لا سبيل إلى الحديث عن التنمية والإصلاح والتطوير من دون تأمين الحياة المجتمعية والظروف المواتية لاستتباب الأمن العام وانتظام المجتمع بكامله في وحدة شعورية ومادية قوامها الحق المكفول والواجب المبذول .ينبغي التعامل مع قضية الأمن والاستقرار باعتبارها المدخل الأول والحقيقي للتنمية والإصلاح الشامل .لأنه ومالم يتحقق ذلك فسوف نظل نخدع أنفسنا ونهدر المزيد من الوقت الثمين في مجهودات جسيمة يطمرها أو يجهز عليها دعاة الفتنة وآلات الإرهاب والعنف بأنواعه.ونرجو من عميق قلوبنا أن لا نمنح الجنون أو المجانين مساحة أكبر للمناورة وإضعاف صورة وهيبة وسلطة الدولة.مصلحتنا جميعاً ، أفراداً وأحزاباً وكيانات مدنية ومهنية ومجتمعات محلية، تقوم بالأصل والأساس على تأمين الجبهة الداخلية وتطهيرها من بؤر التوترات والاقلاقات الأمنية ومظاهر التمردات أو الخروج على الجماعة وسيادة القانون وسلطة الدولة والمؤسسات الدستورية .ليس هناك دولة في الدنيا ، تحترم نفسها وشعبها وتقدس واجباتها ووظائفها الدستورية والأخلاقية ، سوف تقبل على نفسها انتهاك سيادة شعبها وأمنه وسلطاته المدنية من قبل فرد أو أشخاص أو جماعة مهما كانت .وإلا شجع ذلك على مزيد من الانتهاكات والخروقات وقلص من إمكانات قيام سلطة مدنية ومجتمع مدني يؤمن بالحياة والتنمية ويتطلع إلى حكم المؤسسات والاحتكام لسلطات القانون وسيادته.إننا إذ نمارس نوعاً مشهوداً من التعقل الافتراضي في التعامل مع قضايا شائكة وخطيرة بحجم الإرهاب والتمرد ومواجهة الدولة ورفع السلاح وممارسة أعمال البلطجة والقتل والاستهداف المتواصل لحياة الناس من المواطنين والسكان والوجهاء ورجال الأمن وأفراد القوات المسلحة فإننا نعطي أو نمنح المجانين وأشباهم من أنصاف العقلاء وأصحاب الطموحات المجنحة تصوراً خاطئاً مفاده أن الدولة ليست قوية أو قادرة بما يكفي على بسط سيادة القانون وهيبة الدولة وفرض السلطات الدستورية والمدنية والقانونية على كامل تراب وخارطة البلاد .ليست هذه دعوة إلى التخلى عن الليونة أو المرونة والحكمة في التعامل مع القضايا الأمنية والمظاهر الاختلالية المشابهة لما يحدث في بعض مناطق محافظة صعده ، مثلاً ، منذ أربعة أعوام .ولاهي دعوة مماثلة إلى اعتماد حكمة القوة لوحدها وفض المساعي الحوارية والجهود الصادقة والدؤوبة لأنهاء حالة التمرد وفعل الفتنة هناك بطريقة الحوار أو التفاوض والوصول إلى إتفاقات وحلول توافقية بالتراضي وعن قناعة والتزام حقيقي من كافة الإطراف .إنما علينا مراجعة سلوك هؤلاء خلال الفترة الزمنية الماضية ومدى الالتزام الذي يبدونه للحوار ونتائجه ومقرراته وإنفاذ بنود الاتفاقات الموقعة .لأنه أمر غير محمود ولا طبيعي أن تظهر الدولة والسلطة الدستورية بمظهر الراضخ والمسارع إلى الحوار والالتزام بمهادنة أو مداهنة كافة خروقات ومخالفات وجرائم واعتداءات جماعة مسلحة نصبت نفسها زداً للدولة وطرفاً مناوئاً أو مكافئاً لها .ومالم تفرض الدولة هيبتها وسلطاتها وسيادة القانون والدستور والمؤسسات فلن يتورع هؤلاء أو غيرهم عن ملاحقتنا جميعاً بمزيد من الخروقات والترهيبات والجرائم المماثلة ومحاولة إسكات وإخراس الأصوات والعقول والأقلام المتحالفة ضد الإرهاب والقتل والفتن الملونة الملعونة .بكلمات قليلة موجزة نقول ونكرر: إن قوة الحكمة ليست شيئاً من دون قوة القانون والمؤسسات والدولة والسيادة.وإذا كان البعض قد يفهم أو يقرأ المرونة أو الرغبة التي تبديها الدولة في إنهاء المشاكل العالقة والمتفجرة بالحوار وبطريقة تفاوضية تحصن الدماء وتحيد القوة قد يفهمها على أنها ضعف أو عجز ، فإن الدولة ادعى إلى حملهم على احترام لغة العقل والحوار واستيعاب حقيقة أن الأمر ليس كذلك ضعيفاً أو عجزاً ، بل جنوحاً إلى السلم على أن العبرة كلها متوقفة، هنا ودائماً ، على مدى فهم والتزام هؤلاء بالحوار .
حتى لا تتخلى الدولة عن واجباتها أو تنتقص هيبتها
أخبار متعلقة