ما المقصود بالشخص المسؤول؟
الشخص المسؤول هو من يدرك عواقب أفعاله ولا يُلقي بمسؤولياته على الآخرين. وهو يتميز بالدقة والانضباط، ويلتزم بالمواعيد، ويسعى جاهدًا لتحقيق الأهداف، ويتعلم من أخطائه. هو الذي يتمتع بالموثوقية بحيث يفي بوعوده والتزاماته، مهما كانت المواقف. ولديه ملكة التحكم بمشاعره في أصعب الظروف. هو ذلك الشخص الذي يركز على النتائج عند حل المشكلات ولديه قدر كبير من الاستقلالية، ولا يختلق الأعذار ولا يتوقع من الآخرين أن يحلوا مكانه. والشخص المسؤول عادة ما يمتلك الاستعداد والقدرة على التصرف والمبادرة وحتى المغامرة المحسوبة وقبول النتيجة، نجاحا وفشلا. والشخص المسؤول هو الممتثل للدستور والقانون.
وعندما نقول إنه ممتثل للدستور والقانون، فنعني بذلك أنه لا يدعي احترام الدستور والقوانين النافذة (فقط كما سارت به الأحاديث)، بل هو يحولها إلى واقع حياتي يلمسه الناس. أي أنها حجة له وحجة عليه. فإذا أصاب حق له أن يتمتع بالاعتراف له ويزهو بثمار النجاح، وإذا أخفق عليه أن يتحمل نتائج أفعاله. فمادام هو مسؤول فإن المعادلة تكون: (يُحاسَب عن عمله ونتائجه ويحاسب من هم تحت إمرته).
لكن لا يمكن أن يكون المسؤول منزوع الصلاحيات. فهو لا يستطع اتخاذ القرار الذي يفكر فيه؛ لأن ليس هناك ما يخوله فعل ذلك. ثم يجد نفسه مسؤولا عن قرارات اتخذها غيره. في وضع كهذا لا تستقيم أمور أي دولة. بل لا تتقدم الدولة في بيئة من تنازع الصلاحيات.
في النظام الرئاسي، يتخذ رئيس الدولة جميع القرارات ويكون مسؤولا عنها أمام البرلمان. مثال على ذلك الرئيس الأمريكي، كم هي القرارات التي اتخذها ترامب وقلبت الحياة الدولية رأسا على عقب، ولكنه في نهاية المطاف سيقدم كشفا كاملا أمام البرلمان بغرفتيه وأمام الناخب الأمريكي بصورة من الصور، بمعنى أنه لن ينجو من الحساب إذا ما كانت النتائج عكسية لما خطط له، ولكن بالتأكيد سيكون مزهوا إذا كانت النتائج فعالة بالنسبة لطموحات أغلب الأمريكيين، فقد حصد ما يقارب من ستة تريليونات دولار بمجرد بيع الكلام، ودخلت الخزينة الأمريكية تريليونات كثيرة بفعل الرسوم التي هزت اقتصاد العالم، ولكنها لا تبدو مضمونة العواقب لما أثارته من لغط وبما قد تفرزه من نتائج.
أما في النظام البرلماني، فإن رئيس الوزراء هو الجوكر وليس الملك ولا الرئيس، وهو الذي يتخذ القرارات ومُساءل عنها أمام البرلمان، فرئيس الوزراء من أصوات الناخبين.
في بلادنا وبفضل برلمان 2003، الذي انشغل في حياته الطويلة بقضيتين فقط (التشريع لنفسه بحقوق لم يسبقه بها أي برلمان في العالم، وتفصيل وتدوير الدستور والقوانين حسب الاحتياجات الرئاسية)، في حالة من تبادل المنافع. وهكذا جُمعت صلاحيات النظام الملكي الرئاسي والبرلماني والقبلي والمناطقي في شخص واحد. ولكن لم يكن هناك شخص مسؤول. في وضع كهذا ما الذي يمكن أن يفعله رئيس وزراء لا يعين وزراءه ولا يخضع له الوزراء المعينون معه بنفس القرار، فهم يشعرون أنهم بنفس المنزلة ومصدر تعيينهم واحد؟
إذا أراد شخص ما أن يكون مسؤولا أن (يُحاسب ويحاسب)، معناه أن يخوض حربا ليكون مستقلا في قراره. ولكي يكون مستقلا في قراره لابد أن ينتزع الصلاحيات التي تمكنه من ذلك.
لا يمكن محاربة الفساد مثلا في بيئة تعددت فيها مراكز اتخاذ القرار، في دول كثيرة يعرف الفاسد مسبقا أن ليس له إلا نهاية واحدة، ولا ينتظر الترقية إذا كشف فساده. في يوليو الماضي أقدم وزير النقل الروسي رومان ستاروفويت على الانتحار في نفس يوم صدور قرار عزله من منصبه على خلفية شبهات فساد. بعض المصادر الروسية أكدت أن الادعاء العام أمر باعتقاله (فساد مالي واختلاس). هذه ليست سابقة فيما يخص الفساد، هناك نماذج من كوريا الجنوبية والصين واليابان.
الشاهد في الأمر، أن القرارات الصعبة في مسائل الإصلاحات ككل لتحريك عجلة الاقتصاد تحتاج إلى الجرأة، ووحدة مركز اتخاذ القرار، وفعالية النظام القضائي. هل يستطيع بن بريك انتزاع كل هذا؟؟؟
