ولد المحامي محمد علي إبراهيم لقمان رائد النهضة الفكرية والأدبية بعدن في 6 نوفمبر 1898م وتوفي اثناء أداء فريضة الحج في الديار المقدسة في 22 مارس 1966م. فرثاه عدد من الأدباء والشعراء. فقال الشاعر حسن علي السقاف من قصيدة طويلة:اليوم تبكي أمة نبراسها[c1] *** [/c] رجل البلاد وسيفها البتارهو رائد ومعلم ومفكر[c1] *** [/c]هو مشعل يدهى به دينارومن قصيدة للشاعر سعيد محمد سلام المقطري:ومن مشعر الحرم المكي سار به[c1] *** [/c]جند الإله إلى الرضوان جذلاناقد عاش فينا أمير القول داعية[c1] *** [/c]للحق يوسعه كشفا وتبياناومن قصيدة للشاعر احمد حامد الجوهري:يا أيها الثاوي الابر بمكة[c1] *** [/c]عصفت بنا من بعدك الاحزانقد كنت للمظلوم أكبر ناصر[c1] *** [/c]والظلم لايرضى به انسانومن قصيدة طويلة لوالدي الدكتور محمد عبده غانم زوج ابنة لقمان الكبرى وكان رفيقه في رحلة الحج ولذلك تحدث ايضاً عن تلك الرحلة:فمصابنا في فقد لقمان خسار لايسد[c1] *** [/c]قد كان حادي الركب أني سار بالاظعان يحدومازلت أذكر منبر الاصلاح والأهواء حشد[c1] *** [/c]تستصرخ الأقوام ماذا للكريهة قد أعدواومن قصيدة طويلة جياشة بالمشاعر للشاعر محمد سعيد جرادة:مضى الزعيم الذي قامت زعامته[c1] *** [/c]على دعائم على ذات أوتادكم لحظة قد قضيناها بجانبه[c1] *** [/c]لها علوق بألباب وأخلادونظرة الحب لاتجفو محاجره[c1] *** [/c]كالمورد العذب يشفي غلة الصادىلايبعدن أبو الأحرار إن له[c1] *** [/c]صوتا كما كان حيا يملأ الناديله على أياد لست أحجرها[c1] *** [/c]وكيف يجحد فضل المحسن الباديأصغي إلي وزكاني وقرضني[c1] *** [/c]ولم أكن بعد شيئاً بين انداديورثاه ولده الأكبر الشاعر علي لقمان بقصيدة مؤثرة طويلة منها:وأستاذ أجيال إلى كل سؤدد[c1] *** [/c]أحاديثه من غاليات عظاتومصباح شعب في ظلام ومحنة[c1] *** [/c]وصوت بلاد جمة العبراتففي اليمن الميمون من صوته صدى[c1] *** [/c]وفي بلد الصومال رجع حياةأمير الصحافيين في كل منزل[c1] *** [/c]وشيخ الحقوقيين في النزعاتوليث قتال دون حق يغوله[c1] *** [/c]عدو أخو حمق ورب حصاةأيرضى أبو الاحرار حكما سلطا[c1] *** [/c]على أمة في فرقة وفواتأيرضى أبو الدستور ان يحكم الورى[c1] *** [/c]بغير كتاب الله شرع عصاةولكن الغريب في الأمر أن صديقه الحميم الأديب الكبير الشاعر والمسرحي الحضرمي المصري الاندونيسي علي أحمد باكثير لم يرثه أو على الأقل لم اطلع على رثاء شعري أو نثري له للقمان.صحيح ان لقمان توفي عام 1966م وباكثير كان قد غادر اليمن عام 1933م ولم يعد إليها إلا لزيارة قصيرة في ابريل 1968م وكان لي شرف أن التقيته لبضعة ساعات رائعة في منزل والدي في خورمكسر اثناء تلك الزيارة بحضور والدي والشيخ محمد سالم البيحاني أي بعد رحيل محمد علي لقمان بنحو عامين وكان باكثير يدرس يومها امكانية العودة للاستقرار في اليمن الجنوبي بعد أن أطلق صرخته الشهيرة في مصر : "لقد ذبحوني وانتهيت" ولكنه بعد ان شاهد رعونة الحكم في جنوب اليمن قرر ألا يستجير من الرمضاء بالنار.فهل انقطعت الاتصالات بين باكثير ولقمان بين 1933م و1966م وهل عرف باكثير بنبأ وفاة لقمان وهو الحبر الذي نشر بتوسع في الصحف العدنية وبقية صحف اليمن كما اذاعته إذاعة لندن في نشر الاخبار؟ أم أن باكثير كان قد هجر الشعر منذ الاربعينيات بعد أن أستقر في مصر واتجه نحو كتابة الرواية والمسرحية النثرية؟ ولكن هل كتب باكثير كلمة نثرية رثائية أو أرسل رسالة تعزية إلى آل لقمان؟وبالفعل باكثير هجر كتابة الشعر "أو على الأقل نشره" ماعدا القصيدة التفعيلية التي يقول فيها :"أما نكون أبداً .. أو لانكون ابداًً"والتي كتبها تحت هول صدمة نكسة حزيران عام 1967م والذي قد لايعرفه كثير من اليمنيين وكثير من العرب أن باكثير هو مخترع الشكل التفعيلي في الشعر العربي وذلك عندما ترجم مسرحية "شكسبير" "روميو وجوليت" إلى الشعر التفعيلي " وسماه النظم المرسل المنطلق" في الثلاثينيات ثم كتب مسرحية "اخناتون ونفرتيتي" بالشعر التفعيلي على وزن المتدارك في عام 1938م وان نشرها عام 1940م فسبق نازك الملائكة وبدر شاكر السياب إلى ذلك الشكل بقرابة عقد من الزمن.والسياب يعترف بذلك حيث يقول :" إذا تحرينا الواقع وجدنا ان الأستاذ علي أحمد باكثير هو أول من كتب على طريقة الشعر الحر في ترجمته لرواية شكسبير روميو وجوليت والشعر الحر هنا هو الشعر التفعيلي وليس الشعر المنثور أو قصيدة النثر.وهكذا فإذا كان الشاعر اليمني من حضرموت أمرء القيس هو صاحب اولى المعلقات فان الشاعر اليمني من حضرموت علي أحمد باكثير كان مبتكر الشعر التفعيلي "وكان يومها لم يحصل على الجنسية المصرية بعد".وبعد هذا الاستطراد الطويل نعود إلى استغرابنا لعدم كتابة باكثير رثاء للقمان "أو على الاقل عدم اطلاعنا على مثل ذلك الرثاء" وسبب الاستغراب هو العلاقة الابوية الاخوية المتينة جداًَ بين الرجلين في الثلاثينيات حتى ان باكثير اهدى مخطوطة ديوانه "العدنيات" إلى محمد علي لقمان اضافة إلى زوجة باكثير التي توفيت في صباها فقال:" إلى روح لا اسميها لحقت بباريها وتركتني ارثيهاوأبكيها في آلام أعانيها وهموم أقاسيها وهوة من اليأس اتردى فيها"وإلى صديقي الحميم الكاتب العظيم الأستاذ محمد علي ابراهيم الذي رزقني الله به عافية بعد بأس ورجاء بعد يأس وعزاء بعد حزن وطمأنينة بعد قلق وسكونا بعد اضطراب أهدى هذه العدنيات تذكاراً للصداقة والحب علي أحمد باكثير.وهذا الديوان يعمل الدكتور محمد أبوبكر حميد على إصداره والدكتور حميد هو الذي ألف اطروحة دكتوراه عن باكثير واستنقذ الكثير من آثاره. وقد اخبرني د.حميد في الندوة التي عقدت عن باكثير في الشارقة هذا العام وشارك فيها كل منا بورقة انه يستغرب عدم وجود مراسلات بين لقمان وباكثير في اوراق باكثير "الذي كان يحتفظ باوراقه بشكل منظم وحصيف" في ماعدا الفترة القصيرة التي قضاها باكثير في عدن في الثلاثينيات والتي تظهر مدى الصداقة الحميمة بين الرجلين.من الامور المستغربة جداً ايضاً عن باكثير هو الروايات المتباينة عن تاريخ ميلاده في اندونيسيا فالدكتور أحمد عبدالله السومحي في كتابه " علي أحمد باكثير ـ حياته ـ شعره الوطني الاسلامي" يذكر ان ذلك كان عام 1910م ولكنه وجد أنه من الجائز ان يكون ولد في حدود 1908م.