أصبح المد المتطرف يحاصر المنطقة من كل جانب، وصارت مشاهد القتل والتدمير والخطف، الزاد اليومي الذي تقدمه فضائياتنا للجمهور، تعودنا عليها فأصبحت لا تحرك مشاعرنا، نُمسي عليها لنُصبح على مشاهد أكثر بشاعة ومأساوية!العالم مشغول عنا بعطاءاته وإنجازاته من أجل تسهيل حياة الإنسان وعمارة الأرض واكتشاف الجديد في العلم والمعرفة ونحن مشغولون بأخبار القتل والتفجير.يحصد الإرهاب يومياً المئات من الأبرياء على امتداد أرض العروبة والإسلام وكبار مشايخنا مازالوا في جدل حول ختان الأنثى هل هو مكرمة أم جريمة؟! يتساءل العالم وهو يرى عالم الإسلام - غارقاً- في بحر من العنف والدماء- منشغلاً- بتوافه الأمور: متى ينهض المسلمون بمجتمعاتهم ويصلحون أوضاعهم؟!فشلت المشاريع النهضوية التي بشر بها رواد النهضة ولم تحقق الخطط التنموية الأهداف المنشودة إلا لدي دول قليلة، بينما نهضت وتقدمت أمم كانت تعيش في الحضيض، ووصلنا إلى الحالة التي شكلت التنظيمات الدينية فيها خراجات دامية في الجسد الإسلامي تستنزف الطاقات والجهود والموارد، حزب الله في لبنان وبفضل مغامرته غير المحسوبة جر الخراب على لبنان واستنزف الموارد والطاقات وهو لايزال معتصماً وأسيراً لمربعه الأمني بعد أن كان شوكة في ظهر إسرائيل، و حماس بعد انقلابها الدموي تسببت في أكبر طعنة للقضية في سبيل السلطة وهي الآن أسيرة انقلابها في غزة وشوكة دامية في الجسد الفلسطيني، الجماعات السلفية في الجزائر تنهش من الجسد الجزائري، والحوثيون في اليمن أضعفوا الجسد اليمني، أما المحاكم في الصومال، وتنظيم فتح الإسلام في نهر البارد وطالبان في أفغانستان وطلاب المسجد الأحمر والمتحالفون مع طالبان في باكستان فحدث ولا حرج، وهذا كله غير المجازر الدامية التي ترتكبها الجماعات التابعة للقاعدة في العراق.لقد وصلت الحالة الإسلامية إلى أن مدارس دينية ومساجد للعبادة أصبحت محاضن لتفريخ إرهابيين وارهابيات! بعد زلزال المسجد الأحمر ومدرسة حفصة ،وبدأنا الآن نسمع عن توابع المسجد الأحمر التي تحصد المئات من الجنود والمدنيين الأبرياء.لماذا وصلنا إلى هذه الحالة المتأزمة؟ وأين يكمن الخلل، هل هو في الطرح الفكري أم في الممارسة؟بعد 50 سنة من العنتريات والنضال، أهدانا الفكر القومي خلطة عجائبية أو توليفة الفكر القومي/ السلفي/ الإخواني التي أعطتنا شخصيات لا نظير لها في التاريخ: بن لادن والظواهري و الزرقاوي وأبو حمزة والعبسي .خمسون سنة في التنمية والتعليم والتحديث وكان النتاج حصاداً مراً، ولم ينجح العالم العربي والإسلامي في تحقيق أي انجاز حضاري يساهم في سعادة البشرية أو في إثراء الحضارة المعاصرة التي نحن عالة عليها في جميع مقومات حياتنا! نعم، نجحنا وبامتياز في تخريج نوعين من البشر :1 - مجاهدون: تركوا وظائفهم وتعليمهم وتخصصاتهم ليتفرغوا للجهاد وأصبح الشغل الشاغل للواحد منهم أن يحمل سلاحه - باحثاً- ومتجولاً في أرض العروبة والإسلام عن جبهة قتال ليفرغ طاقاته الجهادية في تفجير البشر وتدمير الحياة وإرعاب الآمنين!