أحمد المهندس في مقدمته لكتاب ( مع شعراء الأغنية اليمنية ):
منذ أن فتح الأب الرائد الدكتور محمد عبده غانم - رحمه الله - شباك الابداع في الاسرة الغانمية القرشية وقدم إبداعاته الشعرية والادبية لم يتوقف نبع العطاء الادبي والفني في الاسرة فقد انتقلت الجينات الابداعية الى كل أفرادها من الجنسين الذين لم يكتفوا بالميراث الادبي بل بالتفوق العلمي والاقتداء بالأب والوصول الى أعلى الدرجات العلمية والمناصب القيادية والاجتماعية ولست بصدد الكتابة عن أسرة غانم وتاريخها المضيء في الحياة الادبية والعلمية العربية بأرض الأجداد والأصالة والإيمان والحكمة واليمن السعيد . فمثل هذا الأمر يحتاج الى متخصص ودراسات وصفحات لا تحصى ولكني أود ومن خلال سطور الافتتاح هذه تقديم كتاب أحد المبدعين من السلالة الغانمية الذي رغم تفوقه التقني في الهندسة تفوق أيضاً وبرز في الجانب الشعري والادبي وتجاوز بإنتاجه عطاء أسرته الابداعي كماً وكيفاً من خلال نشاطه الادبي وكتاباته التي غطت صفحات أكثر من مطبوعة متخصصة وصحيفة .وقد أسعدني الصديق المهندس الدكتور شهاب محمد عبده غانم بإتاحة الفرصة وهو يعرف حماستي لكل ما هو غانمي الابداع بأن أشاركه في كتابه الجديد الموسوم بـ ( من شعراء الأغنية اليمنية) من خلال كتابة مقدمته .وفي البدء لابد أن أشير الى أنني قد استمتعت بالكتاب ومحتواه فقد أبحرت معه في بحر الأغنية اليمنية التي أعشقها وأتابع لسنوات تاريخها ومبدعيها والكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات نشرها الشاعر شهاب غانم في مجلة جواهر الاماراتية .. ليسترجع من خلالها صدى الايام الخوالي في صباه ويقدم من الذاكرة تاريخاً لا ينسى في عمر الانسان ويعترف كأكاديمي يعرف ماهية البحث والدراسة وأسسها - أن أسماء كثيرة من شعراء الأغنية اليمنية اللامعين قد غابت عن كتابه لأسباب كثيرة أهمها : عدم التواصل مع هؤلاء المبدعين ووصول نتاجهم إليه .والكتاب يتكون من خمسة أجزاء .. يبدأ الجزء الأول منه بشعراء الأغنية الصنعانية .. وما أدراك ما شعراء الغناء الصنعاني ولابد من السفر على متن أشعار محمد بن عبدالله شرف الدين صاحب أشهر الاغاني والاشعار:[c1]عليك سموني وسمسموني وبالملامة فيك عذبوني [/c]الى آخر الاغنية الخالدة في ديوان الاغنية الصنعانية .. ويسرد لنا وبأسلوب أدبي الدكتور شهاب غانم قصة القصيدة التي تغنى بها المبدع محمد مرشد ناجي وأكثر من فنان ولازالت تغنى وتعيش في وجدان أكثر من جيل .. ويستعرض في الجزء الاول عطاء مبدع صنعاني آخر لا يقل أهمية وقيمة عن محمد شرف الدين .. فيقدم شاعر ( زمان الصبا) القاضي أحمد الآنسي وهو من كتاب القصيدة الحمينية أيضاً .