت هو الحقيقة الكبرى التى تنتظر كل الخلق، ومع تسليم الانسان ـ نظريا ـ بأنه سيموت كما مات كل اسلافه من آدم الى جده أو أبيه المباشر، إلا إن الانسان ينكر الموت عمليا وسلوكيا، إذ يتصرف كما لوكان سيعيش خالدا مخلدا في الدنيا. إنظر الى السادة الأفاضل حكامنا العرب ـ بل انظر الى صاحب أي منصب ، الحكمة تقول ( لو دامت لغيرك ما وصلت اليك ) يعنى أن وصوله الى المنصب واستمراره فيه هو مجرد ظرف مؤقت سرى على غيره من قبله و سيسري عليه ثم على من سيأتي بعده ، وإنه لا بد أن يترك المنصب أو أن يتركه المنصب ، كما حدث مع من كان على نفس الكرسي من قبل ، ومع الوضوح الشديد إلا أنه لا يرى سوى خلود نفسه في منصبه، ويتصرف كأنه باق وخالد. يرى الناس تموت حوله و يشارك في الجنازات، ولكنه يتصرف كما لو كان هو الوحيد الذى لن يموت. والنتيجة أنه يفاجأ بالموت ـ أو يأتيه الموت بغتة. مع أنه لو تعقل لأدرك أن كل دقيقة تمر في حياته تسرع به الى الموت، لأن الأعمار محددة ولكل انسان أجل محدد بالدقيقة والثانية ، وعندما تأتي ساعته فلا تستطيع قوة أن تؤجل موعد موته ،أو أن تؤخرها. الموت أحدى الحتميات الأربع الالهية التي لا يمكن لانسان الفرار منها، وهي ظروف الميلاد والموت و الرزق و المصائب . بوسع الانسان أن يصارع و يكذب بل و يسفك الدماء حتى يصل الى المنصب ـ وقد لا يصل اليه. وفى كل الأحوال ـ سواء حقق أمنيته أم لم يحققها ـ يأتيه الموت بغتة فيرى حياته مضروبة في صفر كبير..انتهاء الموت و المعادلة الصفرية في الدنيا ليس في الجنة أو النار موت ـ وإنما خلود دائم في نعيم قائم أو في عذاب مستمر. وهذا يجعل المعادلة الصفرية أكثر حدة. بقدر ما تكون الحياة الخالدة في الجنة نعيما متجددا تكون الحياة الخالدة في الجحيم عذابا يكون فيه الموت أمنية لا تتحقق ، فاصحاب النار يطلبون الموت املا في الراحة ، ولكن بلا جدوى . أي إنه بناء على قرارك في هذه الدنيا تتوقف حياتك الأبدية في الآخرة بين نعيم دائم أو عذاب خالد . وهذا القرار بالغ البساطة : هل تكون عقيدتك خالصة بالايمان والاعتقاد في الله تعالى وحده رباً لا يشرك في حكمه أحدا من الخلق ، وأن كل البشر و الخلق لا يشاركونه في حكمه و أنه ليس له ابن أو ولد أو زوجة أو معين أو شريك ، وأنه وحده الولي ووحده النصير ووحده الشفيع ووحده الوكيل ، وأن كل ما عداه مخلوق من خلقه وعبد من عبيده محتاج اليه تعالى في الحياة و في الرزق ، ومحتاج الى رحمته وعفوه ، وان يوم الدين ملك له تعالى وحده ـ لا شفيع سواه ولا معقب لكلمته ، وانه لا حديث في الدين السماوي سوى حديث الله تعالى في القرآن المحفوظ من لدن الله تعالى الى يوم القيامة. وبعد هذا الايمان الخالص بالله تعالى يكون العمل الصالح الذي يشمل العبادة المخلصة له تعالى و عمل الخير للناس ابتغاء وجهه جل وعلا.إذا إختار الانسان هذا فقد ضمن لنفسه الخلود في الجنة و السعادة في الدنيا . وإذا اختار غير ذلك أضاع حياته في الدنيا مقابل صفر كبير ، ثم عليه أن يواجه الخلود في النار حيث يتمنى الموت فلا يجده ، يظل أبد الآبدين في عذاب لا تخفيف فيه و لا خروج منه.القضية هنا واضحة ، كما يطرحها الدين السماوي. والله تعالى خلق البشر أحرارا في الاختيار ، فالعمل الصالح مع الايمان الحقيقى يؤدي الى الجنة خالدا فيها ، و العمل السيء المقترن بالايمان الناقص مصيره الخلود في النار ، وأنت لك مطلق الحرية في الاختيار. والله تعالى وعد بأنه لا يضيع أجر من أحسن عملا و أحسن في عقيدته وايمانه ن والله تعالى لا يخلف الميعاد. المذاهب الأرضية الوضعية تطمس هذا الوضوح ثمة مذاهب وضعية تصادر الحرية الدينية التي فطر الله تعالى الناس عليها حين أعطاهم حرية الاختيار بين الايمان و الكفر ، وبين الطاعة و المعصية. المستفيد من مصادرة الحرية هم رجال الدين أو الكهنوت الذي يخلق له سلطانا من خلال مذهب وضعي يتسلط به على الناس.