عواصم / متابعات :تشيد الطرق الواصلة بين القرى الصغيرة بعرض خمسة أقدام فقط لا ثمانية أقدام كما يُفترض. ويتم تخفيف العقاقير (بإضافة الماء إليها مثلا) كي يتسنى بيع بعضها في السوق السوداء. وتدفع رشوة لإيصال الإمدادات الطارئة. وما هذه إلا أمثلة على عمليات الاحتيال في مجال المساعدات الإنسانية والتي تعتبرها منظمة (الشفافية الدولية)، وهي منظمة غير حكومية تنشر "مؤشر التبصر في الفساد"، "كارثة مضاعفة." وكان التعتيم على أنباء المخالفات التي يمكن وقوعها خلال عمليات تسليم المساعدات التنموية للفقراء أو تقديم المساعدات الطارئة لضحايا الكوارث هو السياسة المتبعة حتى فترة قريبة خشية توقف الجهات المانحة عن دعم المنظمات الخيرية وبنوك التنمية والحكومات التي تسلم المعونات. إلا أن الأمر تغير أخيراً وأصبح يتم الكشف عن الفساد... وتتم معالجة أمره. فعلى سبيل المثال، اكتشفت منظمة (أوكسفام) الدولية في شهر /مارس الماضي، وهي مؤسسة خيرية تسعى إلى سد الاحتياجات في مجالات الصحة العامة والأغذية والماء، مخالفات مالية في عملية إقامة الملاجئ للمشردين في مقاطعة آتشه، في إندونيسيا، في أعقاب أمواج التسونامي التي اجتاحت المنطقة. ووظفت (أوكسفام) مدقق حسابات من خارج المنظمة واستعادت 20 ألف دولار من أصل 22 ألفاً كانت قد دفعتها ثمناً لمواد بناء لم يتم تسليمها إطلاقا. وقد عمدت (أوكسفام) بعد ذلك إلى توظيف مسؤول خاص مهمته الحيلولة دون وقوع خسائر مماثلة للإشراف على عملياتها الضخمة، التي تبلغ قيمتها 97 مليون دولار، لمساعدة ضحايا التسونامي في آتشه. وفي شهر حزيران/يونيو، وبعد التحقيق في عمليات احتيال في سبعة مشاريع للبنك الدولي في كمبوديا، قام البنك بإلغاء ثلاثة مشاريع منها، تبلغ قيمتها مجتمعة 7,6 ملايين دولار. وقال رئيس البنك الدولي، بول ولفويتز، في كلمة ألقاها في واشنطن في 31 تموز/يوليو، إن سلفه، جيمز وولفنسون، أصاب في العام 1996 عندما بدأ "محاربة سرطان الفساد." وأضاف ولفويتز إن الجهات "المانحة والمتلقية أصبحت تؤكد (الآن) على استخدام المساعدات بشكل أكثر فعالية." وقد نظرت شعبة التحقيق التابعة للبنك، منذ العام 2001، في أكثر من ألفي حالة زُعم بوقوع سرقة أو رشوة أو التلاعب بمناقصات أو دفع عمولات سرية أو تواطؤ وإكراه فيها. وأدت هذه التحقيقات إلى فرض عقوبات علنية على 330 من الشركات والأفراد، الذين حظر عليهم الحصول على أي عقود يمولها البنك في المستقبل. وفي حين أن الكثير من الشركات التي وضعت على اللائحة السوداء المحظور التعاون معها هي شركات استشارية صغيرة، إلا أنه تم اكتشاف شركات أكبر أيضاً وتم فرض الحظر عليها هي أيضا، وبينها شركة (تومن) اليابانية وشركة (إيكرز إنترناشنال)، وهي شركة طاقة كندية. وقد استهل البنك الدولي في أوائل شهر آب/أغسطس، برنامجاً لتشجيع أولئك الضالعين في عملية رشوة في أي من مشاريع البنك على الكشف طوعاً عن المخالفة كي يُمنحوا السرية ويتفادوا إدراجهم على لائحة المحظورين. وسيقترح البنك، في اجتماعه السنوي المقبل، المقرر عقده في سنغافورة في أيلول/سبتمبر الجاري، انضمام المنظمات الأهلية المحلية ووسائل الإعلام والمنظمات غير المحلية والبرلمانات، إليه كشركاء له في معركته لمكافحة الفساد. وفي حين قال دانيل كوفمان، مدير الحوكمة العالمية