تخصص كل عام درجات وظيفية للمحافظات والمصالح الحكومية والمؤسسات العامة والجامعات ، لتغطية احتياجاتها من الموظفين ولاستيعاب طالبي الوظيفة العامة، ولأن عدد المتقدمين للتوظيف والمتنافسين على هذه الدرجات أعدادهم تفوق الدرجات المخصصة بعشرات المرات ، ولاعتقاد المتنافسين أنه لن يحصل أحد على حق ألا بالوساطة يجند كل واحد منهم جيشاً من الوسطاء، ويخصص مبالغ كبيرة للوسطاء وللرشاوى ، فكيف نتخلص من هذه الظاهرة ويحصل صاحب الحق على الدرجة دون وساطة ولا رشوة ؟ وإذا شعر أي متنافس أنه ظلم وعين آخر دون وجه حق ، فماذا يتخذ من إجراءات قانونية ليستعيد حقه ؟ وقبل الإجابة على تلك الأسئلة لابد أن نشير إلى ما للإدارة في حياة الأمم من أهمية في العصر الحديث ، فالإدارة تعتبر رائد التطور والإبداع وصاحبة المسئولية في تنمية المرافق العامة ، ولكن ما بات يلاحظ على الإدارة اليمنية أن بها قصوراً في الأداء وأن خدماتها غير ملبية لاحتياجات التنمية ويعود هذا القصور إلى ضعف إمكانيات الموظفين وانخفاض مستوى الأداء وانخفاض واقعية واهتمام المنتسبين للوظيفة العامة في تطوير وتحسين الأداء لخلل عند اختيار وتعيين الموظف العام وفق اعتبارات اجتماعية وسياسية بعيداً عن الاعتبارات العلمية والكفاءة ، رغم وجود إطار قانوني وتنظيمي يضمن حسن اختيار المعينين للوظيفة العامة ، من حيث شروط توليه الوظيفة وطريقة الاختيار التي يتم من خلالها المفاضلة بين المتقدمين لاختيار أكفئهم ولإتاحة الفرصة للجميع وحتى يتم اختيار الأفضل فقد نصت المادة (24) من دستور الجمهورية اليمنية لعام 2001م على أن ( تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين....) .وصدرت تشريعات الخدمة المدنية التي حددت المواد (22 ،27 ) التعيين في الوظيفة العامة وشروطه ، ووضع القرار الجمهوري رقم (22) لسنة 1992م بشأن اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية مبدأً أساسياً حيث نصت المادة (25/ج) أن ( يقوم شغل الوظيفة العامة على مبدأ تكافؤ الفرص والحقوق المتساوية لجميع المواطنين دون أي تمييز، وتكفل الدولة وسائل الرقابة على تطبيق هذا المبدأ.....). وفصلت المادة (30) شروط التعيين، أما المادة (34) فإنها اتخذت من إجراء المقابلة والاختبار لاختيار الأكفاء من بين المتقدمين لشغل الوظيفة ، وبينت المادة (40) إجراءات التعيين.ولنا أن نتساءل هل يكفي وجود نصوص قانونية لمنع التجاوزات ؟ أو أن المكلفين بتطبيق القانون بشر، وأن تنفيذ حكم القانون يتم بالاختيار العقلي، وهذا العقل قد يصيب وقد يخطئ لأنه غير معصوم من الخطأ ؟ وعلاج هذا الخلل هو مساءلة المخطئ، لأنه في ظل سيطرة الدكتاتورية فقط لا تسأل الدولة عن أعمالها، أما في الجمهورية اليمنية وقد انتشرت الديمقراطية تحقق القول أن الدولة اليوم تحترم القانون وتخضع الجميع لأحكامه ، كما أن الديمقراطية تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، ومن ثم يكون طبيعيا مساءلة عمال الدولة عن أعمالهم.وإذا كان الأمر كذالك فأين تقع المشكلة ؟ هل في عدم القناعة بتطبيق القوانين؟ هل المشكلة هي في البنية القانونية ؟ أم هي في القضاء غير المتخصص؟ أم في عدم استيعاب الإدارة أهمية الاحتكام للقضاء واحترام أحكامه ؟ أم في استسلام صاحب الحق للواقع دون المطالبة القضائية وفضح الفاسدين بكل الوسائل المتاحة؟ وهنا تبرز رقابة الإلغاء كأداة ضرورية لإعلاء كلمة القانون وإخضاع الإدارة لأحكامه. ودعوى الإلغاء هي: دعوى قضائية ترفع للمطالبة بإعدام قرار إداري صدر مخالفاً للقانون ؛ وتسمى أيضاً دعوى تجاوز حد السلطة، وتعتبر دعوى الإلغاء دعوى موضوعية أو عينية تقوم على مخاصمة القرار الإداري غير المشروع، ويتولى القضاء فيها بحث مشروعية هذا القرار بصرف النظر عن الحقوق الشخصية للمدعي، وتقتصر سلطة القاضي في دعوى الإلغاء على الحكم بإلغاء القرار الإداري غير المشروع، وأن إلغاء القرار الإداري يمكن أن يولد حقوقاً لرافع الدعوى، فالمتقدم لنيل درجة وظيفية يستطيع أن يطعن بإلغاء القرار الصادر من الخدمة المدنية أو من أي مصلحة حكومية الذي يرفض تعيينه ويدعي استحقاقها إنما يسعى من وراء الإلغاء أساساً إلى الحصول على هذه الوظيفة.وتعد هذه الدعوى من أهم وسائل حماية تطبيق القانون والتخلص من المحسوبية في التعيين إذ تؤدي إلى ترتيب البطلان كجزاء يصيب القرار المخالف للقانون وقضاء الإلغاء يمثل أخطر وسيلة رقابية يملكها القضاء لضمان احترام قرارات السلطة الإدارية لقواعد القانون، ولذلك يتميز قضاء الإلغاء بأن غايته حماية قواعد المشروعية وحماية حريات وحقوق الأفراد ضد قرارات الإدارة غير المشروعة. وتظهر أهمية قضاء الإلغاء أن الدولة القانونية تقوم على فكرة أساسية هي أن القانون لا الأفراد هو الحاكم وهذا هو مبدأ المشروعية الذي يسود الأنظمة القانونية المعاصرة، لأنه يمثل الضمانات الجدية والحاسمة للأفراد في مواجهة السلطة العامة حيث يترتب على مخالفة السلطة للقانون بطلان التصرف الذي يجب أن يثبت عن طريق سلطة يمنحها القانون صلاحيات النظر في هذه المخالفات وهذه السلطة هي القضاء ، والذي سيحقق كفالة مبدأ سيادة القانون وتأكيد مبدأ المساواة في الحقوق والأعباء العامة .ومن أهمية دعاوى الإلغاء أنه لا يكفي لاحترام القانون التنصيص في الدستور والقوانين على حقوق الأفراد وحرياتهم، والتأكيد قانوناً على إتاحة الفرصة للجميع وحسن الاختيار، وإنما يجب علي كل صاحب حق أن يطالب بحقه وألا فهو كما قال المثل شيطان أخرس، ويجب أن تتوفر رقابة فعالة على أعمال الجهات الإدارية ترتب البطلان على الأعمال غير المشروعة. وعلى عيب الانحراف في استعمال السلطة، وعلي المدعي أن يثبت أن الإدارة لم تصدر قرار التعيين المطعون فيه من أجل تحقيق مصلحة عامة وإنما أصدرته بنية تحقيق مصلحة خاصة لمصدر القرار، أو انتقاماً من شخص آخر، أو أن مارس مصدر القرار السلطة التي خولها له القانون لتحقيق أهداف غير تلك التي حددها له .وحيث أن الإدارة ليست حرة في اختيار الغاية من قراراتها بل عليها أن تلتزم بالغرض الذي حدده المشرع لكل اختصاص يضعه بين يديها فإذا خالف الغاية المحددة ولو كانت الإدارة حسنة النية أصبحت قراراتها مشوبة بعدم المشروعية لاتسامها بعيب الانحراف في استخدام السلطة .فمثلا إذا حدد القانون أو اللوائح شروطاً معينة واضحة للتعيين فإنه يجب على رئيس الجهة إصدار القرار عند توافرها، إلا أن هذا الأخير يستطيع مع ذلك أن يؤول عمداً نص القانون فيصرفه عن المعنى الذي قصده المشرع كما يستطيع أن يدعي عدم توافر الشروط التي حددها القانون أو يسيء تكييفها، وفي حالة تعمد التفسير غير الصحيح للقانون فذالك هو عيب مخالفة القانون، أما في حالة إنكار الشروط المستلزمة لإصدار القرار الإداري أو سوء تكييفها فذالك هو عيب السبب.وقد يستطيع رجل الإدارة أن يؤخر إصدار قرار التعيين ليضر بمن تعلقت مصلحته بالقرار أو ليفوت عليه مراده وفي هذه الحالة تطرح الإدارة المصلحة العامة التي يجب أن يستهدفها القرار الإداري جانباً لتعمل على تحقيق هدف لا يمت لتلك المصلحة بصلة، كاستعمال السلطة لتحقيق نفع شخصي أو مباشرة السلطة بقصد الانتقام أو استخدام السلطة لغرض سياسي . وإذا كان من المفروض أن الإدارة في معاملاتها يجب أن تبتعد عن السياسة إلا أن الانتماءات الحزبية كثيراً ما تحيد بالشخص عن جادة الصواب ولهذه الاعتبارات أثر كبير في إفساد العملية الإدارية في كثير من الدول التي لم تنضج سياسياً .