و يحوّل الدين الى احتراف و تكسب إقتصادي وجاه اجتماعي و سيطرة سياسية، وبهذا ( يعلو) الكهنوت في الأرض مع أن ( العلو ) يجب أن يكون لله تعالى.الغريب أن البشر في أغلبيتهم المطلقة ينقادون الى المذاهب الوضعية التي تجعلهم يخسرون الدنيا والآخرة.[c1]كيف يتمكن المذهب الوضعي من ذلك ؟[/c] الجواب لأن المذهب الوضعي يتمسح دائما بالدين السماوي و يسرق اسمه و مظهره ، ثم يخترع أقوالا و أحاديث وروايات ينسبها كذبا و بهتانا الى الله تعالى ورسله ، ويقوم بتحريف الدين السماوي ليتسلط رجال الدين باسمه على الناس. وبهذه الخديعة الكبرى يتدين بعض الناس بالمذهب الوضعي و يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وبعض الناس يتعاملون مع المذهب الأرضي وكأنه الدين الالهي ، أي يسبون الله تعالى و يعتبرونه مسئولا عن الجرائم التى يرتكبها الكهنوت و رجال الدين. ولهذا أصبح الاسلام متهما بالارهاب و التخلف و التعصب والتطرف ، وكلها ملامح المذاهب الوضعية الأرضية ، وكلها تتناقض مع حقائق الاسلام. وسط غابة من الأكاذيب والخرافات والروايات ينشغل الناس بالمذهبية بين مؤمن بها أو لاه عنها بالدنيا و زينتها أو منكر لتك الأكاذيب ولكن ناقم على الله تعالى متهما رب العزة بأنه صاحب هذا المذهب. وفى النهاية يأتى الموت بالصفر الكبير و بالخلود في النار لكل ضحايا الدين الأرضي.كل المصائب تأتي من المذاهب الوضعية ، وهي قرينة أو منبع الفساد والاستبداد . وبها يشقى البشر في الدنيا وفى الآخرة.من المضحك أن الراقصة تتوب فتذهب الى الضريح وتتحجب، أي تتوب من المعصية (العلمانية) لتنغمس أكثر في التدين الوضعي ، أي تتحول من العصيان الجسدي الى الشرك العقيدي الذي لن يخلو أيضا من عصيان جسدي ولكن تحت النقاب و الحجاب ووفق شريعة أرضية منسوبة كذبا لله تعالى ورسوله.ويظل الكافر بالدين السماوي سادرا في إنكاره العلني إذا كان ملحدا أو منكرا بقلبه بسبب تدينه بدين فاسد . يظل هكذا الى أن يأتيه الموت فيصرخ راجيا فرصة أخرى ، ولكن لا مناص.يجد أمامه الصفر الكبير في الدنيا ، ثم ينتظره الخسران الأبدي في نار جهنم .. وبئس المصير..في السطور السابقة تحدثنا نظريا عن الموت كمعادلة صفرية ، فالغني والفقير كل منهما يموت مهما كان ثروته مليونيرا أو مديونيرا، وينتهي الى العدم او الصفر. الصفر هو نهاية كل منا.ولكن الفارق هو موقع هذا الصفر تبعا لايمان كل منا أوعمله؛ إن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فعمله يكون مقسوما على صفر ، والنتيجة هي لانهائية الأجر عند الله تعالى في الآخرة. أما إن كان من الخاسرين فان عمله سيكون مضروبا في صفر أي تكون النتيجة صفرا. هذا الكلام النظري يستحق أمثلة عملية ، وقد اخترناها من الخلفاء العباسيين أحدهما مشهور ، والآخر مغمور. وكلاهما ازدحمت سيرة حياته بالأرقام بالآلاف والملايين ، ثم ترك كل هذه الآلاف المؤلفة بالموت ليتحمل وزرها يوم القيامة. نبدأ بالخليفة المأمون . نتوقف مع أرقام في حياة المأمون العباسي جمعناها من المصادر الأصلية التاريخية : - توفي المأمون على نهر البدندون في أسيا الصغرى في يوم الخميس وقت الظهر ( 18 رجب 218) وكان عمره ( سبعا وأربعين سنة ) وكانت خلافته ( عشرين سنة وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً ) وكان له ( ثمانية عشر ذكرا وتسع بنات).- في سنة 204 أمر المأمون بمقاسمة أهل السواد في العراق على ( خمس ) إيرادهم فقط وكانوا من قبل يدفعون للدولة العباسية ( نصف) الإيراد .- في سنة 205 بعث المأمون واليا على مصر وهو بشر بن داود على أن يحمل له في كل سنة (ألف ألف) درهم .