استطلاع : نادرة عبد القدوس في بيت يقع على الطرف الجنوبي لتل مدينة إربد الشهير ـ تقع على بعد 70 كم شمال العاصمة الأردنية عمان، وتعد ثاني أكبر مدن المملكة الأردنية بعد العاصمة ـ عندما كان هذا التل يشكل قلب المدينة، ويشرف على العديد من مساحاتها الخضراء الشاسعة، في 25 مايو عام 1899م ولد الشاعر الأردني الكبير مصطفى صالح وهبي التل أو الشاعر عرار)، كما لَقب نفسه تيمناً بابن الشاعر العربي (عمرو بن شأس الاسدي) الذي يقول في ابنه عرار : أرادت عرارا بالهوان ومن يرد [c1] *** [/c] عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم وقد بنى البيت والد الشاعر في أوائل القرن التاسع عشر على الطراز المعماري العربي الشامي الإسلامي، الذي كان سائداً آنذاك، بالحجر الأسود والأبيض. ويتكون البيت من سبع غرف، يتوسطها فناء سماوي فيه ممرات وأحواض تنمو فيها الأشجار والأزهار.وفي مقدمة باب البيت تقف بشموخ، مستقبلة الزوار شجرة التوت الضخمة الملتفة الساق بشكل إبداعي رباني خلاّق، يربو عمرها على المائة عام. وفي قلب الفناء قبر مهيب، هو قبر وضريح الشاعر الأردني عرار وقد تم نقل رفاته في 31 /3/ 1989م إلى البيت بعد أن دفن جثمانه في تل اربد. كان الشاعر عرار عاشقاً للأردن لذا فإن أشعاره كانت جلها تتحدث عن جمال وتاريخ الأردن وعن شهامة شعب الأردن.. يحدثنا عنه الأخ محمد علامة مشرف متحف بيت عرار قائلاً : «كثيرة هي الرموز الشامخة في الوطن (الأردن) كشموخ أعمدة «البتراء» و«جرش»، والشاعر عرار أحد هذه الرموز الشامخة، سكن في هذا البيت التراثي العريق الذي يمثل الحب والأصالة، ونحن فيه نعيش اليوم دفء ذلك الزمان الذي عاشه الشاعر وأسرته ونستشعر جمال تلك الأيام».ويضيف محدثنا الذي التقيناه من دون تحديد موعد مسبق، حيث كنا في جولة في أرجاء المدينة الخلابة وأزقتها التاريخية وأسواقها القديمة، فعرجنا على المتحف كغيره من المتاحف والأماكن التاريخية في المدينة التي أسَرَتْنا : « لقد تحققت وصية الشاعر عرار في جعل ضريحه مزاراً للمهتمين والسياح، حيث قال في إحدى قصائده : يا أردنيــات إن أوديتُ مغتـــرباً [c1] *** [/c]فانسجنها بابي انتن أكفــــانـــي قلن للصحب واروا بعض أعظمهِ[c1] *** [/c]في سفح اربدٍ أو في تل شيحـان وهاهو ضريح الشاعر أضحى مزاراً كما أراد ، وقد تبرعت بالبيت شقيقات الشاعر للحكومة الأردنية ممثلة بوزارة الثقافة ، ليغدو متحفاً وموئلاً ثقافياً تخليداً لذكراه ، إذ تقام فيه الأمسيات الشعرية والقصصية وملتقى الأدباء والمفكرين الأردنيين والعرب ، كما تنظم في أروقته المعارض الخاصة بالفنون التشكيلية».
ضريح الشاعر عرار
[c1]الشاعر عرار الوطني والقومي الفذ [/c] للشاعر مواقف بطولية عديدة يحدثنا عن بعضها مشرف بيت عرار قائلاً : « للشاعر مواقف وطنية وقومية جمة وله بُعد نظر عن القضية الفلسطينية ، فهو يناشد ربه في إحدى قصائده الوطنية الحماسية قائلاً : يا رب إنّ بلفور أنفذ وعـــده [c1] *** [/c] كم مسلم يبقى وكم نصراني وكيان مسجد قريتي مــن ذا [c1] *** [/c] الذي يبقي عليه إذا أُزيـل كيـانِ وكنيسة العذراء أين مكانهـا [c1] *** [/c] سيكون إن بُعث اليهــود مكـــان ويردف محدثنا مذكراً سجايا الشاعر الوطنية : « كان الشاعر عرار نصيراً للمظلومين والفقراء والمعوزين . ورغم إنه كان صديقاً للملك عبد الله الأول وكانت بينهما مساجلات شعرية ، وسمي بشاعر البلاط الملكي ، إلا أنه كان يعارضه كثيراً وكانت له آراء ومواقف معارضة للوجود الإسرائيلي والانتداب البريطاني ، وكان سليط اللسان ، صريحاً يقول كلمة الحق ولا يخشى فيها لومة لائم ويدفع مقابلها الثمن ، لذا سجن الشاعر مرات كثيرة في سجن العقبة «. درس الشاعر في « مكتب عنبر» في دمشق ،الذي أصبح منذ العام 1887م مدرسة ثانوية في العهد العثماني والفرنسي . امتهن الشاعر عرار مهنة التعليم ثم المحاماة ، مسخراً قلمه وأشعاره من أجل تحرير وطنه وفلسطين من الانتداب البريطاني .
بيت الشاعر عرار
[c1]الهدف من البيت المتحف [/c] يحكي لنا الأخ علام عن الهدف من تحويل البيت إلى متحف قائلاً : « تعاقب على السكن في البيت عدد من الشخصيات الكبيرة ، منذ أوائل القرن العشرين حتى عام 1944 حين تأسست فيه مدرسة العروبة الابتدائية ، التي أسسها مربي فاضل اسمه محمود علي أبو غنيمة . وبقي كذلك حتى سنة 1950 م، فعاد وسكنه نجل المرحوم المحامي صالح التل المرحوم سليم صالح التل شقيق الشاعر عرار ، ومن ثم تبرعت شقيقات الشاعر بالبيت وتم إعادة ترميمه وتنظيمه وتحويله إلى متحف يضم مأثورات الشاعر عرار ومقتنياته وكتبه وصوره الشاهدة على عصره. إن المتحف يساعد على تفعيل الحركة الثقافية في محافظة إربد» . وتنظم مدارس مدينة إربد لطلابها زيارات لهذا المعلم الثقافي والحضاري والتاريخي ليوثقوا اتصالهم بموروثهم الأدبي وربطهم بوطنهم، كما تقام في المتحف (البيت) أمسيات شعرية وندوات ومحاضرات تتناول مختلف جوانب الإبداع الأدبي النقدي، وإقامة المعارض الفنية للفنانين الأردنيين وغيرهم وإبراز الطراز المعماري للبيت كمعلم أثري يعود لأواخر القرن التاسع عشر ، مع المحافظة على صون وترميم هذا البناء. والعمل على أن يكون البيت مزاراً لكل الأدباء الذين يقصدون مدينة اربد تماماً كضريح جبران في بلدة بشرى بلبنان وضريح السياب في مدينة البصرة العراقية. توفي الشاعر عرار عام 1949 عن عمر ناهز الخمسين عاماً تاركاً ديوان شعر موسوم بـ «عشيات وادي اليابس» وقد طبع في مصر بعد وفاته.