أما من أكد في أشعاره بأن صنعاء حوت كل فن .. الشاعر القاضي أحمد بن حسين المفتي .. فقد أسهب المؤلف في الكتابة عنه ، وأعطاه حقه من التقديم لإبداعه الذي تغنى به أكثر من فنان على مستوى اليمن والخليج العربي .. وتمتاز أشعار القاضي المفتي بالسلاسة ورقة التعابير .. والغزل الغزير المعاني غير المكشوف :[c1]يقرب الله لي بالعافية والسلامة وصل الحبيب الأغنمن حاز كل المحاسن والحلا والوسامة وكل معنى حسن[/c]أما الجزء الثاني من الكتاب فقد ضم شعراء الاغنية اللحجية .. أو لحج الخضيرة .. مدينة الفنون اليمنية الاصيلة والتي متى ما جاء ذكرها .. يقفز الى الذاكرة اسم أميرها الشاعر أحمد فضل العبدلي ( القمندان) الذي أرسى دعائم فن الغناء اللحجي .. وأسس أشهر بساتينها ( الحسيني) والذي قدمت فيه أروع الاشعار والألحان والاغاني وطاب السمر :[c1]وأنا بدار الحسيني عندي سفرجل ورمان بين البساتين مبني خلف القريش ورمان بانشترح في الحسيني في لحج في سعد رضوان [/c]وقد أعطى د. شهاب للمتلقي صورة من قريب عن عطاء القمندان الشاعر والفنان الاشهر في اليمن وبما قدم من أعمال لا زالت على شفاه المطربين ومحبي النغم الاصيل .. وأن يطرق في سطور جوانب مهمة في إبداعه من منظوره كشاعر غنائي يعرف الاسلوب الامثل لتقديم الكلمات الناجحة والمؤثرة .وعندما يذكر الشاعر القمندان .. وشعراء لحج الافذاذ .. فلابد أن يذكر تلميذه النجيب المبدع الذي كان أبوه أحد المغنيين في بلاط الامير القمندان .. (هادي) الذي طلب منه أن يغني نشيد أهل الوطن ( صوت الدان) كتأكيد على التمسك بالاغنية اللحجية .. لابد من تذكر صاحب الاشعار الوطنية التي ألهبت الجماهير اليمنية والعربية .. صاحب أغاني التحرير .. الشاعر المتعدد المواهب عبدالله هادي سبيت .. آخر فنان من جيل القمندان كما أفضل أن أطلق عليه .. فمن منا لايذكر :[c1]ياشاكي السلاح شوف الفجر لاححط يدك على المدفع زمان الذل راح[/c]والاغنية التي ندد فيها ببطش المستعمر البريطاني أبان الاحتلال لجنوب اليمن :[c1]ياظالم ليه الظلم ذا كلهكم نايم في العالم صحى عقله ياظالم لابد يوم باتندمباتعلم أن الكل بك يعلم[/c]وصاحب أحلى الكلمات الغنائية التي تغنى بها أظهر الفنانين في اليمن والخليج .[c1]تذكرته مع النسمة وشعره ذي يطير ويده يوم ما تمسك على ذاك الحرير[/c]ورغم أن د. شهاب غانم قد قدم الشاعر والفنان عبدالله سبيت خير تقديم في كتابه وباختصار مفيد .. إلاّ أنه أخطأ في نسب أغنية ( سألت العين) إليه كملحن رغم أنه أعترف في لقاء صحفي عبر جريدة الايام الاهلية الصادرة في عدن قبل عامين بأن الاغنية ليست له وإن تغنى بها في البدايات ونسبت له وهي ليست أيضاً من كلمات الامير محسن مهدي بل من أشعار وألحان فاطمة القمندان .ويحين في الجزء الثالث من الكتاب الموعد مع شعراء الاغنية العدنية ، وطبعاً يأتي الرائد ووالد المؤلف الشاعر محمد عبده غانم في الطليعة بعد أن قدم عام 9491م للفنان خليل محمد خليل - شفاه الله -أول أغنية باللهجة العدنية :[c1]حرام عليك تقفل الشباك والقلب ياصاحبي يهواكوالعين تنظر وتتمناك[/c]وتكر سبحة الاغنية العدنية من خلال ندوة الموسيقى العدنية بعد أن كادت تضيع وسط موج أغاني الجاليات فكان نصيب رائد الاغنية العدنية الفنان خليل محمد خليل من أغاني الشاعر غانم كبيراً ، فقدم كما أفادنا المؤلف إثنتي عشرة أغنية مختلفة :[c1]يا أهل الهوى يا أهل الهوىقلبي انكوىهل شيء معاكم لي دوا[/c]وغنى صديق المشوار الفنان سالم أحمد بامدهف أكثر من أغنية .. وكذلك الفنان محمد سعد عبدالله وآخرون .