لقد برعت الجماعات الدينية في هذه المهمة وبامتياز، ونجحوا باقتدار في استدراج أطباء ومهندسين وأئمة مساجد فضلاً عن طلاب مدارس، ولم يتورعوا حتى عن تجنيد أطفال في مهمات انتحارية، بل وحتي المرأة ــ المقموعة والمنظور لها بدونية ــ نجحوا في تحويلها إلى قنبلة ملغومة.2 - متعهدون أو مقاولون للعمليات الجهادية، عى استعداد لتوريد وتصدير مجاهدين إلى جبهات القتال أو نقلهم من جبهة إلي أخري بناء على طلبات الممول الكبير الذي يتكفل بدفع الثمن المطلوب.في التحقيقات التي أجرتها السلطة اللبنانية مع عناصر فتح الإسلام، اعترفوا بأنهم كانوا في العراق وأمرهم زعيمهم بالانتقال إلي لبنان لمجاهدة الإسرائيليين والأمريكيين! وأنه هو الذي سهل دخولهم الأراضي اللبنانية بدعم من الممول الإقليمي الكبير.دعونا - الآن- نتساءل : كيف تحولنا من أمة وصفها القرآن بالخيرية والوسطية إلي أمة تنتج التطرف وتصدر المتطرفين ؟! لماذا أخفقنا في صناعة الحياة ونجحنا في صناعة الموت ؟! لماذا فشلت طروحات الوسطية والاعتدال والحوار والمناصحة في تقوية مناعة الشباب، وفي تحصين المجتمع تجاه أمراض التطرف؟!هل الخلل في رموز ودعاة الوسطية والاعتدال بسبب فقدانهم مصداقية الممارسة والسلوك أم في الأنظمة السياسية المتحالفة معهم أم في بنية الخطاب نفسه؟! في تصوري أن هناك جملة من العوامل الموضوعية، من أبرزها الخلل المزمن في بنية الخطاب الديني بوجوهه الثلاثة: الدعوة، الفتوى، التعليم.ولعل مأساة المسجد الأحمر توضح لنا كيف تحول طلاب وطالبات المسجد إلي قوى تتحدى السلطة الشرعية بالعمليات الانتحارية. وإذا أدركنا أنه توجد في العالم الإسلامي أكثر من 150 ألف مدرسة دينية شبيهة بمدرسة الجامع الأحمر تيقنا عظم خطورة التعليم المتشدد على مستقبل النشء الإسلامي.تلقن تلك المدارس طلابها مفاهيم مغلوطة عن الجهاد والأمر بالمعروف والولاء والبراء وتحريم التشبه بالكفار وتشحنهم بكراهية الأقليات الدينية واحتقار المرأة..نجحت تلك المدارس في اجتذاب الأطفال الفقراء بالمأوى والمأكل والمنحة المالية لأسرهم وإعدادهم ليكونوا مجاهدين باعتبار أن الجهاد فرض عين إذا نزل العدو بأرض المسلمين، ولذلك تدربهم فكرياً وبدنياً على خوض المعارك في سبيل الله، وتعلمهم أن العنف مشروع في سبيل تطبيق الشريعة والأمر بالمعروف وتكسير آلات اللهو وحرق محلات الموسيقى والأغاني ودور السينما وتعلمهم أن المسلم عليه ألا يود غير المسلمين وإلا أصبح منهم وإذا أقام بديار الكفر أضمر الكراهية وإذا تزوج منهم نوى الطلاق كما لا يجوز التجنس بجنسيتهم أو تهنئتهم والمشاركة في أعيادهم.لقد كانت حصيلة هذا التعليم الظلامي أن أصبحت العمليات الانتحارية حكراً على المسلمين، ورأينا أحد كبار رموز الصحوة يتباهى متحدياً الغرب إذا كان الغرب صنع القنبلة النووية فنحن المسلمين عندنا القنابل البشرية !! ألا بئس التباهي والتحدي وساء ما عملوا، وهب أن الأمة كلها أصبحت انتحارية، ما قيمة ذلك في موازين الحضارة والإنسانية؟!هم يصنعون الحياة ونحن ندمرها! لكننا نحن الأخسرون، لأنهم هم الذين يمدوننا بأسباب الحياة ولأن سلاح الجهاد أصبح ضد المسلمين، والمسلمون هم ضحاياه كل يوم! ليتهم تفاخروا بما هو أجدى وأنفع! هؤلاء هم مقاولو الجهاد يحرضون الآخرين ولا يجاهدون.إنهم زعماء الجماعات الإسلامية ومشايخ التحريض وأساتذة ومتعهدو تلك المدارس المتعصبة وأئمة تلك المساجد. إنهم يوردون المجاهدين ويتلقون التمويل فقط.[c1]* كاتب وأستاذ جامعي قطري[/c]
أخبار متعلقة