فمثلا لبلوغ الهدف أو الغاية يلزم القانون اتباع إجراءات معينة لتعيين الموظف لتحقيق الغرض الذي أناط بها تحقيقه باستعمال سلطتها ، فإذا ما استعملت إجراءات مغايرة ووسائل أسهل لبلوغ الهدف فإنها تتجاوز بذلك كل الضمانات التي قررها القانون للأفراد لتحقيق أغراض شرع لها القانون إجراءات معقدة فإذا لم تحترم هذه الإجراءات فيقع قرارها مشوباً بالانحراف في استعمال الإجراءات ولعدم التحديد الدقيق للغاية .ويكون الانحراف بالسلطة عيباً نفسياً يلتصق ببواعث رجل الإدارة ولما كان وجوده يحتاج إلى إثبات دقيق بالبحث في الدوافع الشخصية فإن الرقابة على السبب هي الوسيلة الوحيدة في يد القاضي لغرض رقابة موضوعية على القرارات الإدارية، ولاستخلاص الدليل على ما تنطوي عليه نفسية متخذ القرار.والطعن بالإلغاء ترفع إلى جهة قضائية تملك سلطة الفصل بحكم قضائي واجب النفاذ ويقوم النظام القضائي اليمني على مبدأ وحدة القضاء وبموجبه خول المشرع جهة القضاء العادي ولاية النظر في جميع المنازعات والجرائم بما فيها الدعاوى الإدارية ، ولذلك نجد المحاكم الابتدائية والاستئنافية ذات ولاية عامة بالنظر في جميع الدعاوى التي ترفع إليها ومنها الإدارية - إلغاء وتعويضاً وتأديباً . وبما أن المحاكم الابتدائية تختص بالفصل في جميع الدعاوى التي ترفع إليها بما فيها الطعون بالإلغاء في القرارات الإدارية ، فأن أحكامها تكون قابلة للاستئناف - كقاعدة - ما لم ينص القانون على خلاف ذلك .وفي حالة رفض الإدارة تنفيذ أحكام القضاء الصادرة ضدها أو الامتناع عن المساهمة في تنفيذ الأحكام الصادرة لمصلحة البعض دون مبرر، تثار مسؤولية الدولة بالتعويض حيث يحكم القضاء بالتعويض دائماً لمخالفة القانون ومنها مخالفة مبدأ حجية الشيء المقضي به، لأن امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الصادر من القضاء يعتبر بمثابة قرار سلبي يجيز لذوي الشأن الطعن فيه أمام المحكمة العليا، وإن الامتناع عن تنفيذ الحكم أو تنفيذه بصورة خاطئة من الأسباب التي توجب المسئولية المدنية ضد الموظف المسؤول، باعتبار أن ذلك خطأ شخصياً أو باعتباره خطأً جسيماً موجباً لهذه المسؤولية متى توافرت شروطها المعروفة وهي الخطأ والضرر ورابطة السببية كما توجب مسؤولية الجهة الإدارية التابع لها الموظف طبقاً للقواعد العامة.وإن الخطأ الموجب للمسؤولية في تنفيذ الأحكام يتناول الفصل السلبي والفصل الايجابي على حد سواء ويتصرف معناه إلى مجرد الإهمال والفصل العمد.وإن امتناع السلطات الإدارية عن تنفيذ حكم صادر من محكمة القضاء يوجب مساءلتها عن تعويض المحكوم له عما أصابه من ضرر سواء كان ذلك الضرر مادياً أو أدبياً.وخلاصة ما سبق أن الواجب يقتضي على رجال الإدارة العامة وعلى رأسهم الوزراء تنفيذ الأحكام احتراماً للقانون وإعمالاً للصيغة التنفيذية التي تلزم الوزراء ورؤساء المصالح بتنفيذ الأحكام القضائية، إذ أن امتناع الإدارة عن ذلك هو مخالفة قانونية صارخة تستوجب مساءلة الحكومة عن التعويضات، لأنه لا يليق بحكومة في بلد متحضر أن تمتنع عن تنفيذ الأحكام النهائية لما يترتب على هذه المخالفة الخطيرة من إشاعة الفوضى وفقدان الثقة في سيادة القانون وانحسار دور السلطة القضائية التي كلما توسعت سلطاتها دلك على ديمقراطية البلد واحترام رجال الإدارة فيها للشرعية ومبدأ سيادة القانون.[c1]* عميد كلية الحقوق - جامعة تعز[/c]
|
تقرير
التعيين للدرجات الوظيفية ودعوى الإلغاء
أخبار متعلقة