مشاهد من بعض الكوارث
جوهانسبرغ / متابعات :في المستقبل غير البعيد، لنقل بعد حوالي 15 عاماً ربما، وهو الوقت الذي يتوقع أن تتضاعف فيه أثار تغير المناخ عشر مرات، سيأتي اليوم الذي سيضطر فيه المجتمع الإنساني لتوفير الماء والغذاء لملايين الأشخاص المتضررين من الجفاف في إفريقيا، والاستجابة لاحتياجات بضع آلاف من المتأثرين بإعصار في آسيا، والتعامل مع كارثة “هايتي” مرة أخرى - كلها في الوقت ذاته. وفي ظل هذا الاحتمال القاتم، تساءل راندولف كينت، مدير برنامج المستقبل الإنساني في جامعة كينغز كوليدج بلندن والمشارك في كتابة “الآفاق الإنسانية: دليل الممارسين للمستقبل”، قائلاً: “هل نتوقع أن يتمكن المجتمع الإنساني من التأقلم مع كل هذه المتطلبات؟”. ويرد الدليل على هذا التساؤل مشيراً إلى أن التعامل مع كل هذه المتطلبات في نفس الوقت لن يكون ممكناً ما لم يُعِد المجتمع الإنساني خلق نفسه من جديد. غير أن التغير قد بدأ بالفعل وأصبحت الآراء القديمة المتداولة حول كيفية التعامل مع الكوارث تواجه تحدياً كبيراً، حيث أشار الدليل إلى أن “الأنشطة الإنسانية لم تعد مقتصرة على الاستجابة المباشرة للطوارئ والتعافي في مرحلة ما بعد النزاع”.كما أن المجتمع الإنساني حاول على مدى فترة من الزمن معالجة “أسباب ونتائج الكوارث ما أدى إلى زيادة عدد التدخلات الإنسانية التي أصبحت تبدو أكثر فأكثر كأنها أنشطة تنموية تقليدية”.وقد توقع كينت والكاتب المشارك في الدليل، بيتر ووكر من مركز فينشتاين الدولي بجامعة تافتس بالولايات المتحدة، ظهور “نزعة إنسانية جديدة” ستتوسع فيها الأجندة الإنسانية لتشمل شؤون الحكم وسبل العيش والأمن والحماية الاجتماعية وغيرها من الأنشطة التنموية. وسيصبح معالجة الضعف وقابلية التعرض للضرر محور التركيز الأساسي. كما يتوقع الدليل أن تصبح حكومات البلدان النامية، لاسيما في آسيا، أكثر انخراطاً في البرامج القومية للحماية الاجتماعية والسعي للحصول على الدعم المفتوح. وقال ووكر أن المنظمات الإنسانية المحلية ستتمكن في هذا السياق “من النمو في حين ستضطر المنظمات الدولية لتصبح أكثر استعداداً لاتباع قيادة فروعها المحلية”.من جهته، أفاد بول هارفي، وهو مستشار مساعدات إنسانية، أنه يتوقع عودة ظهور سيادة الدولة في التصدي للكوارث. وأشار إلى أنه على مدى السنوات تحول تدفق المساعدات الإنسانية لحكومات البلدان النامية إلى المنظمات الإنسانية. غير أن “الأموال بدأت مؤخراً تتدفق إلى الحكومات مباشرة مع ظهور دول مثل إندونيسيا والهند والصين قادرة على الاستجابة للكوارث الطبيعية”.كما اقترح الدليل أن يتم إنشاء منظمة إنسانية جديدة ثلاثية الأطراف، يتم تكريس أحد أطرافها لتقديم المساعدات غير المنحازة والنزيهة إلى جميع المناطق المتأثرة بالصراع، في حين يتكفل الطرف الآخر بتقديم المساعدات الإنمائية في مناطق من العالم حيث ينتشر الفقر مع وجود دولة مستقرة أما الطرف الثالث فيركز على الدول غير المستقرة والهشة المعرضة للكوارث والأزمات. ماذا تحتاج المنظمات الإنسانية للتكيف؟ سؤال سألته شبكة الأنباء الإنسانية “إيرين” لووكر الذي أجاب عنه قائلاً: “هناك أمران... أهمهما أن تصبح أكثر وعياً بالسياق المحيط بها وأن تعتمد أكثر على الدلائل والوقائع بدل الروايات. لقد شهدنا فيما قبل انجرافاً نحو المبالغة في القلق من المساءلة المالية والاهتمام الشديد بتنفيذ العقود الحكومية والوفاء بالمعايير الداخلية. كل هذا يحتاج إلى أن يتوازن مع تعزيز أكبر للواقع المحلي ما يعني منح المزيد من السلطة للمؤسسات في الميدان”.وأضاف: “أما الأمر الثاني يتمثل في أنه في كثير من الأماكن، كما هو الحال مع نظام الأمان في إثيوبيا، سينبغي على المنظمات الإنسانية أن تختار بين أن تكون طرفاً مستقلاً في حالات الطوارئ أو شريكاً طويل الأمد للأنظمة الحكومية في تقديم الرعاية الاجتماعية. فالأمر لا يتعلق هنا بالخطأ والصواب، فكلا الخيارين مشروع، ولكن كل منهما يستدعي نوعاً مختلفاً جداً من المنظمات”. وأشار كينت إلى ستة أفكار مفيدة للمنظمات: 1. أن تصبح أكثر توقعاً لما قد يحدث حتى تحتاج لوقت أقل في التخطيط.2. أن تصبح أكثر تكيفاً ومرونة .3. أن تفكر في التعاون مع العلماء والأكاديميين من أجل تحسين القدرات التحليلية وتوسيع نطاق فهم تعقيدات المجتمعات المحلية والحصول على منظور جديد للسيناريوهات المحتملة في المستقبل.4. أن تنخرط في المزيد من التعاون مع قطاع الشركات والمؤسسة العسكرية. “فالجيش يمضي 90 بالمائة من الوقت في التحليلات الإستراتيجية”.5. أن تواكب الابتكارات مثل ابتكار بلامبي نت Plumpy\’nut، وهو الغذاء العلاجي الجاهز للاستخدام الذي أحدث ثورة في معالجة سوء التغذية الحاد لدى الأطفال.6. أن تتميز بالمزيد من القيادة الإستراتيجية مع تبني رؤية واضحة. وأشار كينت إلى أن المجتمع الإنساني انتقل من المناهج “الأخلاقية المرتكزة على الدعوة” إلى الإدارة. لقد حان الوقت للعودة إلى الدعوة وامتلاك رؤية محددة.وعلق كينت على كيفية تأثير كل هذا على الأمم المتحدة بقوله: “عموماً، أشعر أنه عندما يتعلق الأمر بالشؤون الإنسانية، يجب أن تصبح الأمم المتحدة مسؤولة بشكل أكبر عن وضع المقاييس والتنسيق والتسهيل والتحفيز على الابتكار وأن تدافع بشكل فعال ونشيط عن إمكانية الاستضعاف والقابلية للضرر في المستقبل والحلول المقترحة لذلك”.