- في سنة 210 ثار عبيد الله بن السري في مصر فأرسل له المأمون قائده الفارسي عبد الله بن طاهر فحارب ابن السري وهزمه، وفر ابن السري إلى الفسطاط ، فلحق به ابن طاهر وحاصره فيها ، فأرسل له ابن السري ليلا هدايا لاستمالته تتكون من ( ألف وصيف ووصيفة)ـ الوصيفة هي الجارية الحسناء المدربة على خدمة القصور ـ والوصيف هو المملوك الوسيم وفى أغلب الأحوال يكون خصيا ـ ومع كل وصيف ( ألف دينار ) في كيس حرير . ورفض ابن طاهر هديته ، فأضطر ابن السري للتسليم. (لاحظ ان المال هنا هو أساس النزاع ؛ هو سبب ثورة ابن السري ، وسبب ارسال المأمون جيشا لتأديبه ، وأساس في محاولة ابن السري رشوة ابن طاهر . وفي سبيل المال يستعملون الاسلام لخدمة مصالحهم.)- في سنة 210 أيضا ثار أهل مدينة (قم) ومنعوا الخراج و كان خراجهم المفروض عليهم (2) مليون درهم ، وكانوا قد استكثروا المفروض عليهم وطمعوا في أن يعفيهم الخليفة المأمون من بعضه بعد أن حط عن أهل الري جملة من الخراج، ولكن المأمون رفض ، فثاروا،فبعث لهم الخليفة جيشا يقوده علي بن هشام وعجيف بن عنبسة، وانهزموا وعاقبهم المأمون بأن جعل الخراج عليهم (4) ملايين درهم..(لاحظ نفس الموضوع : المال هو غاية المنى فهؤلاء أرادوا العدل فلم يتحقق فثاروا فبعث لهم المأمون جيشا هزمهم فرضخوا لدفع المال مضاعفا. ولولا القوة ما اضطروا للاذعان ودفع الخراج.)[c1]أرقام في حياة المأمون من خلال تاريخ ابن خلدون:[/c]- أورد ابن خلدون في المقدمة بيانا تفصيلا بجباية الخراج في عهد الخليفة المأمون ولم يحدد السنة التي جبى فيها ذلك الخراج .. وهو كالآتي :ـ- سواد العراق : (27.8) مليون درهم ، (2000) من الحلل النجرانية،(240) رطلا من طين الخثم .- كسكر : (11.6) مليون درهم. -كور دجلة : (20.8) مليون .-حلوان في العراق: (4.8) مليون درهم .- الأهواز: (25) مليون درهم ، (30) ألف رطل من السكر .- فارس : (27) مليون درهم ، (30) ألف قارورة من ماء الورد، (20) ألف قارورة من الزيت الأسود .-كرمان : (4.2) مليون درهم ، (500) ثوب يماني ، (20) ألف رطل من التمر .- مكران : (400) ألف درهم .- السند وما يليها: ( 11.5) مليون درهم ، (150) رطلا من العود الهندي ) .سجستان (4) مليون درهم ، ( 300) ثوب ،(20) رطلا من الفانيذ .- خراسان : (28) ملايين درهم ، (2000) من الفضة النقرة، (4) آلاف برذون وألف من الرقيق، (20) ألفا من الثياب ،(30) من الأهلج .- جرجان: (2) مليون درهم ، (وألف) شقة أبريم. -قرمس: (1.5) مليون درهم ،(ألف) من الفضة النقرة.طبرستان و الرويان: (6.3 ) مليون درهم ،(600) قطعة من الفرش الطبري ،(200) من الأكسية و(500) ثوب ، (300) منديل ،(300) جام .- الري: (12 مليون) درهم ،( 20) ألف رطل من العسل .- همذان: (11.3) مليون درهم ، و(ألف ) رطل من رب الرمائين ، (12) ألف رطل عسل .- البصرة والكوفة: (10.7) مليون درهم. - ماسندان والريان (4) ملايين درهم .- شهرزور: (9.7) مليون درهم. - الموصل وما يليها (24)مليون درهم ، (200) ألف رطل من العسل. - أذربيجان: (4) ملايين درهم.- الجزيرة وما يليها (34) مليون درهم ، (ألف) من الرقيق ، (12)ألف زق عسل و(عشر) من البزاة (أي طيور الباز )، (30) من الكساء .- أرمينية (13) مليون درهم ، (20) درهما من القسط المحضور ، (530) رطلا من الرقم ،(10) آلاف رطلا من المسابح السورماهى، (10)ألاف رطلا من الصونج ،(200) بغل ،(30) مهرا (حصانا ) .-برقة : مليون درهم . -شمال أفريقيا (13) مليون درهم ،(120) بساطا. - والمجموع بالدرهم = (318.6) مليون درهم.- ثم يأتي باقي الخراج بالدينار وهو كالآتي :قنسرين (400)ألف دينار ، (ألف) حمل زيت.دمشق (420)ألف دينار ، الأردن (97) ألف دينار .فلسطين : (310) ألف دينار ، (300) ألف رطل زيت . مصر (2.92) مليون دينار .اليمن (370)ألف دينار. الحجاز (300) ألف دينار. والمجموع الكلي بالدينار (4.817) مليون دينار وبتحويلها إلى دراهم ، والدينار يساوي (15) درهما يكون مجموعها (72.255) مليون درهم ..بإضافة الجباية السابقة إليها يكون المجموع النهائي (390.855) مليون درهم.