ويسجل لغانم ( الأب) إنه استطاع أن ينزل بأشعاره الى العامة والناس البسطاء ويقدم كلمات يفهمون معانيها وتعبر عن احلامهم ومشاعرهم بصدق .. رغم نجاحه وتمكنه في القصائد والاشعار الفصيحة التي نجحت عندما تغنى بها أشهر المطربين في ذلك الزمان الجميل .وعندما يكتب المنصفون عن تاريخ شعراء الاغنية العدنية فلابد أن يأتي ذكر الشاعر علي محمد لقمان خال المؤلف وسليل الاسرة الصحفية العدنية الرائدة أيضاً ( نزيل عصيفرة وشاعر الوتر المغمور) أهم الالقاب التي أطلقت عليه في حياته الادبية الحافلة بالعطاء :[c1]ياضبي وصله غلا يابدر في الساحل قالوا تكبر على عاشق ويستاهل دلا بنفسك دلا ماشي كما العاقل [/c]وقد لحن وتغنى بهذه الاغنية التي كانت باكورة أعماله في مجال الاغنية الموسيقار الراحل الدكتور أحمد بن أحمد قاسم .. وقد لايصدق المتابع أن من قدم أروع الكلمات والاشعار الجادة ..وقد كتب المنلوج بأسلوب ساخر ، وغنى له ( فؤاد الشريف ) أشهر منلوجيست في جنوب اليمن في الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي .. فقدم له :[c1]طلع طلع جني اصطرعبيري يبس .. دلوي انقطعكيف العمل .. كركر جمل[/c]وقد انصف المؤلف خاله وأبا زوجته .. وقال عنه الكثير في كتابه الذي أصدره عنه عام 2002م .أما الشاعر ( لطفي جعفر زمان) .. أشهر من كتب الاغنية العدنية الملحنة .. كما يقول الفنان الكبير محمد مرشد ناجي في لقاء جمعنا في صنعاء ..فالشاعر لطفي أمان كان يجيد الرسم والعزف على العود ويقدم أشعاره شبه ملحنة وسهلة للتلحين .. فقد قدمه الشاعر شهاب بأسلوب أمان في الكتابة الشعرية .. حيث يعتبر لطفي أمان من شعراء الاغنية العدنية الذين أرسوا دعائمها مع الرائد محمد عبده غانم :[c1]صدفة ألتقينا على الساحل ولا في حد صدفة بلا ميعاد جمع الهوى قلبينسمعت أبين على الامواج تتنهد [/c]ولا يمكن أن ينسى المرء تلك الاغاني الرائعة للمبدع أمان التي تغنى بها مطربو عصر النهضة أمثال محمد مرشد ناجي ، أبوبكر بلفقيه ، أبوبكر فارع ، سالم بامدهف ، عبدالكريم توفيق ، محمد صالح همشري ، إسكندر ثابت .ولم يقف إبداع أمان عند الاغنية العدنية .. بل تعداها الى الوطنية التي كانت تنشر الثورة والحماس في قلوب الشعب وتندد بالاستعمار وخططه وتنكيله بالوطنيين :[c1]أخي كبلونيوغل لساني واتهمونيلأني أقدس حريتي[/c]والشاعر لطفي جعفر أمان الذي غزا الفضاء من لندن شعراً وابداعاً لا يمكن أن ينسى.وقد استطاع د. شهاب غانم أن يعطيه حقه من التقدير في موجز متعوب عليه .