صباح الخير
* لايستوي ذلك المشهد الدامي وتلك الوردة العالقة على قميص ذلك الطفل المسجى بين احراش الغضب وصخب الشارع الذي لايعرف الهدوء .* جثة ملقاة على قارعة الطريق ووطن ممزق بين نهرين ودم من نخيل .* أيعقل أن نتذكر نهر الدم ونهر دجلة وماء هذي الأرض اليباب .ايعقل أن نحصر المر والجوع في أرض هي بمثابة سلة من نخيل وماء وأكثر من سبعون نوعا من الرطب الحلال . * أيعقل ان يعرش قابيل في أرض هي منذ أن عرفت نفسها تحاور الليل بالبكاء وتناوش النهار بالموت .. هي خليط من كرب وبلاء لايستطيع أي شهر من شهور السنة القادمة ابداً أن يمر دون دماء .. إنها تراجيديا الأخوة الأعداء . * أن تدخل بغداد مرة بعد عام السقوط يعني أنك ستعيش أو تموت ألف مرة كعادة أبطال الروايات والحكايات التي تقصها جدتي عند المساء هي محاور وغضب لايعرف الانهيار . * لايمر هذا الصباح كعادته .. أن تفتح المذياع لكي تسمع أغنية صباحية ذلك حلم لايتحقق وبدلاً أن تسمع أغنيات سعدون جابر وناظم الغزالي وتتري ذلك بـ ( الكاهي ) واستكان ( الشاي) على مقهى في ( السعدون ) أو ( الباب الشرقي ) تسمع انفجار السيارات المفخخة والاجساد المتطايرة ويغيب عندها صوت المنادي ذلك الطفل الذي يصرخ ( علاوي حله ) أو ( الميدان ) أو (مدينة الصدر ) ليحث الركاب على الصعود على الحافلة . * لم يعد ذلك ممكناً في هذه الصباحات المظلمة التي مرت دون أن تودعنا الاغنيات الحزينة كل شيء يمضي في بغداد .. دون وداع كل شيء يموت بلا استئدان .. حتى الموت هناك لايشبه أحدا . حتى النهر الوحيد الذي يغسل المدينة من أدران المساء هو الآخر يبحث عن ماء لكي يتطهر قال لي مرة ( ابو جاسم أحد الشيوخ المعمرين في بغداد وهو يحدثني عن تاريخ المدينة وعاداتها وتقاليدها وهو يرى بوادر السقوط تنهمر على المدينة .. ليس لدى بغداد تاريخ آخر واذا أردت أن تعرف بغداد فادخلها مرة واحدة ثم آتيها مرتين وستعرف سر المدينة ، كان ذلك في مطلع العام 2000م.تصرخ الآن بغداد من دمار وهلاك وموت ( أخواني ) يعزز علامات السقوط كعادة المدن المحترمة ليس هناك مايشبه بغداد ويشبه موت بغداد كانت غرناطة تسحب تاريخها من تحت الدماء وخرج أبي عبدالله الصغير يصرخ عن ملك أضاعه ذات سقوط مريع .. لم تصرخ أمه كعادة الأمهات بل قالت كلمتها ومضت .. وبقت غرناطة تمر تاريخها من تحت الدماء . هي غرناطة أخرى .. تسحب تاريخها من تحت الدماء ولازالت .. ثمة خارطتين وأكثر من موت ينتظر المدينة .انفجارات المدينة ايذانا بموت آخر وبحث عن كومة قش في نهار ( تموزي) حيث الماء يغلي بالكوز . ليس لدى بغداد غير أن ترفع عن جسدها تلك الأورام الدامية من الداخل ، وأن تخرج عارية من صمت دفين من أين يأتي الموت يابغداد . من الذاكرة أو من حصار اليم ؟ من أين تجئ الاحزان ؟ من نهر يلبس السواد وآخر ينهش الموت قطرة قطرة أو من يباب لايدوم . إنها مأساة تتطاول كالنخيل وتتسامق دون أن نعلم أن هذا الدمار الذي التصق بأديم المدينة وحاراتها وشوارعها هو الموت الذي خرج بين خارطتين وأكثر . ألم يقل شاعرها الفذ شفيق الكمالي / نحن اشرقنا ويا شمس أغربي .. أي قمر سوف يزور بغداد واي شمس ستغرب لكي يطل يوم آخر لاينتهي .