صباح الخير
علم الآثار علم واسع وتخصصاته متداخلة ومتشابكة إلى درجة كبيرة .. ويسهم هذا العلم بشكل مباشر في توضيح الهوية الحضارية لأية أمة من الأمم ، ومدى اهتمام هذه الأمم بحضارتها وتراثها ، ويعمل على تنمية روح المواطنة والوعي التراثي والتاريخي .. فالآثار ليس ماهو موجود تحت الأرض فحسب ، بل هو أيضاً ماهو فوقها من مبانٍ تاريخية وقلاع ومنارات وما يحدث لها من صيانة وترميم وإعادة توثيق .وإنفاذ الآثار وإعدادها للتوثيق والنشر العلمي وإعداد المخططات والمجسمات في المتاحف وجعلها معالم ثقافية بأيدي المسؤولين والدارسين والسياح لغرض استخدامها كمرافق ومنتزهات ومزارات بحاجة إلى تمويل مادي كبير ومتخصصين في علم الآثار والتوثيق وكوادر وطنية فنية ومؤهلة لتحمل مشاق المحافظة على معالمها التاريخية والتراثية وعلى صيانتها .واليمن لديها تشريعات تؤكد سيطرة الدولة ومؤسساتها على المرافق الأثرية والمعالم الثقافية والمتاحف التي تحكي الجوانب الحضارية المتعاقبة لليمن ..فاليمن أحد أهم مراكز الحضارات الإنسانية القديمة ، وبلغت شأناً كبيراً وأطلق عليها الرومان واليونان اسم ( العربية السعيدة ) ، فقد نشأت دولة سبأ وحضارتها المزدهرة منذ القرن العاشر قبل الميلاد ، وذاعت شهرة ملكة سبأ في الآفاق ، وورد ذكرها في القرآن الكريم وفي التوراة ، وقد استقرت عاصمة الدولة السبائية في مأرب ، وبني سد مأرب للتحكم في ري وادي آذنة .. ومن المواقع الأثرية المهمة لدولة سبأ نقش صرواح ، ومعبد المقة وعرش بلقيس . وإنه لمن المؤسف له أن يتم استهداف هذه الآثار القيمة ، ويزداد المرء حسرة وحيرة مع استهداف سياح أجانب ( حادثة السياح الأسبان ) كل رغبتهم تكمن في التمتع والاستمتاع بحضارة إنسانية عريقة والتعرف عن كثب على عادات وقيم الشعب اليمني ، صانع هذه الحضارات ، والمشهور باحترام السياح وبالكرم وحسن الضيافة . ولا غرو أنه لايمكن درء بعض الأعمال الإرهابية المباغتة التي تسيء إلى سمعة الشعب اليمني ، لكن كان لابد من أخذ المزيد من الاحتياطات الأمنية اللازمة للحفاظ على الوفود والسياح الأجانب من ناحية ، والحفاظ على التراث الإنساني من ناحية أخرى ، فترك الحبل على الغارب يسهل لمن سولت له نفسه المساس باليمن أرضاً وشعباً وباقتصادها وخيراتها.لقد كانت الضربة ( الإرهابية ) موجعة ، بيد أن الهوية الحضارية والمقياس الحضاري لليمن وعاداته وتقاليده وشيمه امتصت هذه الأزمة من خلال شجب هذا العمل الجبان من المشايخ والأعيان والشخصيات الاجتماعية ، بل ومن عامة الشعب اليمني واستفادت الدولة ورجالاتها من هذا الدرس الأليم لتخرج منه أكثر ثباتاً على تعزيز الهوية الثقافية اليمنية واحكام السيطرة على الجوانب الأمنية وترسيخ الأمان والاطمئنان ، ومحاسبة الإرهابيين ومتابعة فلولهم والقضاء على بؤرهم واستئصالهم.