إعدام صدام حسين بهذه الطريقة المثيرة للشكوك في سرعتها وتوقيتها، سيؤدي الى تأجيج الحرب الطائفية بين السنة والشيعة في العراق، رضي نوري المالكي وموفق الربيعي أم لم يرضيا، صرحا أم لم يصرحا، عن المصالحة الوطنية. هذا للأسف هو الذي جرى في محاكمة صدام حسين، خصوصا في فصولها الأخيرة، حيث تحول الرئيس المخلوع إلى قضية مشكلة بحد ذاته، وأصبح مصيره ومحاكمته أمرين من شأنهما الإسهام في توجيه الحالة السياسية والأمنية في العراق بين الأطراف المتصارعة، بينما كان من الممكن ان تصبح محاكمة صدام فرصة لفتح صفحة جديدة في العراق الجديد، صفحة يكتب حروفها كل العراقيين، لا أن تقتصر حروفها على الحرف الشيعي او الحرف الكردي. فصدام قتل وظلم كل العراقيين، لا طرفا واحدا منهم. [c1]* الآن أعدم صدام، وما حصل حصل. [/c] أعدم، والحق يقال، وهو رابط الجأش، ثابت الجنان، مصرا على أفكاره وأقواله إلى النفس الأخير، قبل أن يتدلى جسده في فوهة الموت بقليل. والسؤال: وماذا بعد؟! وقبل ذلك، من هو المستفيد عمليا من إعدام صدام حسين بهذه الطريقة الغريبة والتوقيت الأغرب يوم عيد الأضحى؟! حينما صدر حكم الإعدام على صدام في نوفمبر الماضي، كتبت في هذه المساحة: «لو كان الامر بيدي لفضلت السجن الدائم لصدام على الموت». حتى يتعود العراق على أسلوب جديد حقا، ويفتح صفحة جديدة صدقا، لا كما يدعي المالكي او الربيعي، وليس ذلك من اجل الحفاظ على حياة صدام حسين، فهو ارتكب جرائم فظيعة، لكن من اجل إلغاء مفردة القتل والقتل المضاد من حياتنا السياسية، فالسمو كل السمو، هو في التعالي على لغة الثأر والأحقاد التي لا تنتهي، وموفق الربيعي، مستشار الأمن القومي، قال في مقابلة مع إحدى المحطات الفضائية الأمريكية، إنه شخصيا تعرض للتعذيب والسجن في عهد صدام حسين! الأمر الذي يجعل حكومة المالكي التي صدقت الحكم، تبدو وكأنها معنية، وبشكل شخصي مباشر، بقتل صدام حسين، وهنا نصبح إزاء سلوك ثأر فردي أو حزبي، اكسر من أن نكون إزاء تفكير عال ينبع من الحس السياسي المسؤول. نذكر هنا العراقيين الذين أعدموا صدام حسين، ونذكر من قال لنا إن إعدامه سيفتح صفحة جديدة في العراق، نذكرهم حديث التاريخ القريب والبعيد، فلم يكن الإعدام والقتل والثأر يوما ترياقا للأمن، فصدام قتل رفاق الأمس وخلع البكر وانقلب على عارف، وعارف انقلب على قاسم، وقاسم انقلب على الملكية. وهذا يذكرني بقصة من العراق قديمة / جديدة، حينما هزم مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الثقفي، واحتزت رأسه ووضعت بين يديه، كما وضع رأس عبيد الله بن زياد (قاتل الحسين بن على) بين يدي المختار، وكما وضع رأس الحسين بين يدي ابن زياد، وكما سيوضع رأس مصعب بن الزبير نفسه بين يدي عبد الملك بن مروان.. وهكذا دورة قتل على الجميع. [c1]* الآن نقول: من المستفيد، وماذا بعد؟! [/c]بداية لا يوجد عاقل أو عارف بما فعل صدام يدافع عنه وعن سلوكه، فالرجل ارتكب الكثير، وهو يستحق العقوبة، لكن المشكلة أن مسألة صدام تحولت إلى سهم في بورصة الخلافات العراقية، فالسنة، ربما باستثناء القاعدة، يرون في صدام رمزا وحيدا لهم في ظل الاصطفافات الطائفية والعرقية في العراق، الكل يخيف هناك، ولديه ميليشيا «مشروعة» من الشيعة إلى الأكراد، لكن السنة، لا رموز لديهم، وان كان لديهم رموز فهم أشخاص غير مقنعين أو صقور متشددون غير معترف بهم شرعيا، مثل حارث الضاري. إذن وفي ظل هذه المعطيات، أصبح صدام، ومع طول أمد المحاكمة، وخطبه البلاغية، وتحديه للمحكمة، ومع تزايد العنف ضد الأمريكان وحكومة المالكي من قبل البعثيين او مجاميع المقاومة السنية، أصبح هناك احتياج واضح لرمز قيادي، وهنا صار صدام، يشكل معقدا لآمال هؤلاء، ولذلك يبدو أن الإسراع بإعدامه من قبل نوري المالكي والطبقة السياسية الشيعية، هو من اجل إلغاء آي تفكير قد يذهب باتجاه إعادة تأهيل صدام حسين، أو تحويل مصيره والاتقاء على حياته إلى ورقة مساومة، يمكن أن تلعب مع أتباعه من المقاومة السنية والبعثية. هذا في جانب، وفي جانب آخر، فالطبقة السياسية الشيعية الحاكمة في العراق، تعتقد أن إعدام صدام والاقتصاص منه هو أمر «مصيري» وحلم من الأحلام التي تحرك ماكينة التحشيد الحزبي لدى القواعد الشيعية، بل ان رموز هذه الطبقة، مثل حسين الشهرستاني (لا بد من قراءة مذكراته عن سجنه في عهد صدام ) وأيضا موفق الربيعي ونوري المالكي والجعفري وصولاغ ... الخ كلهم يمثل صدام بالنسبة لهم «شمر بن ذي الجوشن» الجديد أو يزيد بن معاوية، وهم أيقونات الشر في خيال هؤلاء، وربما، نقول ربما، ان الأمريكان سربوا إلى هؤلاء أن هناك لغطا وحديثا حول مصير صدام، فسلموه لهم، وانتهز هؤلاء الفرصة، وبادروا إلى إعدامه حتى يفرضوا واقعا عمليا. ولكن هل كان الإيرانيون على علم بذلك؟ وهل استشار المالكي والطبقة الشيعية الحاكمة، راعيتهم إيران في هذا الصدد؟! الأكيد أن هؤلاء ما كانوا ليقطعوا أمرا من دون إذن إيران، أو اطلاعها على الأقل، فهي «العمق الاستراتيجي» لهم، ورجالات العراق الجديد مثل مسعود بارزاني يعرفون كيف كان الحكيم إثناء صياغة الدستور يخرج أحيانا من الغرفة لإجراء مكالمة مع طهران، من اجل اخذ التعليمات! لكن ما هي مصلحة إيران من إثارة السنة وإعدام صدام بهذه الطريقة وبهذا التوقيت؟! الجواب غامض، ولا ندري شيئا على وجه اليقين، هناك رأي يقول إن إيران تريد إحراق العراق واشتعاله تحت أقدام الامريكان وتصعيب المهمة على الدول الإقليمية، وعلى رأسها السعودية، من خلال تدشين حرب جاهلية حقيقية، من اجل القول إننا نحن في إيران القادرون فقط على تهدئة الشيعة وتحييد عنفهم، فإما ان تقروا لنا، بالقدرة على التأثير في مجريات الأمور، فنحن نملك مفتاح الجنة والنار في العراق، وآما أن نخرب عليكم كل مشاريعكم، وفي النهاية ستأتون إلينا، وأما الدافع السياسي الداخلي لإيران في العراق فهو أن تظهر للشيعة أنها هي التي تأخذ بثأرهم وتطبب جراحهم. وهناك رأي يقول، لا، إيران غير مستفيدة من إعدام صدام بهذه الطريقة، فصدام بالنسبة لها انتهى عمليا ولا يشكل خطرا منذ أمد طويل، وهي تريد ان تظهر بشكل غير طائفي في العالم الإسلامي، وقتل صدام على يد جلادين يهتفون باسم مقتدى الصدر ومحمد باقر الصدر (رمز حزب الدعوة) من المؤكد انه سيثير حنق السنة، ليس في العراق فقط، بل في العالم كله ضد الشيعة، الأمر الذي سيجعل إيران مجبرة على الدفاع عن الشيعة، فهي حاميتهم، وستجد نفسها، ليست قائدة للعالم الإسلامي، كما يأمل قادتها وملاليها، بل مجرد دولة طائفية تحمي مجاميع شيعية في الشرق والغرب، وربما هذا ما يفسر التعليق الغاضب لآية الله خامنئي الخير حول ان من يقول بمقولة «الهلال الشيعي» يعتبر خائنا للامه السلامية. الأيام المقبلة ستكشف عن طبيعة السهام الإيراني في هذه القضية، ولكن المثير للغرابة حقا هو الدور الأمريكي، فلماذا سلم الامريكيون صداما لحزب الدعوة، وأتباع الصدر والحكيم، وهل كان الامريكان يجهلون ان اعدام صدام، في ظل هذه الأجواء الملبدة، سيفاقم الحرب الاهلية في العراق؟! هل هو خطأ آخر من سلسلة الأخطاء، التي ارتكبها الامريكيون في العراق، أم أن بوش في حالة «أنيميا»، حادة وفقر واضح للانتصارات، فيريد بإعدام صدام «هتلر الجديد» أن يبعث برسالة داخلية قوية في امريكا على بوابة الانتخابات من اجل القول انه يفعل شيئا عظيما هناك؟ أم أن الامريكان يريدون توريط الايرانيين والشيعة في مواجهة التطرف السني، ويخرجون هم منها من خلال أسلوب الحرب بالوكالة؟! ابيضا لا ندري... الأكيد أن إعدام صدام، في يوم الأضحى، رسالة بعض سطورها بين، وأكثرها مكتوب بحبر لا يبين إلا مع الأيام. الشيء الأكيد الآخر أن حالة التواجه بين الطموح الايراني والمعسكر العربي، الذي تقوده السعودية، أصبحت حالة بارزة للعيان، والسعودية التي اصدرت بيانا سريعا يستهجن هذا الأمر، الذي «بيت بليل»، وكذلك البيان المصري، سيجعل الفترة المقبلة فترة ساخنة في الصراع. والحق إن المرء يشعر بالقلق من تنامي الطائفية، ومن الخطر التوسعي الايراني والمقلق أكثر، إن الطائفية ستتنامى رغم أنوفنا، وسيقع ضحايا كثيرون لهذا الغليان الرهيب... ويبدو أن هذا الغليان لن يهدأ حتى ترجع ايران إلى حدودها الداخلية، وتتخلى عن طموحاتها في المنطقة. نحن على ميعاد جديد من التوتر والحروب والفتن، ومن كان يتوقع ان ما جرى في العراق هو الذروة، فهو واهم، هناك ذرى أعلى للفتن لم تسفر بعد عن رؤوسها! فتن ستأكل نارها كل شيء، الأمن والسلام والتنمية... والتسامح الديني أيضا.[c1] نقلا عن صحيفة ( الشرق الاوسط ) اللندنية *[/c]
|
تقارير
ليس من أجل صدام
أخبار متعلقة