أما كتاب " علي أحمد باكثير" المبدع الانسان " الصادر عن وزارة الثقافة والسياحة اليمنية عام 2004م فيقول " ولد بمدينة سوربايا في اندونيسيا عام 1318هـ/ 1900م ومنهم من يرجح 1910م ووجه الغرابة هو الفرق الشاسع بين 1900م و1910م عشر سنوات. ولا أدري كيف يمكن إلا نعرف التاريخ على الأقل على وجه التقريب لرجل عاش بين ظهرانينا وملء الدنيا وشغل الناس وأقاربه اليوم في سيئون.بعد التنقل بين اندونيسيا وحضرموت استقر باكثير في حضرموت عام 1928م وتزوج إلا انه مني بعدة صدمات فقد توفيت زوجته بعد وفاة طفلة له منها غرقاً كما توفي والده واخويه وفوق ذلك لقي عنتاً كبيراً في سبيل دعوته للاصلاح الاجتماعي في مجتمع حضرموت شديد المحافظة.فقرر الرحيل إلى عدن حيث نزل في ضيافة محمد علي لقمان عام 1932م.وذلك كما يذكر السرمحي في كتابه، فكان لقمان يعطف عليه ويواسيه وجمعت بينهما هموم الدعوة للاصلاح وحب الشعر والأدب والثقافة وكان مجتمع عدن أكثر انفتاحاً بكثير من حضرموت بل من بقية اليمن والجزيرة العربية فارتاحت نفس باكثير بعض ضيق ووجد في لقمان الذي ولد عام 1898م الأب " اذا كان باكثير قد ولد عام 1910م" أو الأخ " اذا كان باكثير ولد عام 1900م" وكان والدي الدكتور محمد عبده غانم رحمه الله والمولود عام 1912م قد استقبل باكثير بقصيدة تدل على أن باكثير كان شاعراً معروفاً في ذلك الوقت. وهذه القصيدة حصلت على نسخة منها من اوراق باكثير من خلال الصديق الدكتور محمد أبوبكر حميد.كان والدي يومها في العشرين شاعراً مبتدئاً ولو كان باكثير من مواليد 1910م فكان يومها في الثانية والعشرين فقط وهو ما استبعده ولعله ولد قبل ذلك إلا لما كان قد حصل على كل ذلك الصيت.في تلك الفترة ويبدو أن لقمان كان يبادله القصائد والرسائل النثرية ففي تعقيب من ثلاثة أبيات لباكثير على رسائل لقمان يقول :رأيت رسائلك الوافيه[c1] *** [/c]عقوداً من الدرر الغاليةفشعر رقيق اسير التوافي[c1] *** [/c]وشعر طليق بلا قافيةأفادت أخاكم علوم الحياة[c1] *** [/c]لو ان له اذنا واعيهوتدلنا هذه المقطوعة على أن محمد علي لقمان كان يقرض الشعر في ذلك الزمن وعلى الرغم من اهتمامي منذ طفولتي بالشعر وعلاقتي الحميمة بجدي لقمان فلم اطلع على أي شعر له وان كنت سمعته ينشد بشعر الاخرين بشكل مبهر كما تنبأ لي وأنا صبي في الرابعة عشر أنني سأكون شاعراً عندما تنبه لاهتمامي بالشعر وحفظي لبعض الابيات والقصائد.وقد سألت الاستاذ فاروق لقمان عن شعر والده وكذلك المهندس ماهر لقمان فلم أجد لديهم معرفة بذلك. ولكن د. حميد اخبرني أنه لاحظ نموذجاً واحداً بين أوراق باكثير للقمان هو أقرب إلى النظم.وفي مقال لمحمد علي لقمان نشر عام 1941م بعنوان "شعراء عدن" نقله د. عبدالعزيز المقالح في كتابه اولويات النقد الأدبي في اليمن يقول لقمان فيه " .. ويعود الفضل في وجود عدد من الشعراء في عدن إلى بعض النوادي التي أسست فيها منذ نيف وستة عشر عاماً . فقد كان عندئذ يفد على المدينة شعراء وشخصيات بارزة من ابناء العرب كالسيد عبدالرحمن بن عبيدالله والشيخ علي باكثير والسيد عبدالله بن يحيى فتحتفل بهم النوادي ويسمع اعضاؤها القصائد الرنانة في طلب المجد والحث على خدمة الاوطان وتكررت هذه الحفلات وسرت عدوى الشر إلى بعض الشباب حتى الي، فقلت كما قال غيري شعرا لاقيمة له البته إلا انه خلق شعراء ثلاثة هم عبدالمجيد الاصنج والسيد محمد عبده غانم وعلي لقمان..