أضواء
يبدو أن الكويت ستعيش تأزيماً دائماً في مشهدها السياسي الذي بات أطرافه عرضة لاستقطابات يحركها من يريدون النيل من نظامها الديمقراطي، وبث اليأس والقنوط في نفوس شعبها، بحيث يطالب هذا الشعب هو بذاته وبإرادته الحرة برفع شعار بات رائجاً هذه الأيام وهو: «الحل في الحل»! وبالطبع ما يقصد بهذا الشعار هو أن وضع حد لحالة التأزيم الدائمة التي تعيشها الكويت منذ مدة لا يكون إلا في حل مجلس الأمة! وهذا الحل بات البعض يطرحه كحل دستوري يعود فيه المجلس بعد انتخابات تتم عقب شهرين، ويعلل هذا البعض ذلك بأنه قد يكون الحل الدستوري طريقاً إلى انتخاب مجلس أفضل يكون فيه نوابه أكثر واقعية بحيث يعتبرون بما حل بزملائهم الذين رفعوا عقيرتهم عالياً فلم يفلحوا في العودة إلى كرسي النيابة! بيد أن الوقائع لا تؤيد تفاؤل هؤلاء، ففي الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل عدة أشهر فقط (مايو الماضي) عاد أصحاب النبرة العالية وحقق البعض منهم فوزاً كاسحاً! ويعني آخرون بأن «الحل في الحل» هو التخلص من مجلس الأمة والحياة النيابية ووقف العمل ببعض أحكام الدستور، وقاعدة هؤلاء آخذة بالتزايد والاتساع بعد الجمود المتواصل الذي تعانيه الحياة السياسية في الكويت منذ مدة طويلة تكاد تلامس العقد من الزمان، والعجيب أن أحد أعضاء مجلس الأمة هو حسين القلاف (المعمم الوحيد من بين أعضائه) قد تجرأ وطالب سمو أمير دولة الكويت باللجوء إلى هذا الخيار مدفوعاً بمعارضته لاستجواب قدمه ثلاثة من أعضاء مجلس الأمة من التيار السلفي لرئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد. والفريق الأخير يضم أولئك الذين لا يريدون للديمقراطية خيراً ويعملون بكل وسيلة للتخلص منها لأسباب كثيرة فضلاً عن قطاع كبير من المواطنين الذين سئموا من الصخب السياسي، فهم يسمعون جعجعة ولا يرون طحناً، فإنجازات المجلس الرقابية والتشريعية قليلة قياساً بالهالة التي خلقت حوله، بيد أن هؤلاء شأنهم شأن الداعين إلى الحل الدستوري لا يمكنهم الحكم بأن خيارهم هذا سيجلب الهدوء والسكينة إلى الكويت بحيث تنطلق في رحاب التنمية الفسيح، إذ السوابق التاريخية لا تؤيد هذا الرأي. فالحل غير الدستوري الأول الذي وقع في العام 1976 أنتج لنا أزمة سوق المناخ التي لاحت بوادرها في كساد سوق الأوراق المالية الأول بعد سنة واحدة من الحل لينتهي به المطاف إلى تلك الأزمة التي عصفت بالبلاد في العام 1982 والتي مازالت آثارها باقية في برنامج المديونيات الصعبة، أما الحل الثاني، الذي جاء بعد عقد من الأول أي في العام 1986 كانت نهايته مأساوية بالاحتلال العراقي لدولة الكويت! إن القشة التي قصمت ظهر البعير أو التي ستقصمه هي سماح وزارة الداخلية لدخول الشيخ محمد باقر الفالي، وهو رجل دين إيراني إلى الكويت في الأسبوع الماضي، واعتراض بعض النواب من الاتجاه السلفي على ذلك بقيادة النائب الدكتور وليد الطبطبائي، بدعوى أن هذا الشخص عليه ملاحظات أمنية، وأنه دخل الأراضي الكويتية رضوخاً لتوسط المتوسطين من النواب القريبين من تياره! وهدد هذا النائب وزملاؤه رئيس مجلس الوزراء بالاستجواب إن لم يغادر البلاد فوراً! وقد ردت وزارة الداخلية بأن الشيخ الفالي لديه إقامة صالحة إلى العام 2011 ووعدت بإمهاله بضعة أيام للخروج من البلاد. غير أن ذلك الجواب لم يشف غليل النائب وليد الطبطبائي وزميليه من التيار السلفي وهما عبدالله البرغش ومحمد هايف من التقدم رسمياً يوم الثلاثاء الفائت بطلب استجواب لرئيس الوزراء مما أدخل البلاد فعلياً في نفق مظلم لا يعرف أحد مداه، وبالطبع، فلا أحد في الكويت يصدق بأن المسألة هي مسألة هذا الشيخ، أو أنها متعلقة بهفوة وزارة الداخلية، خاصة أن الوزارة قد صرحت بأن الرجل سيتم ترحيله، وإنما هي مظهر آخر من مظاهر الصراع الخفي بين أقطاب متجاذبة في الكويت. ولم تكن هذه الأزمة هي الوحيدة في الكويت هذا الأسبوع، بل لقد مرت بسابقة تاريخية قل نظيرها، إذ أغلقت بورصة الكويت في وسط تداولاتها يوم الخميس الفائت بأمر من المحكمة الكلية التي قضت بذلك مبررة حكمها بالمحافظة على أموال المتعاملين بالسوق، ريثما تنظر المحكمة في دعوى مرفوعة من مجموعة من المحامين بهذا الخصوص. وقد قوبل حكم المحكمة بسيل من الانتقادات من وزراء الحكومة ومن النواب ومن كتاب الزوايا والكثير من الاقتصاديين الذين رأوا بأن ليس من اختصاص القضاء تناول قضايا تمس سيادة الدولة وسمعتها ومكانتها الدولية، وبالتالي فقد قدمت استشكالاً (وهو عبارة عن طلب مهلة) في أول يوم عمل في هذا الأسبوع تم بموجبه إعادة السوق إلى حين النظر في القضية في ديسمبر المقبل. الجميع في الكويت متشائمون من تطور الأوضاع، فلا الحل غير الدستوري كما تفيد السوابق التاريخية يحل المشكلة ويهدئ الحياة السياسية، ولا الحل الدستوري أيضاً سيقنع الأطراف بتركها ما تعودت عليه خلال العقد الأخير من تصعيد غير مبرر، الجميع في الكويت يعتقد بأننا في أزمة لا نعرف السبيل للخروج منها.[c1]*عن / صحيفة (البيان) الإماراتية[/c]