قصه
د. علوي عبدالله طاهربعد ان انتهت زيون من الكنيس داخل البيت قبل الظهيرة، دخلت إلى العريش الواقع في اسفل الدار للعناية ببقرتها (جمعة) التي هي اعز ماتملك، بل انها لأتملك سواها، كانت ( جمعة) وقتها في حالة مخاض توشك ان تلد عجلة، فدخلت الى العريش لمساعدة البقرة، ولما كان العريش مظلماً أخذت معها سراج الكيروسين لكي تستضيء به، في ذلك العريش المظلم، فوضعت السراج في زاوية من زوايا العريش خلف البقرة لتتمكن من مراقبة البقرة عند الوضع، ومساعدتها في ذلك، غير ان البقرة كانت قد تراجعت الى الخلف، فحركت ذيلها وأسقطت السراج، مما تسبب في إشعال النار داخل العريش لوجود بقايا الحشائش الجافة في أرضيته.خافت زيون على بقرتها وعلى دارها من ذلك الحريق المفاجئ، فخرجت مسرعة تجري لتأخذ جرتها، وتطفئ الحريق، ولكنها فوجئت بخلو الجرة من الماء، ثم جرت نحو القرية وهي تصيح: حريق حريق، حريق بيتي حرقت ياناس، يابقرتي، يابقرتي، سمعتها جارتها مريم تصيح فهرعت مسرعة، تحمل جرتها لتطفئ الحريق، لكن الحريق لم ينطفئ لقلة الماء، واتساع انتشار الحريق، وماهي الا لحظات حتى توافدت نساء القرية بجرارهن بعدما شاهدن الدخان يتصاعد من دار زيون، ثم افرغن جرارهن جميعاً حتى انطفأ الحريق بينما زيون بقيت في حالة ذهول لما جرى وفي الوقت الذي كانت نساء القرية يحاولن اطفاء الحريق كانت زيون مشغولة ببقرتها وخائفه عليها من الاختناق لكثرة الدخان المتصاعد في مكان خال من النوافد بإستثناء فتحات صغيرة مغطاة باحجار صغيرة تحجب الريح في ليالي الشتاء القارس وقد نجحت زيون في انقاذ البقرة وابعادها عن خطر الحريق، او الموت اختناقاً ولكنها لم تر العجل الذي ولدته البقرة في اثناء انشغالها والنساء بإطفاء الحريق، غير ان خوار البقرة المتزايد اثار انتباهها وذكرها بالعجل لان البقرة كانت في حالة وضع قبل اشتعال الحريق، فعادت زيون على الفور الى حيث كانت البقرة، فوجدت العجل مغمى عليه يكاد يموت اختناقاً فحملته وخرجت به الى حيث الهواء الطلق بجوار البقرة.حدث ذلك في وقت كانت البلدة تشكو الجفاف لانعدام المطر، ونضوب مياه الشرب في الابار، حيث كانت المرأة تمضي وقتاً طويلاً بجوار البئر، تنتظر تجمع القطرات حتى تملئ جرتها، عندما يأتي دورها بعد يوم او يومين، فكيف الحال وقد فرغت الجرار جميعها بسبب الحريق. كان الوجوم قد خيم على نساء القرية جميعهن، لخلو الجرار، وجفاف الآبار فوجدت النساء صعوبة في الحصول على الماء.قالت سلمى لزيون: سامحك اله يامكلف، كلفتينا ذا الحين نفرغ حقنا الجرار، من شان نطفي حقك الحريق، ايش صنف لك تلصي السراج في عز الظهر؟ معك جاز تلعبي به!-سامحيني يا اختي، مو اني داري انه شسوي كذا ! اني لصيت السراج من شان أشوف البُقري ايش فيبها بعد ماسمعتها تناهر، مواني داري انها تزابط ومنشها طالع نازل، لما قلبت السراج، كان الدار كله شيحرق سامحني يا اخواتي كثر الله خيركن مو برضائي اتعبتكن جزأكن الله خير جراركن كلهن فرغت بسببي، والدنيا نزف ان شاء الله ربي يعمل مطر، وينزل سيل، واروح اني انتن اليوم نغرف كلنا من ألبير، ان شاء الله مايأتي العصر الا والسيل قده بالوادي.-ان شاء الله من لقفك للسماء، مانحن ياختي ماع نقدرش للنزاف، تعبت رجولنا، نجري بعد الماء من مكان لامكان مرة من الاصم، ومره من وادي الاجروم، ومرة من العادية هل تصدقي ان هذي الجرة رحت أجيبها من مائلة، أمسيت طول الليل ازقي، وماعاد اجا دوري الا والحريم يناتعني مناتعة كلهن يشتين يزقين بعدي لكن ان شاء الله تكن هذه الجرة مزنه يقولوا نعم انه اذا جبتي الماء من مكان بعيد وبعدين سكبتيه من ليما يكون نزف، ذاك اليوم ينزل مطر، تقل صدق والا كذب؟!-الله يا اختي ما اقول لك إلا خير، ان شاء الله يكون الماء اللي طفينا به الحريق مزنه كما تقولين اما المطر قد تاخر السنة ذي تتدخل عيشة، مقاطعة حديثهن، بكرة نعم علوان صالح بيأخذ العيال وبيطلعهم يزتموا ظفار عند الوشلي، يقول ان الوشلي يشتي عادته.-جني شلك انت والوشلي حقك:-الوشلي هو نفسه- كما يقولوا- جني، بيشلك انت.-هيا اوبهي يصفعك.-يقولوا انه من عادته ان يذبحوا له غنمة شيبة، يطلعوها الى المنار فوق ظفار، ولو مارضوش، يمنع عنهم المطر.-ماقدره يمنع المطر؟ ليش هو ربنا؟-يقولوا نعم، انه ينفخ السحابة عندما يزعل من الناس. وان علوان صالح قد ترأى بالليل انه شافه يصيح، وهو ينفخ السحابة، ويقول (قطع العادة عداوة). وتشارك في الحديث فاطمة مرشد، قائلة: هياتشتوا الصدق، اني باقول لكم ليش اتأخر المطر هذه السنة. السبب ان السيد عبدالله ماكتبش سورة الواقعة على الدبية مثل كل سنة، ويعلقها على شجرة الخصالي بالوادي. هيا يامريم خذي الدبية واعطيها للسيد، وقولي له اكتب سورة الواقعة على الدبية وخلي العيال يعلقوها على شجرة الاثابي هذي المرة من شان ينزل مطر كثير.وترد عليها زيون قائلة: هيا هاتي الدبية باصلح فيها حقين، مادام البقري قد ولدت اليوم، وبايقع خير، ذاكي السحابة بالمنار، ان شاء الله يكون هذا العجل بشارة خير، مابتدروا الا والسيل بالوادي سمعت السيد عبدالله يقول انه امس الجمعة قال للناس في المسجد يتجمعوا اليوم في قحفة العدوف من شأن يصلوا صلاة الاستسقاء، والناس كلهم ذاكم قدهم متجمعين يستغفروا الله، والعيال الصغار يهللوا، وان شاء الله ربنا يرحمنا، ويغيثنا بالمطر اليوم هذي، خينا ربي شرحم العجل هذا اللي خلق وسط الحريق.