في مؤسسة البنك الدولي، إنه لم يتم بعد وضع اللمسات النهائية على الاقتراح، إلا أن من المتوقع أن يؤدي إلى تحقيق مزيد من التقدم. وقد اقترحت المنظمة الأميركية للتنمية الدولية أن تقوم بإنفاق ما يصل إلى 750 مليون دولار على امتداد الأعوام الخمسة القادمة للقضاء على الفساد في المجتمعات أو الحكومات بشكل عام. وقالت ألكزاندرا رايج، رئيسة جمعية "ترايس"، وهي جمعية غير ربحية مؤلفة من شركات متعددة الجنسيات ملتزمة بمقاومة الرشوة في الأعمال التجارية، إن "الولايات المتحدة كانت نشطة (في مجال محاربة الفساد) وتقوم بحثّ الدول الأخرى (على ذلك)." وأضافت أن مؤسسات الأعمال كانت السباقة، مقارنة بالمنظمات الخيرية الدولية والمنظمات غير الحكومية، في التركيز على استئصال الفساد. ولكنها أضافت أنه يمكن للشركات، نظراً لكونها تلعب دوراً في مجال المساعدات الإنسانية، أن تساعد المنظمات غير الربحية في التوصل إلى طريقة لنقل الإمدادات بدون اللجوء إلى الرشوة. وأشارت إلى أنه يمكن تلخيص موقف المنظمات الخيرية في الكثير من الأحيان على أنه "إننا نقوم بما فيه خير (للمحتاجين)، ولذا فإن الغاية تبرر الوسيلة." وقد ذهب أحد خبراء مكافحة الفساد في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في الواقع إلى حد القول إن العاملين في مجال تقديم المساعدات الإنسانية ينظرون إلى وضعهم في الكثير من الأحيان على أنه " إما الدفع لأمير الحرب، أو ترك الناس يموتون." ولكن رايج تقول إن هذه المواقف تؤدي إلى تقلص كمية الأغذية والعقاقير والمال أثناء تحركها في عمليات الشحن والتوزيع. وأضافت أن ذلك "يضر (في نهاية المطاف) أولئك الذين يبغي المرء مساعدتهم." وفي شهر حزيران/يونيو الماضي، وقعت 11 منظمة غير حكومية "ميثاق تحمل مسؤولية" تعهدت فيه باعتماد الممارسات الأخلاقية والضوابط المالية المتينة. وقال جريمي هوبز، المدير التنفيذي في منظمة أوكسفام الدولية، وأحد الموقعين على الميثاق، إنه "يوضح معالم مسؤولياتنا أمام الشعوب التي نخدمها والجهات التي تدعمنا والمجتمع الأوسع." وتتلقى الجهات المانحة الكبيرة "تقارير عن إدارة الأموال" أو تدعى إلى زيارة المشاريع. ولكن المنظمات الخيرية تتجاوب أيضاً مع طلبات المانحين الصغار من خلال مواقعها الإلكترونية. فعلى سبيل المثال، يمكن لمن تبرعوا لمدرسة نياكا للأحداث الذين يتّمهم مرض الإيدز في أوغندا، وهو مشروع ترعاه منظمة "غلوبال غيفنغ - GlobalGiving" في أوغندا، مشاهدة الصور والحصول على معلومات عن تلاميذ مدرسة نياكا كل بضعة أشهر؛ كما أنهم يتلقون رسائل إلكترونية تشعرهم بأنه تم نشر معلومات جديدة على الموقع الإلكتروني. ويتفق الخبراء على أن معركة القضاء على الفساد في مجال تقديم المعونات والمساعدات الطارئة تكون أكثر ما تكون عليه نجاحاً عندما توحد الجهات المعنية قواها. ولتحقيق هذا الغرض بالذات، وُضع ميثاق الأمم المتحدة لمحاربة الفساد موضع التنفيذ في كانون الثاني/ ديسمبر 2005. وتنص هذه المعاهدة على اعتبار تقديم مواطني أي دولة من الدول الموقعة عليها رشوة لمسؤولين في دولة أجنبية جريمة. وتعتبر رايج الميثاق الدولي خطوة مهمة، وقد قالت: "إنه مرحلة بلوغ الرشد بالنسبة للمجتمع الدولي."
سرطان الفساد مستشرٍ في برنامج المساعدات الخارجية الدولية
أخبار متعلقة