وهذا عدا خراج الكرخ وهو (300) ألف درهم وجيلان وخراجها (5) ملايين درهم.أي مجموع الخراج للدولة العباسية في عهد المأمون (400) مليون درهم عدا الغلات الأخرى .وما يصل إلى دار المال في بغداد يكون صافي الخراج الآتي من الأقاليم بعد اقتطاع المصروفات المحلية من أموال الجند والموظفين وإصلاح الترع والكباري .( أي أن الخليفة هو الذي يملك كل تلك البلاد و الشعوب ، وهو الذي يستعمل اهلها في الانتاج الزراعي و الصناعي لحسابه ، ومن يطلب منهم الحرية يسلط عليه قوته العسكرية ليظلوا مسخرين في خدمته. ولذلك فان الحفاظ على ممتلكات الخليفة تستلزم أن ينفق على قوة عسكرية وجهاز اداري ، وما يبقى يكون فائضا في جيبه الخاص ، يعطي منه كيف يشاء من شعراء و خدم وأتباع. مع ذلك فله أي الخليفة ضياع باسمه الشخصي). أي يضاف الى ايراد الخليفة الأموال التي تأتي من ضياعه وضياع وأسرته .ويذكر المؤرخ أبن طباطبا أن المأمون أشتكى إلى أخيه المعتصم ولي العهد ضائقة مالية وكانا بدمشق فوعده المعتصم بأن المال سيأتي بعد أسبوع ، فوصلت أموال للمعتصم من ضياعه ، وكانت ( ثلاثين ألف ألف ألف ) درهم أي (30) مليار درهم ، وخرج المأمون ومعه القاضي يحيى بن أكثم والمعتصم ينظرون ذلك المال المحمول ، وقد أستعظم الناس ذلك واستبشروا به وتعشموا أن ينالوا منه ، فقال المأمون إن انصرفنا إلى منازلنا بهذا المال وأنصرف الناس خائبين فنحن لئام ..فأخذ في تفريق الأموال على الناس ، حتى بلغ مجموع ما فرّقة عليهم(24) ألف ألف ألف درهم،وكان لا يزال راكبا ورجله في الركاب ثم حول الباقي على مصالح الجند .(كان الأولى به التصدق بهذا المال على الفلاحين المساكين الذين يعملون في ضياع المعتصم و بعرقهم جاء هذا المال ، ولكنه أراد أن يستحوذ على ثناء الناس بأن يعطي مالا منهوبا من مستحقيه وأصحابه )..[c1]ثروات الموظفين [/c] كان معين بن عون متوليا لخراج الري في عصر المأمون وقد مات وترك لابنه ثروة تقدر (بألف ألف وخمسين ألف ) درهم مما يدل على أن القائمين على الخراج كانوا يتكسبون من وظائفهم الشيء الكثير. وهذه بالطبع سرقة معلومة.وكانت الدولة على علم بذلك وربما تباركه أحيانا ، فقد قيل للمأمون أن عمرو بن سعدة ـ وهو أحد كتاب المأمون ـ قد مات وترك ثروة مقدارها ( ثمانون ألف ألف درهم ) فقال المأمون : «هذا قليل لمن اتصل بنا وطالت خدمته لنا فبارك الله لولده فيه» !!! (أي ان المأمون كان يتسامح مع فساد أفراد حاشيته ويعتبر سرقاتهم مشروعة طالما كانوا مخلصين في خدمتهم له).على أن المأمون كان يضيق إذا وصل الفساد إلى القضاء ،وفي حوار دار بين المأمون وبين القاضي بشر بن الوليد كان يلوم فيه ذلك القاضي لأنه كلما أشار عليه بتولية أحدهم وتزكيته لمنصب القضاء فما يلبث أن يظهر فساد ذلك القاضى ، قال له المأمون « ولينا رجلا أشرت به علينا قضاء الأبله وأجرينا عليه (ألف )درهم ولا له ضيعة ولا عقار ولا مال ، فرجع صاحب الخبر بالناحية أن نفقته في الشهر ( أربعة آلاف ) درهم فمن أين هذه الثلاثة آلاف دراهم ؟ ... وولينا رجلا أشار به محمد بن سماعه دمشق وأجرينا عليه (ألفي) درهم في الشهر فأقام بها أربعة عشر شهرا ووجهنا من يتتبع أمواله ويرجع إلينا بخبره فصح عنه أن يملك قيمة ( ثلاثة عشر ) ألف دينار من دابة وبغل وخادم وجارية وغير ذلك ، وولينا رجلا أشار به غيركما نهاوند فأقام بعد عشرين شهرا من دخول يده في العمل سبعين بحينا (بيتا ) وعشرين بحينا وفي منزله أربعة خدم خصيان قيمتهم ألف وخمسمائة دينار) وفي النهاية قال المأمون (إن أهم الأمور كلها إلى أمور الحكام ( القضاة) إذ كنا قد ألزمناهم النظر في الدماء والأموال والفروج والأحكام. ووددت أن يكون لي مائة قاض مرضيين وأني أجوع يوما وأشبع يوما ) (ولكن من الطبيعي أن يفسد القضاء في أي نظام مستبد لأن السمكة تفسد من رأسها..فمن الصعب أن تجد قاضيا عادلا في دولة تقوم أساسا على الظلم .