ويبدو لي ان لقمان اتلف ما نظمه من الشعر لانه رآه لاقيمة له ولكي لايقلل من مكانته الادبية وهو صاحب القلم السيال في مجال النثر.وقد حصلت من الصديق د. عبدالحكيم الزبيدي الذي انشأ موقعاً على شبكة الانترنت خاصاً بباكثير على مجموعة ما كتبه باكثير من المقطوعات إلى لقمان.فعندما رحل لقمان للعمل في الصومال البريطاني كمدير لشركة "البس" هناك لم يطق باكثير غيابه فلحقه إلى الصومال وبعث اليه هذه الابيات من هرجيسة إلى بربرة:قسما مالنا سواك ملاذ[c1] *** [/c]فحنانيك أيها الاستاذلو تعطفت فانثنيت الينا[c1] *** [/c]لاستثبت لنا المنى والملاذفي ربا هرجيسة هواء وماء[c1] *** [/c]ورياض ووايل ورذاذوطيور على الغصون تغني[c1] *** [/c]ومراء جمالها أخاذغير أنا ـ وانت لست لدينا[c1] *** [/c] مالنا في درك الجمال نفاذوعندما اطلعه لقمان على مخطوطته رحلته إلى الصومال كتب:مرت بنا سرعى الحياة[c1] *** [/c]لم تبق إلا الذكرياتلقمان هذى رحلة[c1] *** [/c]ميمونة فيها عظاتوتواصلت هذه الاخوانيات فعندما توفي الطفل صلاح الدين للقمان عزى باكثير لقمان بابيات وعندما شفي ابنه عبدالرحيم هنأه بأبيات وعندما رأى صورة للقمان الغائب في الصومال في نادي الاصلاح وكانت من تصوير مكي افندي "ولعله عقيل عباسي" كتب قصيدة ظريفة عن الصورة وعندما أهداه لقمان قطعة صابون شكره بابيات وعندما ارتجل ابيات في حفل بنادي الشيخ عثمان للاصلاح ذكر لقمان في القصيدة قائلاً:بني الاصلاح حييتم[c1] *** [/c]بانفاس التحياتوحسبكم بلقمان[c1] *** [/c]زعيما طاهر الذاتوحسبكم بلقمان[c1] *** [/c]خطيبا في الجماعاتيقيم النهضة الكبرى[c1] *** [/c]بعزم قاهر عاتاخيراً هذه الابيات من قصيدة لباكثير بعثها الى لقمان ببربرة في الصومال تدل على مدى حبه وتقديره للقمان وشعوره بجميلة:إن اذكارك يالقمان اشجاني[c1] *** [/c]وهاج مني أحزاني واشجانيفي ذمة الله قد سلوت به[c1] *** [/c]مصائب الدهر لما ان تولانيلقيته نضؤهم فالق كبدي[c1] *** [/c]وحلف سقم فداواني وسلانيمازال باللطف والاشفاق يغمرني[c1] *** [/c]حتى شفائي من دائي وعافانيوكيف انسى خليلاً قد نسيت به[c1] *** [/c]اهلي وصحبي واخواني واوطاني؟له الارادة تلوي الخطوب بها[c1] *** [/c] كأنما نحتت من صخر شمسانحلو الحديث فصيح القول مرتجل[c1] *** [/c]يوم الخطابة مايزري بسحبانيملي بدائعه عفواً يؤيده[c1] *** [/c]فكر بعيد وقول حاضر دانمافي السريرة من غش ومن ذخل[c1] *** [/c]وعامر القلب من تقوى وإيمانمؤسس النهضة الشماء في عدن[c1] *** [/c]مقيمها غير هياب ولاوانكأنه ملك مولاه ارسله[c1] *** [/c]لينفخ الروح في أبناء قحطاناني لاذكره والكأس عند فمي[c1] *** [/c]فاطرح الكأس من وجد تحنانوعندما هاجر باكثير من اليمن عام 1933م وقضى فترة قصيرة في الحجاز قبل استقراره في مصر احتفى في الطائف الاديب حسن محمد كتبي وكتب تصدير المخطوطة ديوان باكثير "العدنيات" الذي اهداه إلى ذكرى زوجته التي رحلت في شبابها وإلى لقمان، فشكر باكثير الصديق الجديد بقصيدة ختمها قائلاًً:فكلا كما نعم الصديق كلاكما نعم الظهير[c1] *** [/c]لقمان أنت وأنت لقمان ومالكما نظير
|
تقرير
العلاقة الأبوية - الأخوية بين محمد علي لقمان وعلي أحمد باكثير
أخبار متعلقة