استطلاع : نادرة عبد القدوس / تصوير : ميلاد الزعبي تُعد محافظة إربد في المملكة الأردنية الهاشمية ثاني أكبر مدن المملكة بعد العاصمة عمّان بالنسبة لعدد السكان ، وهي تبعدها بنحو (70) كم شمالاً وأكثر مدن المملكة تنوعاً وتميزاً في البقايا الأثرية ، التي تنتشر في مختلف مدنها وقراها وحقولها على شكل تلال أو مبانٍ أو لقى سطحية كالفخار والصوان ، ويرجع بعض هذه الآثار إلى العصر الحجري القديم والحديدي منذ نهاية الألف الثاني وخلال النصف الأول من الألف الأول ق . م وانتهاءً بالفترة العثمانية التي شهدت الزوال في منتصف القرن المنصرم . [c1]تل أربد[/c] تل إربد هو أحد تلال محافظة إربد ( طبقة فحل وتل زرعة وتل السعيدية وتل الخرز وتل الساخنة وقويلبة وسال ) التي تمتد إلى آلاف السنين ، مشكِّلة مواقع تاريخية تدهش لها الأبصار وتذهب بالألباب . وتل هو قصة تشكيل الحضارة عبر العصور . وكما جاء في دليل متحف دار السرايا ، إنه «مع بداية نشوء المدن في نهاية الألف الرابع ق . م أخذ الأردني القديم يحصن مواقع سكناه بالأسوار الحجرية التي أحاطت بالبيوت والقصور والمعابد ، وكلما دعت الحاجة أعيد بناء هذه الأسوار بالاستفادة من الأساسات القديمة. أما داخل الأسوار فقد كانت الأبنية تبنى بأساسات حجرية ثم تقام الجدران من اللِبن ، وعندما تهجر هذه الأبنية تتحول مع سقوط الأمطار إلى طبقة طينية فوق الأساسات. ومن جديد يبدأ الناس بتشييد أبنية على الطبقة الطينية القديمة بعد تمهيدها وهكذا ترتفع المدينة شيئاً فشيئاً عبر القرون.ويعرف علماء الآثار التل بطبقاته الحضارية التي تتراكم فوق بعضها انطلاقاً من الأرض الصخرية حتى اليوم». ومع انتشار الوعي بأهمية الآثار وتوفر مواد البناء الحديثة توقف الأردنيون عن انتزاع الحجارة من آثار حضارتهم القديمة. وامتد تطور تل إربد الحضاري بدون انقطاع حتى القرن السابع. وغطت طبقات التل الحديثة أسوار المدينة القديمة التي بنيت من كتل بازلتية ضخمة ما زالت أجزاء منها ظاهرة حتى اليوم.[c1]متحف دار السرايا[/c]
أحد التوابيت التاريخية في الساحة
لفت نظرنا مبنى يقع على قمة تل إربد , إنه متحف دار السرايا. ويضم مُصنّعات قديمة يعود تاريخها إلى العصر الحجري ، كالفخاريات والأدوات الحجرية والعظمية والأواني المزخرفة والتماثيل ولوحات الفسيفساء وأدوات الإنتاج الزراعي والمنزلي . ولكن ما قصة هذا المبنى الأثري قبل أن يتحول إلى متحف يحوي هذه المكنونات التاريخية العظيمة ؟ للإجابة على هذا السؤال التقينا الأخت عالية خصاونة أمينة متحف دار السرايا والتي رافقتنا في تجوالنا في غرف ودهاليز المتحف لتشرح لنا مقتنياته الرائعة ، إذ تقول : «كان المبنى في الأصل قلعة بناها العثمانيون في منتصف القرن التاسع عشر فوق الطرف الجنوبي لتل إربد ، وقد نُقلت حجارته من أمكنة قريبة، وهناك حجر يحمل نقشاً يونانياً ، وكانت القلعة مهدمة ومهملة ، وكما يبدو من المذاود الإثنتي عشرة أن وظيفة القلعة في الأصل كانت إيواء الرعاة ومواشيهم والجنود أحياناً في فصل الشتاء ، وفي نهاية القرن التاسع عشر تحولت القلعة إلى مقرٍ جديد للحاكم العثماني (السرايا ). ومنذ ذلك الحين طرأت الكثير من التعديلات والصيانة للمبنى وأضيفت إليه بعض الجدران والوحدات وقد استخدم كسجن حتى عام 1994م ، حيث استملكت المبنى دائرة الآثار العامة وحولته إلى متحف بشكله الحالي». واستطردت أمينة المتحف قائلة : « يتألف الطابق الأرضي من ستة عقود وصالة وعشر غرف ومستودع ويتكون الطابق العلوي من 14 غرفة مختلفة المساحات ». [c1]قاعات العرض في المتحف[/c]بعيون نهِمة ودهِشة تجولنا مع الأخت عالية الخصاونة في ساحة وقاعات المتحف ، نستمع بشغف إلى شرحها حيث تستعرض قائلة : « تتألف قاعات متحف دار السرايا من سبع قاعات ، تشكل ست منها جزءاً من المبنى العثماني الأصلي ، المكون من عدد من الغرف التي تحيط بساحة مكشوفة ، وضعت فيها قطع حجرية كبيرة على شكل توابيت ، على الأغلب وجدت في تل إربد وتعود إلى الفترة الرومانية . وزعت المعروضات في ثلاث قاعات كبيرة حسب التسلسل الزمني للمراحل التاريخية الحضارية للآثار الأردنية المعتمدة عالمياً ، وهناك ثلاث قاعات أخرى خصصت لمواضيع أخرى منها التعدين الحجري والبرونزي والمنحوتات من أم قيس وقويلبة ، وقاعة الفسيفساء وفيها نماذج جاءت من إربد ، وهي تعرض لأول مرة». وبفخر اختتمت الخصاونة شرحها لنا قائلة : «لهذا المتحف أهمية خاصة إذ تم استخدامه كمتحف وهو بذاته يتحدث عن حقبة تاريخية هامة ، لهذا فهو يُعد صرحاً حضارياً لمحافظة إربد» . [c1]بيوت تل أربد[/c]مدينة إربد ، عروس الشمال ، تقدر مساحتها مع ضواحيها بحوالي 160 كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة . يعود معظم المباني في مدينة إربد إلى أواخر الفترة العثمانية وتشمل البيوت والمباني العامة كمتحف دار السرايا ومتحف بيت عرار (شاعر الأردن مصطفى التل ). ومدرسة حسن كامل الصباح ، وعدد آخر من المباني التراثية المتأثرة بالطراز الدمشقي ، إذ لعب سكان إربد من أصول دمشقية دوراً حيوياً في تكوين نسيجها الاجتماعي والاقتصادي. والأردنيون الذين أموا دمشق عادوا إلى مدينتهم وفي ذاكرتهم البيوت الدمشقية كالشاعر عرار الذي درس هناك في منتصف القرن العشرين ، وكان بيته واحداً من البيوت المبنية على الطراز الدمشقي الجميل. وفي أسفل تل إربد تقع سوق شعبية فيها تباع الأدوات المنزلية والمواد الغذائية والأعشاب الطبية والبن والشاي والملابس والمنتجات الشعبية من الفخاريات والخشب وغير ذلك من المصنّعات والمنتوجات التي يتزاحم الناس عليها لاقتنائها، وقد ذكرتني هذه السوق بالسوق الطويل في مدينة كريتر بمحافظة عدن.