والقاضي العادل في دولة الظلم يكون أول المظاليم، إذ يتحكم فيه المفسدون ، وهم الذين يتمتعون بالحظوة والثقة والمناصب الكبرى ).ولكن نفهم مما سبق أن مرتب القاضي كان يتراوح بين (ألف)و (ألفي) درهم شهريا وأن عيون الدولة كانت تراقب القضاة وأحوالهم المادية .[c1] بذخ كبار قادة الدولة وثرواتهم [/c]نجا أصحاب السلطان من تلك الرقابة فكانت الأموال تجرى في أيديهم خصوصا من أشتهر منهم بالكرم مثل طاهر بن الحسين أحد القواد الكبار للمأمون. وعندما ثارت الحرب بين الأمين وأخيه المأمون كان طاهر بن الحسين هو قائد جيش المأمون ، وهو الذي هزم الأمين وقتله مما أتاح للمأمون تولي الخلافة. وتمتع ابن طاهر بنفوذ هائل في خلافة المأمون بعد قتل الأمين. وقد أعطى طاهر بن الحسين أموالا للشعراء وغيرهم بلغت في يوم واحد (1.7) مليون درهم . وذلك القائد خشي من أن يتغير عليه الخليفة المأمون بسبب أنه الذي قتل الأمين أخاه . وقد دس إلى المأمون من يسبر غوره ليستشف نواياه ، فدفع إلى حسين الخادم ( مائتي ألف ) درهم والى الكاتب محمد بن هارون ( مائة ألف) درهم فعرف منهما أن المأمون يبيت النية على الغدر به فأنقذ نفسه منه، ولولا تلك الأموال ما نجا بنفسه ..وقد ظهر ثراء المأمون والطبقة الحاكمة في زفاف المأمون وبوران بنت الحسن بن سهل الذي كان والي الحرب والخراج في بغداد حين كان المأمون في المشرق لم يأت بعد إلى العراق . وبعد أن وصل للعراق ووطد سلطانه ظل الحسن بن سهل محتفظا بمكانته . وزفت ابنته بوران إلى الخليفة في 3 رمضان سنه 210هـ وعندما دخل المامون قصر العروس نثرت عليه جدة بوران (ألف درة ) كانت في (صينية من ذهب). وأقام المأمون مع أتباعه عند الحسن بن سهل (سبع عشرة ليلة) ، كان الحسن يعد له كل يوم ولجميع ما معه جميع ما يحتاجون إليه، وأعطى الحسن بن سهل هدايا عينية ونقدية لكل الضيوف ، وبلغت جملة النفقة التي تكلفها ( خمسين ألف ألف ) درهم ، فأمر المأمون بأن يأخذ الحسن بن سهل (10 ملايين ) درهم من خراج فارس، وأخذ الحسن ذلك المال وفرقه على أصحابه. وفي ليلة الدخلة فرش الحسن للمأمون (حصيرا من ذهب ) ونثر عليه حين دخل البيت (الجواهر) فكان بياض الجواهر يغطي صفرة الحصير الذهبي ، ولم يمس أحد ذلك الجوهر فقال: الحسن بن سهل للمأمون : هذا النثار نحب أن نلتقطه، فقال المأمون لمن حوله من بنات الخلفاء : شرفن أبا محمد. فمدت كل واحدة منهن يدها فأخذت درة . وبقي باقي الدرر يلوح على الحصير . ونثر الحسن بن سهل على المأمون ـ في رواية الخطيب البغدادي ( ألف حبة ) جوهر وأشعل بين يديه شمعة عنبر وزنها ( مائة رطل ) ونثرا على القواد رقاعا فيها أسماء ضياع ، فمن وقعت في يده ضيعة كانت له ، ويقول الخطيب أن المأمون أمر للحسن بن سهل بعد انتهاء الضيافة (بألف ألف دينار ) وأمر له بإقطاع في فم الصلح ...مقابل هذا الترف كان الناس في عناء . وقبل ذلك الحفل الأسطوري بثلاث سنوات وفي سنة 207هـ كان هناك غلاء في بغداد ..وصل ثمن قفيز الحنطة إلى 40 درهما وقبل عصر المأمون كان يكفي الرجل وزوجته ( 300) درهم في السنة للمعيشة .. ولم يحس المأمون بأحوال الفقراء ، ولم يظهر كرمه إلا مع الشعراء و الخدم و القادة ، أي أركان ورجال دولته.أما الناس فقد ترك لهم المعاناة ، وعاش مع أركان ملكه عالة عليهم يتمتع مترفا بثمار عرقهم ومعاناتهم . مدحه أعرابي فأعطاه خلعة وفرسا بكامل عدته ثم أعطاه ألف درهم وألف دينار وجارية حسناء وغلاما خادما ، ومدحه الشاعر العباس بن الأحنف فأمر له بعشرة آلاف درهم. وطمع في كرمه خادمه رشد الأسود فأخذ يسرق أباريقه والأواني ، وكان ذلك الخادم موكلا بوضوئه ، فعاتبه المأمون فقال له الخادم رزقي يقصر عني .. فجعل رزقه مضاعفا ثم عاد الغلام للسرقة ، فقال له المأمون إذا أردت أن تسرق شيئا فبعه لي ، فقال له الخادم : فأشتر منى هذا الطست وهذا الإبريق قال : بكم ؟ قال بخمسة دنانير .. فقال المأمون أدفعوها له .بقى ان نقول المسكوت عنه في تلك الأرقام وذلك البذخ وهذا الكرم . المسكوت عنه أولئك المساكين من الفلاحين و العمال الذين يكدون و يتعبون ويموتون ولا يحس بهم أحد ، وتتحول دموعهم وعرقهم الى أرقام من الملايين تضاف الى خزينة الخليفة الذى كان يزعم أنه يملك الأرض وما عليها ومن عليها.المسكوت عنه أيضا هم أولئك العبيد من الذكور والاناث ، وبعض الذكور حولوه الى خصى من صغره بقطع أعضائه الجنسية. تحول أولئك المساكين الى سلعة تباع وتشترى و توهب شأن أي سلعة من حيوان و مال و نبات ..يمدحون الخليفة الظالم و ينسون أنه لا يزيد بأي حال عن أي واحد أو واحدة من أولئك البشر الذين استعبدهم بالفعل ( الجواري و الرقيق والخصيان ) أو استعبدهم بطرق غير مباشرة ، وهم الفلاحون و العمال ، أصحاب الأرض الأصليون ، ملح الأرض و جوهرها .. الذين كانوا يكدون في انتاج الخير.. للغير..ولا يزالون .. فالظلم في بلاد المسلمين لا يزال مرتفع الهامة. أين ذهب المأمون الآن ؟ أين ذهبت أمواله وملايينه ؟ أصبحت أمواله مجرد صفر ،ولم يخرج من الدنيا إلا بعمله . ومن واقع المكتوب عنه فقد مات ظالما للملايين الذين سلب كرامتهم وحريتهم واموالهم .. وأكثر من هذا إنه كان ظالما لدين الله تعالى حين زعم أن ذلك هو الاسلام. والاسلام هو دين العدل والقسط وليس الظلم.يقول ابن الجوزي عن نهاية المأمون (كان سبب مرضه أنه أكل رطبًا وكان سبب وفاته ..) وقال عن كلماته الأخيرة ( كان في وصيته: أنه لا إله إلا الله وإني مقر مذنب ثم انظروا ما كنت فيه من عز الخلافة هل أغنى ذلك شيئًا إذ جاء أمر الله ؟ لا والله ولكن أضعف علي به الحساب .!! فيا ليت عبد الله بن هارون لم يكن بشرًا بل ليته لم يكن خلقًا! )( تاريخ المنتظم 10 /52 : 65 ، 216 ـ ، 11 / 35 ـ )[c1] الخليفة المقتدر بالله العباسي[/c]تعرضنا في السطور السابقة للخليفة المأمون الذي تبنى معتقدات المعتزلة وجعلها مذهبا رسميا للدولة حيث تعرض الحنابلة في عهده لمختلف أشكال القمع والاضطهاد .ونتعرض الآن لخليفة عباسي تبنى معتقدات الحنابلة وجعلها مذهبا رسميا للدولة ثم أطلق أيدي الحنابلة لاضطهاد كل من يخالفهم في معتقداتهم وهو المقتدر بالله العباسي.. وكلاهما ازدحمت سيرة حياته بالأرقام بالآلاف والملايين ، ثم ترك كل هذه الآلاف المؤلفة بالموت ليتحمل وزرها يوم القيامة. تولى الخليفة المقتدر بالله العباسي سنة 295 ،ومات مقتولا سنة 320 . وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة واحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما ، من جملتها يومان وثلاث ليال خلعوه فيها من الخلافة ثم أعيد .أي حكم حوالي ربع قرن من الزمان.وكان عمره يوم مقتله ثمانية وثلاثين عاما وشهرا واحدا وخمسة أيام . بلغ الحلم في شهر شعبان قبل جلوسه في الخلافة بثلاثة أشهر. أي تولى الخلافة وهو طفل لم يصل للبلوغ بعد ، لذا سيطرت أمه ( السيدة أم المقتدر ) واسمها (شغب ) على مقاليد الأمور طيلة حكم ابنها الى أن أوردته مورد التهلكة ، وتعرضت بعده للتعذيب حتى الموت .حين تولى المقتدر الخلافة صبيا كان في بيت المال الخاص (15) مليون دينار وفي بيت المال العام (600) ألف دينار ، وعملات أخرى تصل بالمبلغ إلى(20) مليون دينار ، وكانت الجواهر والأثاث تزيد على ذلك .ورث الخليفة الصغير هذا المال وتلك الثروة التى تعب في انتاجها ملايين البشر ، إذ كان يسرف في إعطاء المال لمن لا يستحق ، ولكن المؤرخين المنافقين مدحوه فقالوا إنه اشتهر بالتوسع في الطعام والكرم في العطاء ؛إذ بدأ خلافته بتفرقة عشرة آلاف دينار في بني هاشم وعشرة آلاف أخرى في سائر الناس ، وأمر بمضاعفة مرتبات بني هاشم ، ...وكانت مرتبات القضاة في الدولة العباسية في خلافته (56569) دينارا سنويا .