فاطمة الفقيهإذا كان ولله الحمد لا يسمح في مجتمعنا أن تطال الخلافات الفكرية سلامة الأرواح، فلماذا تقض مضجع المثقف والمصلح ظاهرة التكفير ولماذا مع كل فتوى تكفير جديدة ينتفض الوسط الثقافي والإعلامي بالرغم من أنها ممارسة مكررة وقديمة وتستخدم وكأنها وصفة ريجيم وتطال كل صاحب طرح جديد ثم غالبا ما تنتهي من حيث بدأت ولا يصح سوى الصحيح.لقد اعتدنا على التكفير كردة فعل لمقاومة أية محاولة للتغيير، فقد كفرت بعض التيارات واتهمت بالعلمانية دون الإصغاء لما تحويه من منطق ودون محاولة تقييم جدواه وكفر الحداثيون بالرغم من أن طرحهم لم يكن يتجاوز الفكر والأدب والثقافة المحلية ثم طال التكفير منكر إطالة اللحى والمطالبين بحقوق المرأة ومتبني وثيقة حقوق الإنسان كذلك الليبراليون وهم أشخاص لا ملامح واضحة لوجودهم ولا يمكن فعليا إيجاد قاسم مشترك يميزهم بدقة عن الآخرين.والتكفير كذلك ليس وليد اليوم بل له وجود عريق في التاريخ الإسلامي فكلما اختلفت فئة مع أخرى رفعت عصا التكفير، واستخدمت رواية الحديث أفضل استخدام لهذا الغرض وخير من لخص ما يحدث هو علي كرم الله وجهه عندما رد على خصومه المتذرعين بقول (لا حكم إلا لله ) بقوله (كلمة حق أرادوا بها الباطل).كما أن التكفير ردة فعل منطقية في ثقافة تتعامل مع الإيمان وكأنه امتياز تملك منحه وسحبه النخب الدينية حسب الأجندة، وبما أن أي تغيير يعني وجود رابح وخاسر، فالخاسر يقاوم حسب حجم الخسارة وبالطبع أقوى سلاح يمكن استخدامه للمقاومة هو الدين، ولا ينكر عاقل خبث هذا المنهج فهو ظاهريا يعني أن الإنسان خرج من ملة الإسلام وباطنيا يعني إباحة دمه وخراب بيته ومن جرائه سالت دماء في الماضي وما زالت حتى اليوم.و في الوقت الحالي فرب ضارة نافعة، فربما تؤدي كثافة استخدام التكفير ولا منطقيته إلى بطلان مفعوله السحري خاصة أننا في عصر الانفتاح وسهولة الوصول للمعلومة والاطلاع بحرية على ثقافة الآخرين فلم يعد المكفرون هم المصدر الوحيد للمعلومة، عدا عن أنه مع التكرار يأتي التعود وتصبح الظاهرة جزءاً من الحياة اليومية التي تمر علينا مرور الكرام فهذا ما نتوقع حدوثه مع تكرار القذف بالكفر لكل شاردة وورادة خاصة أن الكثير من التغييرات التي يتبناها المصلحون والتي تبدو تغييراً صارخاً في مجتمعنا هي من المسلمات في بقية المجتمعات.أخيرا وبرأيي فالكفر في جوهره اعتقاد أي هو أمر داخل القلب ويستحيل التحقق منه فالنيات شأن الله وحده، واستخدام "السلوك الظاهر لمعرفة النية الباطنة" هو خلط في الفهم نابع من تغييب التفكير واعتماد التكرار للموروث، فكثير من الناس سلوكهم لا يطابق نواياهم وهذه من المسلمات.كما أن الله وضع صفات كثيرة للكفرة ولكنه لم يعطنا حق أن نستخرج منها أدوات كشف على عقائد المسلمين وكان الأولى بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان على يقين بأن بعض من ادعوا الإسلام منافقون وكاذبون ومع ذلك لم يواجههم حتى لا يتم تأصيل مفهوم محاكمة النيات لما له من الخطورة على المجتمع لأن هذا المفهوم مليء بالعنف، ولابد من التخلص منه جذريا بفك طلاسمه السحرية وبتفكيك أجزائه كما تفكك القنبلة الموقوتة وبالمنطق والعقل وسحب هذه الصلاحية من الإنسان ضد أخيه الإنسان وترك النوايا لله. [c1]نقلاً عن جريدة "الوطن" السعودية[/c]
أخبار متعلقة