وكان مسك الختام في شعراء الاغنية العدنية بالكتاب .. الشاعر ( علي أمان) الذي لا يقل شعره إبداعاً وأهمية عن شعر عمه الشاعر لطفي جعفر أمان .. الذي اعترف له بأنه أجرأ شاب عدني يغزو ميدان التأليف ويظفر بانتصارات شعبية كبيرة . أما الجزء الرابع من كتاب ( شعراء الاغنية اليمنية) فقد خصصه المؤلف بالكامل للشاعر والملحن الكبير السيد حسين أبوبكر المحضار .. وكأنه يلخص شعر الاغنية الحضرمية فيه .. وربما كان محقاً في ذلك بعض الشيء .. ولكنه لا يعني تجاهل إبداعات وحقوق الشعراء الآخرين .. فالاحقاف كما تسمى تاريخياً تحفل بالعديد من المبدعين في الشعر الغنائي .. وأجزم أن الصديق الدكتور شهاب غانم وقد اعترف بأن كتابة قد لا يشمل كل شعراء الاغنية اليمنية لأسباب عديدة نقدرها ونعرفها كمهتمين ومتابعين وإن لم يذكرها كباحث ولكننا نشاركه الرأي والحماس بأن المحضار أشهرهم ومن أهمهم ، فإبداعه تجاوز جغرافية اليمن والخليج الى العالم العربي :[c1]شلنا يابو جناحين إلي عند المحب حتى في الشهر ليلةباشكي حالي ويشكي بحالهالله يفك كل مرصون[/c]وقدم قدم المؤلف في هذا الجزء المحضار الشاعر والانسان عبر كلمات موجزة وصادقة .. لأنه وبصدق يحتاج الى دراسة واسعة على شكل أطروحة.أما الجزء الخامس والاخير في الكتاب فقد خصصه المؤلف الدكتور والشاعر شهاب غانم لتجربته الشعرية كأحد شعراء الاغنية اليمنية والخليجية الشباب الذين استفادوا من تجارب المبدعين السابقين في المجال .. وإن كانت تجربة شهاب الشعرية الغنائية قليلة أو مقلة : لأنه يوزع ابداعاته في أكثر من مجال بين تخصصه الدراسي والعلمي والعملي والشعر والكتابة النثرية والمحاضرات .. إلاّ أنه قدم أشعاراً ونماذج وأعمالاً ناجحة تغنى بها أكثر من فنان يمني وخليجي وعربي .. فقد تربى وعاش في أجواء كلها فن وطرب وإبداع ومطربون يقدمون ابداعاتهم وألحانهم في بيته ويتولى صغيراً خدمتهم وسماعهم والاستمتاع بإبداعهم :[c1]ولى الصبا ياحبيبيوأنت رافض وصالي وكنت فلي وطيبيكلك معطر وحالي[/c]وتجربة شهاب الغنائية تستحق الاعجاب فرغم تأخره في طرق هذا المجال الابداعي الذي لم يكن بعيداً عنه .. إلاّ أنه قدم أعمالاً تؤكد بأنه يدخل التجربة عن خبرة وإمكانيات فنية دفينة .وبعد .. يبدو أنني وبدلاً من أن أختصر وأقدم الكتاب والكاتب بأسلوب تقليدي جرت عليه العادة للمزيد من الاطلاع والاهتمام بمحتواه أو لفت النظر إليه .. وجدت نفسي وقد أبحرت في بحر أسلوب الدكتور شهاب غانم الشيق .. ونغمات وأشعار الاغنية اليمنية بإيقاعاتها المميزة من البحر الى البحر .. وبإسترجاع بأسلوب الفلاش باك لأصوات المغنين الرواد والمعاصرين الذين تغنوا بكل هذه الابداعات وأكتب بإسهاب عن الكتاب ومحتواه مستعرضاً ما فيه من جهد وإبداع يستحق القراءة والاهتمام .. جهد يشكر عليه مؤلفه الحريص على تقديم أعمال مميزة للتوثيق ليضيف الى إبداعاته عملاً يحسب له من أجل تسليط المزيد من الاضواء والدراسة على الاغنية اليمنية وروادها من شعراء وملحنين ومطربين .. فأعذروني للحماس والاطالة ولكنكم ستعذروني عندما تقرأون المحتوى بحماس وبلا ملل .