والمرتبات السنوية للمحتسبين وأعوانهم (430439) ديناراً ، ومرتبات أصحاب البريد (79400) دينار . هذا الخليفة الصبي الذي ورث ما لا يستحق أعطى أموالا زائدة للأغنياء المترفين من أسرته ومن كبار دولته ، وهذه الأموال جيء بها ظلما و سحتا من عرق أبناء البلاد الخاضعين لبني العباس ، ملايين البشر الذين لا يحس بهم أحد ، ولكن تتحول آهاتهم ودموعهم وعرقهم ومعاناتهم الى أكياس من الذهب في خزانة الخلافة العباسية ، وبينما إشتهر معظم خلفاء بني العباس بالشح و البخل إلا إن المقتدر اختلف عنهم بالكرم فاستحق تمييزه عن سابقيه.أما مستوى معيشة الطبقة الوسطى فيمكن التعرف عليه في هذا العصر من خلال ذلك الخبر الذي رواه التنوخي في كتابه « الفرج بعد الشدة ».. يقول : إن بعضهم أضاع ثروته على المغنيات ثم مات خادم كل مولى لأبيه ومات ابن عم له في وقت واحد وورثهما وكانت تركتهما 40 ألف دينار ، فعمر دارا بألف دينار واشترى ألات وفراشا وثيابا وجواري ثلاثاً بسبعة آلاف دينار وسلم ألفي دينار لتاجر ليتاجر له فيها ، وأودع في باطن الأرض عشرة آلاف دينار للشدائد ، وابتاع ضيعة تغل له في كل سنة ما يزيد على مقدار نفقته .) أي ان ثمن الدار المحترمة الف دينار ، ويمكن للتاجر ان يبدأ مشروعا تجاريا مربحا بألفي دينار وان يشتري بسبعة ألاف دينارعددا من الجواري الحسناوات مع أثاث البيت ووسائل الراحة وأفخر الثياب،أي كانت للدينار قيمته، وهذا يوضح مستوى الرغد الذي كانت تعيشه الطبقة الوسطى،فكيف بالطبقة العليا ؟نتعرف على الاجابة من خلال هذا الخبر ، يروي ابن الجوزي قصة طويلة لرجل كانت له (داية) تخدم السيدة ام المقتدر، وعن طريق هذه الداية وصل صاحبها واسمه سوسف بن يحيى الى معرفة ام المقتدر فانعمت عليه بالصلات حتى صار صاحب عشرات الالوف من الدنانير ، وعندما عزم على (طهارة) ابنه أنفق في وليمته مالم يسمع بمثله حتى أفردت عنده عدة دور للحيوان وعدة دور للفاكهة ، وبلغ خبره السيدة أم المقتدر فبعثت له من الأموال و الفرش والآلات ما يفوق الحصر. . وإذا كان هذا حال فرد واحد ـ وصل عن طريق الداية ـ ليكون من الطبقة العليا في بغداد ، فكيف بالخليفة المقتدر ؟ يقول ابن الجوزي عنه :(وكان في داره عشرة آلاف خادم وخصى غير الصقالبة (السلاف) والروم والسودان ، وكان تجمله وافرا ). لو كان يفعل الخير حقا لطبق تعاليم الاسلام في عتق الرقيق لا أن يستكثر منهم ويتجمل بوجود آلاف منهم في قصره لمجرد الزينة .ويقول ابن الجوزي عن جواهر الدولة العباسية ( وكان جواهر الأكاسرة وغيرهم من الملوك قد صارت إلى بني أمية ثم صارت إلي السفاح ثم إلى المنصور ) .ونرجع الى ما قاله ابن الجوزي : ( وكان جواهر الأكاسرة وغيرهم من الملوك قد صارت إلى بني أمية ثم صارت إلى السفاح ثم إلي المنصور. واشترى المهدي الفص المعروف بالجبل بثلاثمائة ألف دينار ، واشترى الرشيد جوهرة بألف ألف دينار ، ولم يزل الخلفاء يحفظون ذلك إلي أن آلت الخلافة إلي المقتدر ، وهناك ما لم ير مثله ، وفيه الدرة اليتيمة زنتها ثلاثة مثاقيل )، أي ورث الخليفة الصبي هذه المغارة من الكنوز والجواهر التي لا مثيل لها في العالم ، فماذا فعل فيها ؟ يقول ابن الجوزي :( فبسط المقتدر فيه يده ، ووهب بعضه لصافي الخرمي ووجه منه إلى وزيره العباسي فرده وقال : هذا الجوهر عدة الخلافة ولا يصلح أن يفرق ، وكانت زيدان الكهرمانة متمكنة من الجوهر فأخذت سبحة لم ير مثلها وكان يضرب بها المثل ، فيقال : سبحة زيدان ، فلما تولى الوزارة علي بن عيسى قال للمقتدر : ما فعلت بسبحة جوهر قيمتها ثلاثون ألف دينار أخذت من ابن الجصاص ؟ قالت : في الخزانة ، فقال: تطلب ، فطلبت ، فلم توجد، فأخرجها الوزير من كمه وقال الخليفة : إذا كانت خزانة الجوهر لا تحفظ الجوهر فما الذي يحفظ ؟ وقال للمقتدر : إنها عرضت علي فاشتريتها، فاشتد ذلك على المقتدر .. وعرف أن الأيدي امتدت إلي خزانة الجوهر ) ويقول ابن الجوزي :« وكان المقتدر قد أتلف نيفا وسبعين ألف ألف دينار وذلك أكثر مما جمعه هارون الرشيد») !! [c1]نهاية المقتدر[/c]حدث خلاف بين المقتدر وقائد جيشه مؤنس الخادم، فجمع المقتدر الجنود وفرق عليهم أموالا كثيرة وخرج بهم لحرب مؤنس ، ولكنهم تسللوا من عنده وانضموا إلى مؤنس ، فانهزم الخليفة، وضربه جندي فأوقعه، فقال المقتدر للجندي : أنا الخليفة ، فقال له : لك أطلب ، ثم أضجعه وذبحه وأخذ رأسه لمؤنس وترك جسده مسجى حتى دفن جثته بدون رأسه. وكان قتله في الساعة الرابعة يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال سنة 320 .( المنتظم 13 / 60 : 66 ، 68 : 72 ، 150 ـ ، 174 ـ ، 308 ـ )[c1]الصفر في تاريخ المقتدر[/c]تولى الخلافة صبيا ومات شابا في الثامنة و الثلاثين بعد حكم دام ربع قرن من الزمان كان فيه أغنى فرد في عصره ،وانتهى الى النتيجة الصفرية شأن كل انسان متساويا بذلك مع أفقر الناس في عهده. وتحول المقتدر الى مجرد سطور في تاريخ الدولة العباسية التي تحولت بدورها الى إحدى صفحات تاريخ المسلمين.ولكن يبقى التساؤل : كل هذه الجواهر التي تملكها وورثها، أين ذهبت بعده ؟يجيب عن هذا التساؤل إثنان كلاهما أدرك تدمير بغداد على يد المغول بعد مقتل المقتدر بحوالي 340 عاما : أحدهما الأديب الحكيم ( طبيب العيون ) شمس الدين محمد بن دانيال ( 64 ـ 711 ) والمؤرخ الهمداني .يقول الهمداني في كتابه : «جامع التواريخ» ان هولاكو بعد ان اقتحم بغداد دخل قصر الخلافة وأشار باحضار الخليفة المستعصم فلما جيء به اليه قال له هولاكو متندرا: (أنت مضيف ونحن الضيوف فهيا احضر ما يليق بنا ) فأحضر الخليفة المستعصم بالله وهو يرتعد من الخوف صناديق المجوهرات والنفائس ، فلم يلتفت اليها هولاكو، ومنحها للحاضرين وقال للخليفة: (إن الأموال التي تملكها على وجه الأرض ظاهرة ، وهي ملك لعبيدنا ، لكن اذكر ما تملكه من الدفائن ما هي وأين توجد ؟ فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء بالذهب في ساحة القصر، فحفروا الأرض حتى وجدوه ، وكان مليئا بسبائك من الذهب الاحمر تزن الواحدة مائة مثقال) !! يقول الهمداني : ( وقصارى القول أن كل ما كان الخلفاء العباسيون قد جمعوه خلال خمسة قرون ، وضعه المغول بعضه على بعض فكان كجبل على جبل).أي إن المال الذى سلبه وكنزه الخلفاء العباسيون وكانوا يسمونه عدة الخلافة ، قد ورثه المغول أكواما وأطنانا من الذهب والجواهر. وبسبب ذلك الكم الهائل من الكنور الذهبية التى ورثها هولاكو من الخليفة العباسي ، فإنه صهرها جميعا في سبائك وأقام لها قلعة محكمة في أذربيجان.أما الأديب شمس الدين ابن دانيال ـــ أشهر الأدباء الساخرين في عصره ، وصاحب فن (الآراجوز ) أو (خيال الظل ) وأشهر من ألف البابات والمسرحيات ـــ فقد ظلت مأساة بغداد وضياع ثرواتها تتسلل الى حوار شخصياته التي ابدعها في باباته ومسرحياته، ففي مسرحية (طيف الخيال) يقول على لسان الامير وصال ـــ كأنه يصف نهاية المقتدر و آله من بني العباس ـــ ( مال المال وحال الحال وذهب الذهب وسلب السلب وفضت الفضة ..) يعنى باختصار : صفر ضخم .!!ولكن تبقى تبعات ذلك المال الذى حملوا وزره وتركوه صفرا . تبعاته حساب عسير يوم القيامة.الصفر في حياة الحكام الظالمين .ومهما بلغ حجم المنهوب ، ومهما ارتفعت أرصدة الناهبين فهى مجرد أرقام تتحول بالموت الى صفر.[c1]أخيرا[/c]ما أروع الموت ..!!به يتم تطهير الأرض من الطغاة . وهو الوحيد الذي يهزمهم بالضربة القاضية. ولو تخيلنا عذاب السعير الأبدي لشعرنا بالشفقة عليهم ، فليس هناك خسران أكبر من أن تخسر الدنيا بالصفر العظيم ثم تخسر الآخرة بالعذاب الخالد الأليم .ولهذا نكتب للوعظ .. أملا في الاصلاح وفي التوبة ..[c1]------------------------------------* عالم أزهري - رئيس المركز العالمي للقرآن الكريم[/c]
أخبار متعلقة